رحم الله جمال عبدالناصر الذي يموت حزنا كل يوم في مصر حسني مبارك!
رحم الله الزعيم الخالد محي أرض الكنانة والتي فقدت من بعده تلك المكانة بعد أن كانت قلب العروبة النابض وقبلة الثوار ومركز الأحرار ثم تحولت في عهد السادات وسلفه من بعده، في قبضة الفجار الذين، كالبوم، دلوا العرب على الدمار وأصبحت أحوالهم عارا بعار.. لقد هبط العربان من بعد عبدالناصر إلى قعر بلا قرار.
قد يكون من حسن جمال عبدالناصر أنه لم يتمكن من رؤية أسوأ العصور العربية انحطاطا التي تحيط بنا من كل جانب كالليل البهيم.. فالدنيا التي غادرها فجأة فأثكل قلوب الشرفاء، تغيرت وتبدلت وأشكلت بحيث اختلط فيها العدو والصديق والقريب والبعيد والمبادئ الفكرية بالبغاء السياسي.
وقد يكون من حسن حظ جمال عبد الناصر ألا يرَ كيف مرت ذكرى 23 يوليو (تموز) على مصر والعرب مرور الكرام ما خلا احتفال ناصري باهت دعا إليه نجاح واكيم وعبدالرحمن مراد في بيروت، واحتفال آخر في.. تل أبيب!
تصوروا يا جماعة الخير، ذكرى ثورة جمال عبدالناصر المجيدة التي ما قامت إلا بسبب تقاعس النظام الملكي المصري والأنظمة التي صنعها الاستعمار على عينه وتآمرها على فلسطين وتسليمها للحركة الاستيطانية الصهيونية على طبق من ذهب، يتجاهلها العربان من آل ظربان الذين شرفهم عبدالناصر بأسباب الهوية والانتماء والكرامة وكأن هذه المناسبة لم تكن، في حين يحتفل بها في منزل “سفير” مصر في إسرائيل بـ”رعاية” رمز أقصى التطرف اليمني العنصري الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجزار “قانا” المجرم شمعون بيريز!
لقد طق فعلاً شرش حياء النظام المصري لكي يسمح بكل صفاقة وصلافة ووقاحة لرمز العدوان والتوسع والمذابح الإسرائيلية بحق الشعب المصري قبل غيره من الشعب الفلسطيني والأردني واللبناني والعربي بشكل عام (ومجزرة بحر البقر وسيناء وغيرها ما تزال ماثلة للأذهان)، لكي “يحتفل” بمناسبة وطنية طاهرة شريفة كانت وما تزال علامة مضيئة في تاريخ العرب المليء بالمزابل الفكرية المبخرة لسلاطين الردة وحكام الخنوع والعار والطافحة بالارتهان السياسي المارق، ويدنس ذكرى جمال عبدالناصر الذي أفنى زهرة عمره وحياته ونضاله لمجابهة المشروع الصهيوني التوسعي الحالم بالأطباق على كامل الشرق العربي!
والأغرب من كل هذا ألا تثير هذه المفارقة المفجعة استغراب أحد من الأحزاب والتيارات والكتاب الوطنيين إلا ما ندر.. إنه زمن “حارة كل مين إيدو إلو”! لا أحزاب وطنجية ولا حتى شارع عربي (يعاني حاليا من صمت القبور) ولا حتى الأحزاب الناصرية في مصر والعالم العربي، الا ما اسلفنا، تحركت كراماتهم المهدورة وضمائرهم المصادرة فلم يقولوا كلمة حق أمام سلطان جائر.. ما عدا بيان مقتضب لجنبلاط -من بين كل الناس- جنبلاط المنقلب هذه الأيام على انقلابه.لكن رعونة وخيانة النظام المصري ليس لها حدود. كيف لا يموت عبدالناصر كل يوم وها هو النظام يتواطأ مع إسرائيل في خنق وقتل الشعب الفلسطيني في غزة ويمنع حتى الماء والدواء عنه لكنه يرسل حفيد الريس إلى أرقى وأغلى مستشفيات فرنسا للعلاج أما أطفال فلسطين الذين استشهدوا تحت دمل القنابل الفوسفورية المحرمة دوليا فلهم الله ورسوله والمؤمنون.. كيف لا يتحرك هذا الشارع العربي المزعوم وهو يشاهد النظام المصري يبيع الغاز الطبيعي لإسرائيل وبثمن بخس، بل ما هذه المهزلة العجيبة التي يسمح من خلالها النظام الموتور بعبور غواصة حربية إسرائيلية مرتين في قناة السويس لكي تهدد أمن الشعب الفلسطيني وتتوعد أمن دولة صديقة، ثم يبدأ محاكمة حفنة من الشباب الذين حاولوا تمرير المساعدات الإنسانية لتعين الشعب الفلسطيني على الصمود والعيش بكرامة؟!
