السعودية ترتب علاقة الحريري مع سوريا وجنبلاط نصحه بزيارتها
دخول مصري أميركي إسرائيلي على خط تشكيل الحكومة برفض تمثيل “حزب الله”
هل يقع لبنان في الفراغ الحكومي، كما حصل في الفراغ الرئاسي، وينتظر أشهراً حتى تشكل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية؟
هذا السؤال يُطرح من أكثر من جهة سياسية وحزبية لبنانية مع التأخر في صدور مراسيم الحكومة بالرغم من أن الفترة التي تمّ تكليف النائب سعد الحريري تأليفها ما زالت طبيعية، إذ أن تشكيل الحكومات في لبنان، كان يمتد لأسابيع، بسبب الشروط والشروط المضادّة من قبل الكتل النيابية والأحزاب، والحصص التي تطلبها، والحقائب التي تريد الحصول عليها.
الآن في تشكيل الحكومة الحالية تبرز عقدة الضمانات بترجمتها في الثلث الذي تطالب به المعارضة، كما حصل في حكومة اتفاق الدوحة، إذ نالت ١١ مقعداً من أصل ٣٠، وأعطي رئيس الجمهورية ثلاث مقاعد.
فالمعارضة ما زالت عند مطلبها بالثلث الضامن، أو تمثيلها وفق حجمها النيابي على أساس النسبية، فتحصل على ١٤ مقعداً وليس على ١١، مقابل ١٦ للموالاة، دون احتساب حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الذي ليس لديه كتلة نيابية تؤيّده، وقد حاول بعض الأطراف وشخصيات سياسية، محاولة تكوين كتلة للرئيس أثناء الانتخابات النيابية تسمّى “الكتلة الوسطية”، أو “كتلة المستقلين”، وقد بادر إلى طرح هذه الفكرة النائب ميشال المرّ، لكنه فاز لوحده، ولم يفز معه مَن كان يعلن أنه مرشّح إلى جانب رئاسة الجمهورية، مثل منصور غانم البون، وناظم الخوري، وهكذا باتت المقاعد التي سيحصل عليها رئيس الجمهورية ستكون على حساب الكتل النيابية بتصغير حجمها الوزاري، حيث تُطرح صيغ عدة موزعة على الشكل الآتي: ١٥ للموالاة، و١٠ للمعارضة، و٥ لرئيس الجمهورية، كما يتم التداول بصيغة أخرى تضم: ١٦ للموالاة، و ١٠ للمعارضة و ٤ لرئيس الجمهورية، وجرى تسويق اقتراح يقوم على ١٣ للموالاة و ١٠ للمعارضة، و ٧ لرئيس الجمهورية.
هذه الصيغ الوزارية، ما زالت في إطار التسريبات، وهي تشبه تلك المرحلة التي سبقت اتفاق الدوحة، عندما وقعت الأزمة الوزارية باستقالة وزراء “حركة أمل” و “حزب الله” الخمسة، ومعهم الوزير يعقوب الصرّاف الذي كان محسوباً على الرئيس اميل لحود، من حكومة فؤاد السنيورة الأولى، مما أوقع البلاد بأزمة دستورية لجهة فقدان الحكومة شرعيتها، لأن طائفة أساسية ووازنة خرجت منها، اضافة إلى الأزمة السياسية التي رافقتها توترات أمنية، وحضر موفدون عرب وأجانب للمساعدة في حل الأزمة، وأبرزهم الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي حمل مبادرة عربية، في ظل اعتصام نفّذته المعارضة في ساحة رياض الصلح تطالب بالمشاركة في حكومة وحدة وطنية، يتمثل فيها المسيحيون تمثيلاً صحيحاً، بعدما تمّ إبعاد “التيار الوطني الحر”، الذي مثل في انتخابات ٢٠٠٥ الأكثرية الشعبية لدى المسيحيين.
تقدّم موسى بعدّة اقتراحات لحلّ الأزمة، وكان ينطلق من فكرة “الوزير الملك”، غير المحسوب على أي طرف من الطرفين، لصيغة حكومية من: ١٩ للموالاة، و١٠ للمعارضة، إلا أن هذه الصيغة رفضتها المعارضة، لأنها لا تثق بأن لا ينحاز هذا الوزير إلى قوى ١٤ آذار، كما حصل مع وزراء كانوا مع الرئيس لحود، وانقلبوا عليه لصبحوا مع الأكثرية الحكومية، وأخلّوا بالتوازن داخل مجلس الوزراء، وتسببوا أيضاً بالأزمة.
