لولا الاستيطان في الضفة الغربية لربما أمكن قيام دولة فلسطينية منذ عقود، إذ لا يعقل أن ينتمي ربع مليون يهودي يعيشون بجوار القدس ونابلس ورام الله وأريحا إلى دولة غير إسرائيل. هؤلاء في معظمهم يشكلون شريحة شديدة التدين والتطرف العنصري في المجتمع الإسرائيلي تحسب أن إقامتها في (يهودا والسامرة) كناية عن الضفة الغربية، هي إقامة مباركة في أرض الميعاد، وأن خروجهم منها يعني نوعاً من الانقلاب على تعاليم التوراة، في وجهة نظرهم وبالتالي كفراً بالديانة اليهودية، ومن هنا يجد القادة الإسرائيليون أنفسهم ملزمين بعدم التجرؤ على ملامسة هذا الخط الأحمر، الذي على أعتابه وصل بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان إلى قمة السلطة في تل أبيب، وعليه فالرجلان ومن هم على شاكلتهما من الزعماء الإسرائيليين المتطرفين لن يجدوا غضاضة في شن حرب، إذا ما كان الخيار شنها أو إزالة المستوطنات، خاصة الكبيرة منها، والتي هي بمثابة مدن عصرية تلف مدينة القدس التفاف السوار بالمعصم، ومن هذه معاليه أدوميم، آدم، نافيه يعقوب وغيرها، بدأ إنشاؤها منذ العام ١٩٦٧ والهدف منها ومن مستوطنات كبيرة أخرى منتشرة حوالي المدن الفلسطينية، استراتيجي هو صد هجوم بري محتمل من الجهة الشرقية تقوده إيران (بعدما أمكن تحييد القوة العراقية) أو من الجهة الشمالية يكون رأس الحربة فيها الجيش السوري وأجنحةالمقاومة.
سيناريو غريب على عقل القارئ العربي، لكنه محل اعتبار عند قادة السياسة والفكر الصهاينة، هؤلاء يدركون أن العرب والمسلمين، لن يهدأ لهم بال، ولن يصمتوا إلى الأبد عن احتلال إسرائيل للقدس الشريف التي فيها الأقصى مسرى نبيهم، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
أضف إلى ذلك اعتبار إسرائيل للمستوطنات ثغوراً لكيانها، فهي تعد بؤراً أمنية متقدمة داخل العمق الفلسطيني، تتيح التواجد فيها للجيش الإسرائيلي بهدف المراقبة والتتبع وملاحقة ما تعتبره إسرائيل خلايا ”تخريبية ” يمكن أن تنشط عبر الحدود وتنفذ عمليات إرهابية في الحواضر الإسرائيلية ناهيك عن ما تمثله هذه المسنوطنات من حاجة ماسة جغرافية لتخفيف الازدحام السكاني في المدن الاسرائيلية، خاصة عند الخاصرة الوسطى للكيان، والتي تمثل الثقل الصناعي بين القدس وتل أبيب، والتي تشهد اختناقات مرورية في ساعات الذروة، أشبه بتلك الاختناقات التي تشهدها ضواحي في نيويورك ولوس أنجلوس.
تلك هي الأهمية التي تشكلها المستوطنات لإسرائيل، بيد أنها تمثل حجر عثرة أمام تحقيق الحلم الفلسطيني بالتحرر والسيادة وإقامة دولة عاصمتها القدس، ذلك أن المستوطنات ليست جزراً منفصلة عن كيانها الأم، فهي تربطها ببعضها وبالمدن الاسرائيلية طرق سريعة التفافية يصل طولها مئات الكليومترات أقيمت على أراض فلسطينية، وضعت عليها نقاط تفتيش ومراقبة من الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود، ما يعني غياب سيادة الدولة الفلسطينية على أراضيها في أية مفاوضات محتملة، مضافاً إلى ذلك غياب سيطرتها على المياه، كون القسم الأكبر منها يذهب إلى هذه المستوطنات، ثم إن القانون الفلسطيني لن يكون مطبقاً على المستوطنين، حينها سوف ينظر إلى هذه الغيتوهات باعتبارها سفارات يحمل سكانها حصانات دبلوماسية، سابقة خطيرة ليس لها مثيل في التاريخ.
الذي يخشاه الفلسطينيون أن تبادر إسرائيل في مفاوضات سلام محتملة إلى محاولة مبادلة سكان هذه المستوطنات بسكان عرب يعيشون داخل الخط الأخضر، بمعنى سحب المستوطنين إلى الداخل الإسرائيلي في مقابل طرد مليون فلسطيني من عرب ٤٨ إلى الضفة وغزة، للمحافظة على الهوية اليهودية للدولة العبرية، أو أن تضم هذه الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل في صفقة تبادل أراض تعطى بموجبها الدولة الفلسطينية المرتقبة جزءاً من صحراء النقب القريبة من غزة.
Leave a Reply