بري تنبأ بتحوله و”خلطة” جديدة للتحالفات السياسية
طريق دمشق باتت مفتوحة امامه بعد انفتاحه على حلفائها
بيروت – تنبأ رئيس مجلس النواب نبيه بري، ان تحصل “خلطة” جديدة بعد الانتخابات النيابية، وان تتغير المواقع والتحالفات السياسية، وقد صحّت “نبؤته السياسية” اذا جاز التعبير، لأن السياسة في لبنان، ليس فيها ثابت بل متحوّل دائم، وهذا ما شهدته الحياة السياسية منذ الاستقلال، اذ ليس في السياسة صداقات وتحالفات دائمة، ولا خصومات دائمة، وهذا ما يمارسه النائب وليد جنبلاط الذي يعرف عنه واقعيته السياسية، وتعاطيه بمرونة مع التطورات السياسة، وهذا ما يؤخذ عليه انه “متقلب في السياسة”، وينتقل من ضفة الى اخرى، وهذا ما جرى معه قبل خمس سنوات واكثر، عندما قرر ان ينهي تحالفه مع سوريا، التي كان لها الدور الاساس في دعمه سياسياً وعسكرياً اثناء حرب الجبل، وأمّنت له الانتصار على عملاء الاحتلال الاسرائيلي من “القوات اللبنانية”، الذين دخلوا مدن وقرى الجبل مستفزين اهاليها، ومتحدين شعورهم ومهددين وجودهم، مما اضطرهم للدفاع عن بقائهم في ارضهم، كما ان القيادة السورية قررت ان تواجه المشروع الاميركي، وتدعم المقاومة بوجه الاحتلال الاسرائيلي، وقد استطاعت بمؤازرتها للمقاومة الوطنية عسكرياً من دحر الاحتلال الاسرائيلي عن اجزاء كبيرة من لبنان، وتمكنت بتأييدها للقوى الوطنية المعارضة لاتفاق 17 ايار من اسقاطه، وتحجيم سلطة امين الجميّل على بقعة قصر بعبدا وبعض مناطق جبل لبنان الشمالي.
انقلاب جنبلاط الذي بقدر ما كان موجهاً ضد سوريا، التي اعترف لها مؤخراً بدعمها له في العام 1982، ولوالده المرحوم كمال جنبلاط في العام 1958، بل كان انقلاباً على تاريخ حزبه وتراثه ونضالاته، في الوقوف مع القضية الفلسطينية وتأييد الوحدة العربية، ودعم المطالب العمالية والطلابية والنقابية، وهي المواقف التي اعطت بعداً لبنانياً وعربياً ودولياً للحزب التقدمي الاشتراكي، الذي شعر رئيسه انه تقوقع داخل الطائفة الدرزية، وهو يسعى منذ فترة الى اطلاقه داخل الطوائف الأخرى، وظنّ ان انفتاحه على مسيحيي “14 آذار” و”تيار المستقبل”، يعطيه هذا الزخم، لكنه فوجىء بخطاب انعزالي لدى الطرفين، الفريق المسيحي يؤكد انه استطاع ان يمنع تفاعل لبنان مع محيطه، وهو اضرّ بالفريق المسلم لا سيما السني منه باطلاق شعار “لبنان اولاً”، وهذا ما لم يحصل في اثناء اسقلال لبنان في العام 1943، لكنه تكرّس في “الاستقلال الثاني”، كما يصفه البعض باخراج القوات السورية من لبنان في النصف الأول من العام 2005، وبدأ الحديث عن استقلال حقيقي تحقق باعتراف سوريا بلبنان، عندما وافقت على اقامة علاقات دبلوماسية معه.
لذلك رأى جنبلاط ان الاوضاع داخل فريق “14 اذار” تتجه الى غير المكان الذي لا يرى هو ان يكون فيه، وقد اعترف انه اخطأ في اختياره له، سواء برهانه على المشروع الاميركي للمنطقة، الذي سيطيح بالانظمة “الدكتاتورية والعسكرية” حسب ما اعتقد، بعد سقوط نظام حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، وان دور النظام في سوريا آت، وانتظر من الادارة الاميركية السابقة برئاسة جورج بوش، ان تقوم بهذه المهمة وتواصل قواتها العسكرية زحفها نحو دمشق، لكن انتظاره طال من العام 2003 الى العام 2006، عندما سمع من وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كونداليزا رايس ان المطلوب من النظام في سوريا تغيير سلوكه وان ادارتها لا تضع هدفاً لها اسقاط النظام، او احتلال سوريا، بعد ان تورطت في العراق، لا بل الاتجاه هو للحوار مع سوريا، لانقاذ وجه اميركا في العراق.
بدأ جنبلاط يتململ في موقعه الذي اختاره، وفي رهانه الذي استند اليه، وذهب الى حد انتظار الفرصة المناسبة، ليخرج من ما هو فيه، لكن التطورات السياسية والأمنية، كانت تؤخر عودته الى جذوره كما ان اطرافاً في الادارة الاميركية من “المحافظين الجدد”، كانوا يطمئنونه ان التغيير سوف يحصل، وما عليه الا الصمود، وهو كان متيقناً ان كل الذين راهنوا على المشاريع الأميركية منذ الخمسينات وحتى اليوم فشلوا، وتراءت له صورة شاه ايران، ومشهد الجنود الأميركيين يفرّون من فيتنام، ومنظر عملاء الاحتلال الاسرائيلي يهربون معه من الشريط الحدودي المحتل في العام 2005.
