توطين الفلسطينيين ليس ”فزاغة” بل حقيقة عبر عنها نتنياهو ليس موضوع توطين الفلسطينيين ”فزاعة” تستخدمه المعارضة اللبنانية، كما يقول أقطاب ومنظرو ”١٤ آذار”، بل هو مشروع يهودي يقوم على تشريد الفلسطينيين من أرضهم ونفيهم إلى دول أخرى مجاورة أو بعيدة، للتاكيد على المقولة الصهيونية: ”فلسطين ارض بلا شعب، لشعب بلا أرض”، التي أصبحت حقيقة مع خطاب بنيامين نتنياهو فالتوطين يعني رفض حق العودة للفلسطينيين الذي نص عليه قرار الأمم المتحدة ”١٩٤” والذي صدر في العام ١٩٤٩ ولم ينفذ، وبقي الفلسطينيون في الشتات، ينتظرون من يعيدهم إلى أرضهم ومنازلهم. لكن المؤامرة عليهم، كانت تقضي بأن يبقوا حيث هم، فأنشأت لهم المنظمة الدولية، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، لا من أجل عمل إنساني، بل لسبب سياسي محض، أن ينسى اللاجئون العودة، ويذوبون في المجتمعات التي نزحوا إليها. إلا أن الشعب الفلسطيني استدرك هذا الأمر، لاسيما بعد أن شاهد تلكؤ الأنظمة العربية في تحقيق عودتهم، فلجأ هذا الشعب إلى تنظيم كيانه السياسي لحفظ هويته الوطنية وتأمين حقوقه، فكان نشوء منظمة التحرير الفلسطينية، التي أصبحت الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، والتي ضمت منظمات وفصائل قررت النضال بشتى الوسائل المتاحة للعودة إلى فلسطين نجحت منظمة التحرير الفلسطينية، بإعادة فلسطين الى الخريطة العربية والدولية، وإلى الجغرافيا السياسية، وبات لها مكاتب تمثيل، رفعتها بعض الدول إلى مستوى السفارات، مما اربك العدو الصهيوني، الذي فوجئ بالحضور الفلسطيني شعبياً وسياسياً ودبلوماسياً، إضافة إلى ولادة البندقية الفلسطينية من جديد، والتي واكبت العمل السياسي والدبلوماسي، حيث ظن القادة الإسرائيليون ومعهم متواطئون من الحكام العرب، أن فلسطين أصبحت خارج التداول، وأن المسألة لا تتعدى صراع حدود مع بعض الانظمة العربية يمكن تسويتها، إلا أن المارد الفلسطيني الذي خرج من القمقم، عطّل كل المشاريع السلمية، التي بدأت بعد هزيمة الجيوش العربية أمام الجيش الإسرائيلي الذي احتل كامل فلسطين في حرب حزيران ١٩٦٧، وشرد فلسطينيي الضفة الغربية والقدس وغزة الانتصار الذي حققته ”إسرائيل” على الأنظمة العربية، واجهه الفلسطينيون بالكفاح المسلح وامتشاق البندقية لتحرير فلسطين على يد ابنائها، فكانت معركة الكرامة عام ١٩٦٨في الأردن الذي تآمر على المقاومة الفلسطينية وذبحها، وطرد قادتها، بعد أن أقفل الحدود مع الكيان الصهيوني بوجه الفدائيين الذين انتقلوا من الأغوار في الأردن، الى العرقوب في جنوب لبنان، وأقاموا قواعد لهم في كفرشوبا، وشبعا، والهبارية، وكفرحمام، وراشيا الفخار للانطلاق منها باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة. لكن ما أصاب المقاومة الفلسطينية في الأردن، لحق بها في لبنان، وبدأت الصدامات معها من قبل الجيش اللبناني وحزب الكتائب، تحت عنوان السلاح الفلسطيني سلاح غير شرعي، ولا يمكن أن يتواجد على الأرض اللبنانية جيش غير الجيش اللبناني كانت عمليات تصفية المقاومة الفلسطينية، تقع كلها تحت هدف واحد، هو منع حق العودة للفلسطينيين، وإحياء الشعور الوطني لديهم، ومنعهم من حمل السلاح لمنع عودتهم، ويوطنهم حيث هم، بعكس ما كانت تروج له الأبواق الانعزالية في السبعينات، من أن الفلسطينيين يريدون ”إقامة دولة لهم في لبنان” وتبين أن هذه المقولة غير صحيحة، بدليل ان ”إسرائيل” اجتاحت لبنان مرتين في العام ١٩٧٨ ثم في العام ١٩٨٢، ودخلت إلى المخيمات الفلسطينية وصادرت