عبارة لأحد النواب تختصر الوضع الحكومي أو أزمة التشكيل العالقة بين فكي ٨ و١٤ آذار: ”ليس هناك تفاصيل داخلية” وعند سؤاله عما يمكن أن يكون قد أسره الرئيس المكلف سعد الحريري أو عما يسمعه في الكواليس السياسية، يجيب بأن الحريري لا يملك أية معطيات جديدة بهذا الشأن سوى بعض الخطوط العريضة العامة وهو حتى الآن لم يستطع أن يسجل أي خرق في صفوف المعارضة.
من دواعي السخرية أن لا يملك الرئيس المكلف تشكيل حكومة لبنان أدنى رؤية أو تصور عن وضع حكومته العتيدة وما ستؤول إليه على مستوى التشكيل، ربما لا يتحمل هو المسؤولية كشخص، ولكن هذا سيضعه أمام واقع صعب ومعقد ستكون تبعاته السياسية كبيرة على سعد الحريري سواء أصبح رئيساً لحكومة لبنان أو بقي نائباً.
بانتظار عودة الرئيس السوري بشار الأسد من زيارته لأذربيجان، حيث من المتوقع أن تستأنف مفاوضات الوضع الحكومي مع السعودية، ولكن بوتيرة مختلفة عن الجولة الأولى من المباحثات بعد أن طرأ تعديل على الموقف السعودي الذي اصطدم بموقف مصري متشدد تجاه سوريا وتجاه المعارضة في لبنان، في مسعى لاستعادة الدور المفقود في المنطقة بدعم أميركي علني وواضح قدمه الرئيس أوباما لمصر وللرئيس حسني مبارك.
في الدوائر الضيقة للعائلة الحاكمة لا تخفي السعودية امتعاضها من الحركة المصرية المعرقلة ويستشهد المسؤولون السعوديون بأن السعودية تركت لمصر تولي الشأن الفلسطيني في حرب غزة واكتفت بتغطية الموقف المصري ودعمه دون أن تملي على مصر أي شرط أو تضغط عليها لاتخاذ موقف أكثر تشدداً من إسرائيل، بالرغم من أن المملكة السعودية كان لها وجهة نظر تختلف عن المقاربة المصرية لحرب غزة، ودائماً حسب المصدر النيابي.
من جهة أخرى، فقد دخلت إيران، بعد أن تجاوزت أزمتها الرئاسية الداخلية، على خط المفاوضات الدائرة بين سوريا والسعودية وفي الذهن الإيراني زيارة الرئيس بشار الأسد إلى أذربيجان، الخاصرة الضعيفة لإيران ومناوئتها في السياسة. ليس بمعنى التعارض أو التصادم، فوفقاً لمنطق الدول هي لعبة المصالح المختلفة. ووفقاً لدبلوماسية هذه الدول في المصالح المشتركة. وإيران تعلم مدى الحاجة السورية الملحة لصفقة سياسية تخرجها من دائرة الأهداف الأميركية وهي نفس الصفقة التي تصبو إيران إليها مع فوارق جوهرية تتعلق بطبيعة كل من الدولتين وبطبيعة الدور الذي تسعى كل دولة للاضطلاع به في المنطقة.ففي حين تمثل إيران مشروعاً عريضاً في المنطقة له امتداداته وتأثيراته في العراق وفلسطين ولبنان ومنطقة آسيا الوسطى، فإن الدور السوري كان دائماً يستند إلى الدعم الإيراني المباشر، واشتدت الحاجة إلى هذا الدعم بعد صدور القرار الدولي ١٥٥٩ وما تلاه من اغتيال للرئيس رفيق الحريري، حيث عاش النظام السوري أحلك ايامه وأصعبها في ظل هجمة عربية ودولية هوجاء لم يلتقط معها النظام السوري أنفاسه إلا بعد انتصار المقاومة في حرب تموز ٢٠٠٦.
والنظرة الإيرانية في مقاربة ”الصفقة” تستند إلى مبدأ امتلاك القوة التي تحاول إيران تكريسها من خلال تحقيق عبور آمن لبرنامجها النووي إلى عام ٢٠١٣. وهو عام الإنجازات النووية الكبيرة بالنسبة للإيرانيين، على أن تشمل الصفقة الحليف السوري مع تأمين مصالحه وتحقيق مطالبه ومنحه دوراً إقليمياً يتماشى مع موقع سوريا في قلب الصراع مع إسرائيل. أما النظرة السورية في مقاربة الصفقة فهي تستند إلى اعتبار الوضع اللبناني العام بمثابة برنامج سوريا “النووي” الذي يدفع دول العالم وتحديداً الولايات المتحدة إلى دفع الأثمان الباهظة من أجل معالجته خاصة إذا كان ذلك سيؤدي تلقائياً إلى إضعاف النفوذ الإيراني في لبنان وفلسطين، إضافة إلى تصدع الحلف الذي يجمع سوريا وإيران، وتلك الأخيرة لا تغيب عن ذهن القيادة السورية التي تسارع إلى تطمين القيادة الإيرانية بأنه لن تكون هناك صفقة، بل إدارة مرحلية للملف اللبناني كي ينجلي غبار المرحلة، وهي تعلم بأن إيران تمتلك معظم الأوراق اللبنانية، وأن العبور إلى الصفقة لا يمكن إلا عبرها.
وعليه ينتقل الملف الحكومي من متعثر إلى متعثر جداً، في ظل فتح باب الانتساب أمام الدول الراغبة في المساهمة في رعاية الحل اللبناني!..
Leave a Reply