ملفت كلام الرئيس نبيه بري عن عدم تمسك المعارضة بالثلث المعطل كشرط للمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية الموكل تشكليها إلى النائب سعد الحريري. وملفت أيضا كلام رئيس تكتل الإصلاح والتغيير الجنرال ميشال عون الذي رد به على كلام الرئيس بري معتبراً أنه يمثل رأيه الشخصي ولا يمثل توجه المعارضة ككل، ومعلناً تمسكه بالتمثيل النسبي للمعارضة. وملفت أيضا، صمت “حزب الله” إزاء مواقف حليفيه اللذين خرجا لتوهما من معركة انتخابية طاحنة في قضاء جزين كان لها الأثر الكبير في نفوس “الحركيين” وبالطبع في نفس الرئيس بري الذي لا يمكن عزل حراكه السياسي عن غاية في نفسه يضمرها تجاه جنرال الرابية، ويأمل فيما يأمل، بأن تؤدي إلى “قصقصة أجنحة” و”تقليم أظافر”، مستفيداً من المناخات الإقليمية الدافعة نحو تحقيق تسوية سياسية لن ينجو منها إلا من له ظهر إقليمي يدعمه ويمد له يد العون عند الحاجة.
يخشى جنرال الرابية “أستاذ عين التينة” أكثر مما يخشى خصومه بالسياسة، لعلم الأول بدهاء الثاني وحنكته، ولعلمه أيضاً بأن “الأستاذ” لا ينام على “ضيم” خاصة إذا كان من “حليف”.
فالرئيس بري هو الأقدر من بين مجمل الساسة في لبنان على الخروج بمبادرات وعلى تحقيق تسويات وتمريرها من تحت الطاولة التي يجلس إليها المتخاصمون دون أن يشعروا، حتى إذا دقت الساعة الإقليمية فإلى الرئيس بري توكل الأمور وعليه “تعقد الآمال”. فيما الجنرال يعول على حليفه الصامت “حزب الله” للجم حليفه الرئيس بري والحد من اندفاعته نحو تشكيل حكومة يكون فيها الرئيس ميشال سليمان صاحب الكلمة الفصل وصاحب كفة الترجيح: أي حكومة لا يوجد فيها ثلث زائد واحداً للمعارضة ولا نصف زائد واحداً للأكثرية. وبالتالي العودة إلى مشروع قوى 14 آذار لضرب الجنرال عون على المستوى الشعبي من خلال تعويم رئيس الجمهورية ومنحه ما يشبه الصلاحيات الاستثنائية عبر إحكام قبضته على مجلس الوزراء وتشكيل القوة المرجحة الضرورية للطرفين، وربما القوة المقررة الوحيدة في الحكومة إلا إذا حصلت معجزة واتفقت قوى 14 و8 فحينها يصبح الرئيس سليمان “هراوي” المسار والمصير.
وفي المقلب الآخر يعيش التيار البرتقالي حالة حرب دائمة مع خصومه المسيحيين من أمثال سمير جعجع والرئيس الأسبق أمين الجميل، الساعيين إلى الوراثة الشعبية لحالة يعتقدان بأنها ستضمر مع رحيل زعيمها الطاعن بالسن، وينشطان على مستويات عدة لا تخلو من المنافسة بينهما، لا سيما ما يقوم به النائب سامي الجميل من حركة تجاه خصومه وتحديداً الغداء الذي جمعه إلى النائب سليمان فرنجية، وهو ما يمكن وضعه في خانة تسجيل النقاط بين الكتائب والقوات اللبنانية.
فكيف يمكن لعون أن يخرج سالماً من كل هذه المعمعمة المرافقة لتشكيل الحكومة وسط الشروط والشروط المضادة التي يضعها كل من الخصوم والحلفاء على السواء؟
حزب الله وحركة أمل يتمسكان ويصران على احتكار التمثيل الشيعي في الحكومة، في خطوة تفسر سياسيا، على أنها تعويض عن الثلث المعطل إذا لم تأخذه المعارضة، كسلاح ميثاقي يبقيه الثنائي الشيعي مسلطاً على رأس الأكثرية النيابية إذا ما جارت، أو إذا ما حصل تقارب بينها وبين رئيس الجمهورية. كذلك الأمر فإن الرئيس المكلف سعد الحريري يصرّ على احتكار التمثيل السني في الحكومة ويرفض فكرة مقايضة أحد المقاعد الوزارية السنية مع المعارضة، ويرفض منح أي منها لرئيس الجمهورية، الأمر الذي يؤدي بالنهاية إلى جعل حصة رئيس الجمهورية مسيحية خالصة مهما يكن حجمها.
وبالتالي القذف بكرة النار إلى ساحة العماد عون وخصومه من مسيحيي الأكثرية كي يتقاتلوا على بضعة مقاعد وزارية باقية. فمن أصل 15 وزيراً يأخذ رئيس الجمهورية خمسة، وتيار المستقبل ثلاثة، والقوات اللبنانية تحصل على مقعدين، وحزب الكتائب على مقعد واحد (يطالب باثنين) والنائب وليد جنبلاط يطالب بمعقد مسيحي. فماذا بقي لعون، وأين أصبحت النسبية التي يطالب بها الجنرال؟
فهل يرد دولة رئيس مجلس النواب صفعة جزين إلى دولة رئيس الحكومة الأسبق على طريقته الخاصة المعهودة؟
Leave a Reply