ألا يستحق هذا النظام مفردات الشاعر مظفر النواب وأكثر؟ وماذا ينفع الكلام يا كرام في هذا الزمن الدنيء حيث كل جماعة طائفية أو عرقية ملتهية بنفسها وربما لهذا السبب اعتبر النظام المصري أنه يحق له أن يحتفل بذكرى الثورة الناصرية التي جعلها أثرا بعد عين وألغى كل حرف فيها. لماذا لا يتجرأ هذا النظام على أفعاله الشائنة، فها هو مفتي الديار المصرية يشارك -مرة جديدة- شمعون بيريز المجرم في مؤتمر عالمي ويجلس معه على نفس المنصة وكان قبلها في مؤتمر الأديان السابق قد صافحه بحرارة المشتاق والملتاع لرؤية حبيبه فحاول الإنكار بمعرفته له لكن بيريز بنفسه كذبه، وذلك في عز أيام الحصار الإسرائيلي على غزة!
قد يقول قائل من الكتاب الليبراليين الجدد (وهذه الليبرالية هي كود يعني الكتاب المرتزقة في خدمة إعلام السلطة) أن هذا عهد جديد وأن اللغة الخشبية عفا عليها الزمن! جوابنا لهؤلاء من صغار الكسبة عبر بيع الكلمة أن هذا عهر جديد ونحن لو خيرنا لاخترنا اللغة الخشبية مئة في المئة لأنها لغة المبادئ التي لا تتغير وتبقى البديل عن اللغة البلاستيكية “الحربائية” التي تتلون مع كل جديد وتنعق مع كل ناعق يملك مال النخاسة.
دور النظام المصري “البناء” وصل إلى لبنان حيث كان هناك حديث عن عرقلة مصرية للتوافق السعودي – السوري مما أخر تشكيل حكومة وحدة وطنية بالرغم من أن السعودية على ما يقال دفعت أكثر من مليار و200 مليون دولار عدا ونقدا (ويا ليت دفع هذا المبلغ لحل أزمة الكهرباء المزمنة لكانت وصلت إلى كل المنازل وليس للأماكن السياحية فقط ولم يحرم منها أهل الجنوب والبقاع والضاحية فحتى الكهرباء ممذهبة في لبنان) وذلك حتى تطلع “صحيفة” الشرق الأوسط في اليوم التالي للانتخابات بعنوان “ربح 14 آذار وانكسروا”! وبالرغم من بيان النفي الخجول للنظام المصري فإنه كان يسعى بكل قوة للإبقاء على فؤاد السنيورة في رئاسة الحكومة، بطلب صريح منه أثناء زيارته للقاهرة قبل تكليف سعد الحريري. وعلى كل حال، ليس المهم من سيستلم رئاسة الوزارة، المهم كيف ستعالج الحكومة العتيدة مديونية 58 مليار دولار (حسب الإحصاء الرسمي ما عدا السرقات غير المعلنة) التي تراكمت بسبب سياسة “أبو الضرائب” منذ تسلمه وزارة المال والتي عمادها “النمو المستدام” عن طريق الاقتراض المستمر أو سياسة “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”!
