اجتماع المجلس الثوري لحركة فتح في ٤ آب (أغسطس) القادم في مدينة بيت لحم، وهو السادس من نوعه منذ الإعلان عن انطلاق الحركة في الكويت عام ١٩٦٤ تحت زعامة ياسر عرفات، وكان آخر اجتماع للمجلس في تونس عام ١٩٨٩ على أثر طرد منظمة التحرير من بيروت، جاء ليعزز شرخاً في بناء هذه الحركة، غير ذلك الذي بينها وبين حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والذي لم تستطع رتقه دول عربية كبرى مثل مصر والسعودية حتى اللحظة.
ذلك أن حركة فتح لشدة ما تعانيه من تشرذم وانقسام، استغرق اتفاق أعضاء مجلسها الثوري لتحديد مكان وزمان مؤتمرهم المرتقب ٢٠ عاماً، والسبب في ذلك تضارب الرؤى بين فريقين داخل الحركة، ما اصطلح على تسميتهم.. “الحرس القديم” وهم يقفون خلف مفاوضات عبثية مع إسرائيل، ويمسكون بزمام السلطة في رام الله، و”الحرس الجديد” وجلهم من أهالي الضفة الغربية، هم من فجروا الانتفاضتين الأولى والثانية، وليس عندهم إيمان كبير بالعملية السلمية، جزء منهم يؤمن باستئناف شن عمليات فدائية ضد إسرائيل لإجبارها على الرضوخ لمطالب الشعب الفلسطيني، والجزء الآخر يعتقد أن القضية لن تحل بمجرد مفاوضات صماء، دون اللجوء لكفاح سلمي وآخر عسكري، حتى لو أدى ذلك إلى وقوع ضحايا وتكبد خسائر اقتصادية واجتماعية فادحة.
إذا كان المجلس الثورري لـ “فتح” التئم في المرة السابقة على أثر اندحار المقاتلين الفلسطينيين وخروجهم من لبنان، بعد حرب شنتها عليهم القوات الإسرائيلية صمدوا خلالها ٨٧ يوماً، فما الذي تغير في صورة المشهد الفلسطيني مؤخراً، ليتفق المجلس الثوري بأعضائه الـ ١٥٠٠ على الانعقاد؟ أهي الحرب الإسرائيلية على غزة، التي استشهد فيها ١٤٠٠ فلسطيني، أم هو الحصار المفروض منذ سنوات ثلاثة، والذي بموجبه تمنع قوافل الإغاثة من الوصول إلى الغزيين براً وبحراً على متنها الدقيق والغاز والزيت وحليب الأطفال، كان آخرها سفينة “الروح الإنسانية”؟
لا هذا ولا ذاك هو ما دفع قيادات “فتح” إلى الاتفاق، فلربما آخر ما يفكر به بعضهم الالتفات إلى غزة وما يجري لأهلها، فهؤلاء بينهم وبين فقراء غزة والضفة الغربية بون اقتصادي واجتماعي وطبقي شاسع، هؤلاء هم من ركبوا السالطة وأفسدوا فيها، جمعوا الغنائم على حساب الشعب الفلسطيني، وهم يقيمون في فيلات فاخرة في الضفة الغربية، ويقودون سيارات المرسيدس والكاديلاك والكورفيت، وأبناؤهم يوفدون للدراسة في جامعات أوروبا وأميركا، ونساؤهم ينعمن بالتسوق في لندن ونيويورك وباريس، لمن يستهجن هذا الطرح عليه أن يسال كم عدد الملايين التي نهبها محمد دحلان، وهرب إلى مصر ويقيم منذ سنوات في أضخم الفنادق القاهرية، بل أين ذهبت أموال عرفات التي كان يحتفظ بأرقامها السرية في جيب سترته، سرقتها سهى الطويل أرملة الراحل وذهبت تنعم بها في أحد الأحياء الباريسية الراقية.
الذي دفع المجلس إلى الانعقاد، خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة، وإعلانه النية لمواصلة المفاوضات السلمية وصولاً لإقامة دولة فلسطينية، إعلان جاء بمثابة ‘القشة’ التي يسنتجد بها من أوشك على الغرق في بحر تتلاطم أمواجه، والموشكون على الغرق هنا هم الحرس القديم في فتح، الذين لفرط وهنهم السياسي مثلما هو الجسدي، لا يجدون شعارات يرفعونها في الانتخابات القادمة، فلا هم حرروا فلسطين بالمقاومة مثلما هو الحال في الجنوب اللبناني وغزة والعراق، ولا أثمرت مفاوضاتهم ودبلوماسيتهم عن نتائج ملموسة للشعب الفلسطيني، فهل حان الوقت لاختفائهم عن المشهد، أم أنه مازال في العمر بقية يودون استثمارها لصالح أبنائهم وأحفادهم وذراريهم؟
Leave a Reply