السلاح، وأخرجت المقاتلين من الجنوب والبقاع وبيروت، ورحلتهم إلى عدد من الدول، ولم يتوقف المشروع الإسرائيلي في توطين الفلسطينيين في لبنان، كما في إقامة ”الوطن البديل” لهم في الأردن وعندما قررت منطمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات التخلي عن ميثاقها، بوقف الأعمال العسكرية، والقبول بدولة فلسطينية على جزء من فلسطين في حدود العام ١٩٦٧، أي في الضفة الغربية وغزة، وتوقيع اتفاق اوسلو في ايلول العام ١٩٩٣، بعد افتتاح أعمال مؤتمر مدريد وترك حق العودة، والقدس إلى المفاوضات النهائية، لكن ما حصل، أن ”إسرائيل” كانت ترفض البحث في موضوع عودة اللاجئين أو القدس، وماطلت في قيام دولة فلسطينية كي لا تنسحب من الضفة الغربية وغزة، والسماح للفلسطينيين فقط في إدارة شؤونهم حياتياً وخدماتياً، بحيث لا تقوم دولة فلسطينية كما هو منصوص عنها في ميثاق الأمم المتحدة فرفض حق العودة، هو من صلب السياسة الإسرائيلية، وجاء خطاب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الأخير، ليحدد سقف ما يقبل به لاستئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، (دولة منزوعة السلاح)، وأن ما يعد به الشعب الفلسطيني ليس إعادة الأرض، بل تنشيط الاقتصاد معهم ورفع نتنياهو لاءات ثلاث: لا لعودة اللاجئين، لا لإعادة القدس التي ستبقى عاصمة لإسرائيل، لا لتفكيك المستوطنات وتعيين حدود ”دولة إسرائيل هذه اللاءات تؤكد أن لا حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وأن الدولة العبرية، تسعى ليس إلى رفض العودة لفلسطينيي الشتات، بل تعمل لتهجير ما تبقى من فلسطينيي العام ١٩٤٨ والذي بلغ عددهم حوالي مليون ونصف مليون مواطن، من أجل تكريس يهودية الدولة، وتحقيق حلم قيام دولة لليهود، فهؤلاء الفلسطينيون ينتظرهم الطرد من منازلهم، عبر إجراءات تتخذ الطابع القانوني، أو عملية ”ترانسفير” كبيرة، من خلال التذرع بعمل أمني ما، يكون هدفاً لترحيل ما تبقى من فلسطينيين في أراضي العام ١٩٤٨، وهؤلاء سيخرجون باتجاه الأردن ولبنان وسوريا لكن عملية الترحيل هذه دونها عقبات، وأن ما حصل في العام ١٩٤٨ لن يتكرر، لأن المشهد مختلف كلياً عند الفلسطينيين الذين أخذوا قضيتهم بيدهم، وأخرجوها من يد الدول العربية، كما لن يسمحوا أيضاً للسلطة الفلسطينية أن تساوم بدولة يهودية، أو أخرى فلسطينية، تقوم على حساب حق الفلسطيني في أرضه، والفلسطينيون واعون لهذه المؤامرة، وهم أكثر العاملين لرفض التوطين أو الوطن البديل بتمسكهم بحق العودة، حتى ولو حاول البعض تطبيق بند من القرار ١٩٤، يتعلق بدفع بدل مالي، لكل مواطن فلسطيني لا يريد العودة، وهذا المشروع طرح على مسؤولين لبنانيين، بعد مؤتمر مدريد، وقد سوّقت له كندا وبعض دول أوروبية، وتسعى فرنسا الآن إلى طرح مشروع لإقامة صندوق تعويض لللاجئين، حيث ما زالت الفكرة تلقى رواجاً عند مسؤولين لبنانيين وفلسطينيين، إذ يجري الحديث عن مبلغ (٨٠) مليار دولار كثمن للتوطين، الذي يتم تمريره عبر التجنيس، أو السفر، أو تحسين أوضاع معيشية بتشتيت الفلسطينيين من المخيمات إلى خارجها، وتذويبهم في المجتمع اللبناني. والتأخير الحاصل في إعادة إعمار مخيم نهر البارد يدخل في هذا الإطار، كما أنه ينتظر مخيم عين الحلوة أحداثاً أمنية ما قد تكون مشابهة لما جرى في البارد من أجل إزالة المخيمات الكبرى التي تضم أكثر من ثلث الفلسطينيين، الذين لن يكون أمامهم إلا الشتات من جديد إما في لبنان، أو إلى الخارج، فيسقط حق العودة، لحساب التوطين والتهجير
Leave a Reply