وما يُطرح اليوم هو إعطاء الرئيس سليمان وزراء يشكلون هم الضمانة داخل مجلس الوزراء، بحيث يتأرجح عدد هؤلاء، إذ هناك مَن يُطالب بأن تكون الحصة بحدود سبعة وزراء، لتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي أعلن أن مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية ستكون مختلفة عن المرحلة السابقة، وأن عهده الفعلي سيبدأ، مع حكومة تواكبه في ورشة الإصلاح، لأنه يريد لرئاسته أن تترك بصمات وإنجازات، فهو لا يقبل أن يُدير أزمة، أو يتفرّج ويكون شاهداً في مجلس الوزراء، على صراع بين طرفين سياسيين.
فالصراع على الحصص داخل الحكومة، وهي من طبيعة تشكيل الحكومات في لبنان، ولكن يبدو أن ولادة الحكومة بحاجة إلى دعم خارجي، وإلى توافق عربي وضمانات إقليمية ودولية، لأنه قد دخل على خط التشكيل جهات عربية وإقليمية ودولية، وكان بارزاً التواصل السوري-السعودي، واللقاءات التي عُقدت بين الرئيس بشار الأسد وموفد الملك السعودي نجله الأمير عبد الله، يرافقه وزير الإعلام والسفير السابق في لبنان عبد العزيز خوجة، وقد كان الوضع اللبناني حاضراً في محادثات الطرفين، لا سيما تشكيل الحكومة التي تسعى السعودية إلى تسهيلها أمام الرئيس المكلف، وتعمل لترطيب العلاقات بينه وبين القيادة السورية، التي توترت نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولم تثبت التحقيقات الدولية، ضلوع سوريا فيها، أو ما كان يُسمّى “النظام الأمني اللبناني-السوري المشترك”، لا سيما بعد خروج الضباط اللبنانيين الأربعة من السجن بعد احتجازهم سياسياً لمدة تزيد على ثلاث سنوات، دون أن تقدّم أدلة تدينهم.
وتركزت الاتصالات السورية-السعودية على ايجاد المخرج اللائق، لزيارة يقوم بها سعد الحريري إلى دمشق، وكيف يمكنه تسويقها أمام حلفائه في ١٤ آذار وجمهوره الذي جرت تعبئته على أن سوريا شريكة في جريمة اغتيال الحريري، والتحريض على نظامها، وقد درست صيغ عدة لهذه الزيارة، الذي أصرّ مسيحيّو السلطة أن تكون بعد تشكيل الحكومة، ووفق برنامج محدد، في وقت كان النائب وليد جنبلاط يشجع على حصولها ولو من بعض التنازلات المتبادلة، حيث نصح الحريري أن يضع وردة على ضريح والده، ويذهب إلى دمشق، كما فعل هو بعد اغتيال والده كمال جنبلاط في آذار ١٩٧٧، ويترك أمر التحقيق للمحكمة الدولية، لأن لبنان محكوم بالعلاقة الاستراتيجية مع سوريا من كل نواحيها الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية.
وقد أثرت عودة العلاقات السورية – السعودية إيجاباً على لبنان، الأمر الذي سيكون له بصمات على تشكيل الحكومة وتحقيق الاستقرار، فالمصالحة التي تمّت في الكويت بين الملك عبد الله والرئيس الأسد، كان لها وقع جيّد في لبنان، إذ تراجعت حدّة المواقف من بعض حلفاء السعودية لا سيما “تيار المستقبل” ضد النظام في سوريا، وهذا أمر يساهم في تنقية الأجواء، إذ كانت القيادة السورية تتذمّر من احتضان آل الحريري لمعارضين سوريين في لبنان والخارج وتقديم العون لهم، وفتح المنابر لهم عبر وسائلهم الإعلامية ووسائل أخرى، وهذا الموضوع كان من أحد أسباب التوتر في العلاقة مع أطراف لبنانية وسورية، ترفض استدراجها للتدخل في لبنان لجهة إقناع حلفاء لها للتنازل عن شروطها، بعدم المطالبة بالثلث الضامن داخل الحكومة، وأن تتعهّد سوريا بتقديم ضمانات لحلول حول عدد من المسائل العالقة مع لبنان، مثل ترسيم الحدود، والتسليم بلبنانية مزارع شبعا، ونزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بالضغط على فصائل فلسطينية متحالفة معها كـ”الجبهة الشعبية – القيادة العامة” التي تقيم قواعد لها في “قوسايا” و”الناعمة”، أو “فتح – الانتفاضة” في حلوى على الحدود مع سوريا، وإقفال ملف المعتقلين في السجون السورية، ومعرفة مصير المفقودين اللبنانيين إبّان الحرب الأهلية.
