أوضح بداية أن لا مشكلة لدي مع مسألة قيادة المرأة العربية للسيارة. فهذه المسألة أكثر من ضرورة للمنزل والأطفال وتدبير أمور العائلة فيما الزوج يعمل لساعات طويلة بعيداً عن المنزل. أعرف أن هنالك رجالاً لا يرغبون في تعليم نسائهم قيادة السيارات، ولأسباب لا علاقة لها بقدراتهن بل تتصل أساساً بنظرة دونية إلى المرأة وذهنية منغلقة موروثة، لم تستطع تجربة التفاعل مع المجتمع الأميركي إزالتها أو التخفيف من حدتها.
لكن ثمة مشكلة مع الطريقة التي تقود بها بعض النساء سياراتهن في شوارع المدينة. هذا البعض من نسائنا يشكل نسبة لا بأس بها منهن.
العنصر الرئيس في هذه المشكلة أن بعض السيدات لا يدركن وهن خلف المقود أنهن مسؤولات عن عربات متحركة بسرعات متفاوتة، تكون غالباً ملأى بالأطفال (أطفالهن).
توحي بعض “السائقات” أحياناً وهن يسرن على الطرق ويجتزن التقاطعات أنهن يعبرن من المطبخ إلى غرفة الطعام أو الاستقبال: جهاز الهاتف على الأذن.. المحادثة التلفونية ممتدة، ربما من لحظة الإقلاع، و”التركيز” بنسبة ساحقة يكون مع الطرف على الجانب الآخر من الخط، أما ما “يجري” على الأرض، فيقع في أدنى اهتمام بعض السائقات اللواتي “يكتشفن” أنهن داخل عربة متحركة فقط عندما يعبرن دون توقف عند إشارة التوقف باتجاه شارع رئيس مكتظ بحركة السير، دون أدنى إحساس بالمسؤولية، ليس فقط تجاه الآخرين، بل تجاه أطفالهن الذين يتعرضون لمخاطر الموت المحقق جراء اصطدامات تبدو حتمية في ظل “ثقافة القيادة” المحدودة جداً لدى هذا الصنف من “السائقات”.
لي شخصياً أكثر من تجربة مرعبة مع بعضهن. قبل نحو أسبوع اقتحمت إحدى السائقات إشارة التوقف عند تقاطع الشارع الفرعي الذي كانت تسير عليه باتجاه شارع شايفر الرئيس. بدا المشهد اشبه بعمل “انتحاري” يدفعك إلى “الهروب” الى الخط المحاذي عن يمينك ليتكفل لطف الله وحده بعدم اصطدامك بسيارة أخرى، بعدما تنجو من الاصطدام المباشر مع “الانتحارية” المدججة بجهاز الهاتف فوق أذنها والمستغرقة بحديث “مهم” فيما يقبع عدد من الأطفال في المقعد الخلفي، بلا أحزمة أمان على الأرجح.
تطلق بوق سيارتك بطريقة هستيرية لمحاولة إنقاذ نفسك والسيارة المقتحمة من هول اصطدام لا تحمد عقباه.. تمضي التجربة على خير.. “تستقيم” السائقة الآن خلفك والهاتف لا يزال ملتصقاً بأذنها متابعة حديثها كأن شيئاً لم يكن، تصدر عنك إشارة للسائقة المتهورة أن دعك من التحدث على الهاتف الذي كاد يودي بك وبأطفالك وبالآخرين، فتصعقك بردة فعلها على إشارتك: بعصبية وتعالٍ فارغ.. تأمرك بحركة من يدها الأخرى (الأولى لاتزال ممسكة بجهاز الهاتف) أن تابع سيرك واخرس أيها “الغبي” الذي لا يفقه في اصول السير ولا “يفهم” متعة التحادث مع الصديقات على الطرقات. تفكر بعد هنيهة من خروجك سالماً من هذه المواجهة غير المتكافئة مع سائقة رعناء لا تملك من مقدرات السياقة أكثر من الرخصة، أنك أمام صنف من سائقات غير مؤهلات وعديمات الأخلاق، فضلاً عن انعدام إحساسهن بالمسؤولية عن حياة أطفالهن وحياة الآخرين على حد سواء.
بعض “السائقات” يحولن الشوارع أمام وقرب مدارس أطفالهن إلى ساحات مصارعة بالحديد، في لعبة أشبه بلعبة السياقة العشوائية التي يلهو بها الأطفال في الكرنفالات. شاهدت بأم العين سائقات يحاولن العبور رغم وضوح ضيق المعبر أمامهن بإصرار وعناد مقتلعات مرايا السيارات المتوقفة على الجوانب دون أن يكلفن أنفسهن عناء التوقف مثلما تفرض عليهن القوانين. وأنا شخصياً خسرت أربع مرايا لسيارات تعود إلى منزلي في اقل من شهرين، بسبب كرنفال السائقات “البالغات” في عرضه المتواصل خلال موسم المدارس.
أمر آخر لا يقل خطورة، يتصل بهذا الصنف من “السائقات” عندما يركنّ سياراتهن في باحات أماكن التسوق. فالسائقة هي آخر من يترجل من السيارة، بعدما يندفع أطفالها عبر الأبواب الخلفية، وأحياناً لا تكون العجلات قد توقفت نهائياً عن الدوران، والسائقة تكون أول من يستقر خلف المقود فيما أطفالها يعالجون الأبواب للدخول، فتدير المحرك وتبدأ بالصراخ لكي “يستعجلوا” بالصعود وقد شاهدت بأم العين أيضاً حالات تحركت فيها السيارات قبل أن يتسنى للأطفال الاستقرار في مقاعدهم. ولا يطمع أحد هنا بإشراف “السائقة” الأم على تأمين أطفالها بالأحزمة. فذلك ترف لا يدرك مع هذا الصنف منهن.
ثمة مشكلة حقيقية مع سائقات في المدينة، لا يعقل أنهن نلن إجازاتهن عن جدارة واستحقاق. أعرف أن بعض مدارس تعليم السياقة تمنح الرخص على “الطريقة اللبنانية” و أعرف أن هناك مؤسسات تتوجه نحو النساء ببرامج “توعية” و”تثقيف” و”تحصين”. خصوصاً في الأمور الدينية ..وهذا جيد، لكن أنصح هذه المؤسسات والقيمين عليها بتوجيه الاهتمام أيضاً إلى جوانب أخرى من حياة النساء العربيات وعلاقتهن بأطفالهن وبالآخرين، ولرجال الدين الأجلاء وللأزواج أقول: لا يكفي أن تلتزم المرأة بالزي الإسلامي من حجاب واحتشام في المظهر الخارجي. فمسؤولية المرأة أخطر بكثير من هذا الالتزام الذي يبدو في أحايين كثيرة شكلياً وفارغاً من أية مضامين.
ولهذا الحديث صلة..
Leave a Reply