فهذه الدولة العظيمة التي انتصرت وهنأت نفسها بقانون من العصر الحجري للانتخابات التي أفرزت برلماناً للفكاهة غير قادرة على حل أزمة الدين العام المتفاقم وأزمة الكهرباء والماء خصوصا في فصل الصيف حيث موسم السياحة يعتبر المدماك الأساسي لاقتصاد لبنان. فهذا البلد “يمتلك” مصادر اقتصادية هائلة مكونة من كمشة أرزات (مهددة بالمرض في إهدن) “عاجقين الكون” كما يقول سعيد “عقل” الذي دافع عن الجيش الإسرائيلي عام 1982، ومن أموال المغتربين ومن “الخدمات” على كافة أنواعها وخصوصا للخليجيين المصطافين!
لكن الحكومة تفتقت عبقريتها عن حل سحري لتحويل الهزيمة إلى نصر والاستفادة من الموسم السياحي واستغلال المغتربين، فاتبعت سياسة “ناجعة” منذ أمد بعيد تتضمن “مذهبة” الكهرباء والخدمات والمهرجانات. فالقادمون من لبنان بعد قضاء عطلة “حارة” في أرجاء لبنان يحدثونك عن التصنيف في الخدمة في المطاعم والملاهي حيث أنك إذا لم يكن منظرك خليجيا فلا مكان لك في صدر المطعم ولو جئت من أميركا، هذا عدا عن التشبيح والسرقات بحق المتغتربين اللبنانيين ذوي الميزانيات المحدودة والتي تتم في وضح النهار وعلى مرأى من الدولة، ناهيك عن قلة أخلاق سائقي السيارات الذين يتسببون بحوادث سير مروعة وكله بسبب غياب سياسات الدولة التي عودت الناس بسبب الحرمان على اتباع شتى الطرق لكي يعيشوا ويتمتعوا كغيرهم بضرورات الحياة كالكهرباء والماء.. فالكهرباء موجودة فقط في أماكن سياحة الخليجيين وبيروت الإدارية، أما المناطق المحرومة تاريخيا فلها الساعات الطويلة من التقنين القاتل في حر الصيف ولها ليالي العتمة لإن السنيورة يريد خصخصة الكهرباء وسياسة ابن ست وبنت جارية ما زالت متبعة في لبنان – الكيان.
ويحدثونك عن المهرجانات الصيفية، قل إنها “ممذهبة” اكثر من غيرها في لبنان!
فكل طائفة أو مجموعة تقيم مهرجانا خاصا لتتبارى مع باقي المهرجانات وتستضيف “فنانين” ولو كانوا إسرائيليين قلبا وقالبا ثم تدافع عنهم دفاع المستميت كما حصل عند بدء مهرجانات بيت الدين ودعوة جاد المالح المؤيد لإسرائيل حيث جند له القيمون وزيرين اثنين كاملين هما إيلي ماروني وطارق بن زياد (المتري)! الاستثناء الوحيد هي مهرجانات تعقد في المناطق التي لا يعترف بها الكيان مثل بعلبك. بعلبك هذه لا تتذكرها الدولة الفاضلة إلا في وقت محدد من الصيف عند إقامة المهرجانات فيها، ثم بعد ذلك تصبح بعلبك نسيا منسيا. فلو كانت الأعمدة الرومانية هذه التي تبز “مغارة جعيتا” بالجمال والروعة، موجودة في أي بلد في العالم أو حتى في لبنان الآخر (في بكركي أو بكفيا مثلا) لأصبحت مزارا سياحيا دائما ولأصبحت المدينة من حولها من أكثر المدن ازدهارا. أما في بعلبك، فالسياح يأتون لزيارة الأعمدة الرومانية من دون أن يصرفوا قرشا واحدا في المدينة ثم ينامون في فنادق زحلة. ذلك أنه بالرغم من أن أهل بعلبك من أكثر شعوب الأرض أصالة عربية ونبلا وضيافة، لا يوجد فيها إلا فندق واحد هو بالميرا.
كذلك الأمر في الجنوب فالفنادق غير موجودة بتاتا مما يحرم هذه المناطق المحرومة أصلا من “المال السياحي” الذي ينفق في فنادق الجبل وغيرها من المناطق المعترف بها لبنانيا كبرمانا وبكفيا التي كانت ميزانيتها قبل حرب 1975 لوحدها تعادل ميزانية قرى وبلدات البقاع بأكمله!
ليس المهم الحكومة وشكلها ولونها، المهم كيف ندخل في وطن ممذهب كهذا؟
Leave a Reply