هذه العناوين التي طُرحَت في اللقاءات السورية-السعودية، أكدت سوريا بأنها مسائل تحَلّ عندما تقوم حكومة وفاق وطني، وتتمثل فيها القوى السياسية الفاعلة، عندها يبدأ البحث فيها، ضمن ثقة متبادلة، حيث كل موضوع مرتبط بقضية ما، مثل ترسيم الحدود عند مزارع شبعا له علاقة بالاحتلال الإسرائيلي لها، والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات مرتبط بالتأكيد بحق العودة، ورفض التوطين، وتحسين أوضاع الفلسطينيين المعيشية والحياتية والخدماتية داخل المخيمات، وهذه مسألة لبنانية-فلسطينية لا علاقة لسوريا بها، أما المفقودون فهناك لجنة قضائية مشتركة تتابع قضيتهم، لأن لسوريا أيضاً مفقودون من أبنائها في لبنان، ويجب معرفة مصيرهم.
هذه الاتصالات السورية-السعودية على ما يبدو، تحاول كلا من مصر والولايات المتحدة واسرائيل تفشيلها، إذ تطالب هذه الدول، بإخراج “حزب الله” من المعادلة الداخلية، ومنع تمثيله في الحكومة، حيث تعتبره مصر امتداد إيراني، ويشكل تهديداً للأنظمة العربية المعتدلة، ومنها نظامها، فيما تعتبره أميركا متهم بـ”الارهاب” ومن هنا تطالب بعدم مشاركته في الحكومة، وهذا ما أعلنه ايضاً رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع ايهود باراك، من أن مشاركة “حزب الله” وحتى المعارضة مجتمعة في الحكومة، يعني أن لبنان كله مهدد من قبل الجيش الإسرائيلي، لأن الدولة اعترفت بالحزب وأعطت شرعية لسلاحه.
هذه التدخلات الخارجية، تؤخر تشكيل الحكومة، ويبقى سلاح المقاومة هو الأساس، لأن هناك مَن يطالب ان لا يعطي الحريري ضمانات لـ”حزب الله”، كما أعلن رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل، ومثله أيضاً “القوات اللبنانية” ومسيحيّو ١٤ آذار، وهؤلاء يستجيبون للمطلب الأميركي-الإسرائيلي، بنزع سلاح المقاومة، لكن الحريري لم يستجب لهم واعتبر التصريحات الإسرائيلية اعتداء على لبنان، وهو موقف إيجابي منه، يطمئن المقاومة بعد إعلانه بأن سلاحها خارج التداول، ومتروك لطاولة الحوار والبحث في الاستراتيجية الدفاعية.
فالحريري الابن يريد أن يدخل إلى رئاسة الحكومة، وقد نزعت الألغام من أمامه، بدءاً من علاقته مع سوريا التي ترتبها السعوية، إلى تقديم ضمانات لـ”حزب الله”، إلى محاولة إشراك المعارضة في الحكومة دون تعطيل لها، من خلال زرع الثقة معها، ويكون رئيس الجمهورية هو الحَكمْ.
إن المهلة الطبيعية لتشكيل الحكومة هي الشهر، أما إذا تعدّته دون حلّ للعقد، فمعنى ذلك أن لبنان دخل في أزمة حكم قد تمتد طيلة الصيف، وفي فراغ حكومي تملأه حكومة تصريف اعمال، وهذا ما يستدعي ربما اتفاق عربي جديد لإنجاز التشكيلة الحكومية.
Leave a Reply