هذه المشاهد والوقائع، كانت تمر امام جنبلاط، وكان يرى في المقابل ان المقاومة انتصرت في لبنان بوجه العدو الاسرائيلي صيف 2006، وهي منعت المس بسلاحها، وربحت “حماس” الحرب عليها في غزة كما توأمها المقاومة في لبنان، وان النظام في سوريا استمر، وبدأ الانفتاح عليه دولياً من من فرنسا بزيارة رئيسها نيكولا ساركوزي اليها، ومن الادارة الاميركية الجديدة برئاسة باراك اوباما، التي فتحت حواراً معها، واعادت سفيرها اليها، كما ان السعودية تصالحت معها في الكويت بالكلمة التي القاها عاهلها الملك عبدالله، في القمة الاقتصادية واتجه بها الى الرئيس السوري بشار الاسد لطي صفحة الخلافات.
كل هذه التطورات التي حصلت قرأها جنبلاط الذي يقال عنه انه قارئ جيد ولديه “انتنيات” وهو في الحقيقة سقط رهانه على المشروع الاميركي، وكانت قراءته انه سيربح، لذلك هو اعلن في الجمعية الاستثنائية لحزبه التي انعقدت في 2 اب الاخير، ان ذهابه الى واشنطن كان نقطة سوداء في تاريخه، وهو بذلك كان يعتذر من سوريا، وانه اخطأ عندما حرّض عليها امام المسؤولين الاميركيين، واعتبر ما اقدم عليه في حينه، انه وصمة عار، وهو بذلك وجّه رسالة الى سوريا، لتفتح الباب لاستقباله، ولم تعد تمانع في ان يزورها، وقد بدأ تغيير خطابه تجاهها، حتى في موضوع اتهامها بانها كانت وراء اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فقد بدّل لهجته، ووضع احتمالات اخرى، واقرّ ان المحكمة مسيّسة او قد تسيّس، وقد استوقفه ما جاء في تقرير “ديرشبيغل” من اتهام لـ”حزب الله”، ورأى فيه اشعال فتنة داخلية، ووصفه بأنه شبيه بـ”بوسطة” عين الرمانة التي اطلقت شرارة الحرب الهلية في 13 نيسان 1975.
فالهواجس التي يعيشهها جنبلاط من اندلاع فتنة سنية – شيعية، ومراجعته لمواقفه السابقة، واعترافه انه اخطا عندما اصرّ ان تأخذ الحكومة قراراً بتفكيك شبكة اتصالات المقاومة، والذي كاد ان يؤدي الي حرب اهلية، هذه التطورات، دفعت برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الى اعادة التموضع السياسي، فاعلن طلاقه مع “14 آذار”، واقترب من عناوين “8 آذار” او المعارضة، التي لا يستسيغها حلفاؤه السابقون، وهو لا يشاطرهم الرأي شعاراتهم وطروحاتهم، فراى أنه امام منعطف جديد، لا بد ان يكون في موقع سياسي، قريب من مبادىء حزبه، وهو كل ما فعله كما يؤكد، اذ لا يمكنه ان يستمر مع مجموعة سياسية، لا تقر بمسائل اساسية ومصيرية، مثل الصراع مع اسرائيل، وترى ضرورة تحييد لبنان، وابتعاده عن العرب وقضاياهم، الى سيطرة العقل اليميني على قوى “14 آذار”، بما يمثل من فكر سياسي ومشروع اقتصادي، لا يتناسبان مع الحزب الذي اسسه كمال جنبلاط، والذي قدّم وريثه مراجعة نقدية، واجرى نقداً ذاتياً لمرحلة السنوات الخمس التي تحوّل فيها، وبدأ التموضع في موقع يقول انه سيبقى على مسافة واحدة من الجميع، وسيكون قريباً من رئيس الجمهورية، ويشكل معه الضمانة بوجه الانقسامات العامودية في المجتمع اللبناني والاصطفافات السياسية التي قسّمت اللبنانيين.
وأحدث تبدّل موقف جنبلاط وتغيير موقعه السياسي ارباكاً في صفوف “14 آذار” التي اجهز عليها، بالرغم من تصدّي “تيار المستقبل” له، ورفضه التخلي عن شعار “لبنان اولاً”، وادى هذا الأمر الى تباعد بين الطرفين، حيث المح النائب احمد فتفت الى ان موقف جنبلاط لو اتخذه قبل الانتخابات النيابية، لكانت الاوضاع تغيّرت، وهو يقصد ان نواب جنبلاط في الشوف وبيروت والبقاع الغربي-راشيا، فازوا باصوات السنّة، وهو مدين لسعد الحريري بكتلته النيابية.
وعكس الموقف الجنبلاطي نفسه على تشكيل الحكومة، اذ ان كتلته النيابية، ستحتسب من اي فريق المعارضة او الموالاة، لانه بذلك ينسف كل المعادلات، حتى رئيس الحكومة المكلف، تتغير النتيجة لغير صالحه، الا ان رئيس “اللقاء الديمقراطي”، لم يذهب في اعلان فك “تحالف الضرورة” مع قوى “14 آذار”، الى مرحلة ان لا يكون الحريري رئيساً للحكومة، وهو يملك اكبر كتلة نيابية لا سيما من السنّة، وبالتالي فإن جنبلاط اراد ايصال رسالة الى اطراف داخليين وعرب واقليميين ودوليين، فهو داخلياً سيكون من كتلة العهد، حيث يأمل ان يحصل الرئيس ميشال سليمان على عدد وافر من الكتل النيابية، تعيد خلط الاوراق، ولكن هناك من يقول، ان جنبلاط الذي فك تحالفه مع “14 آذار”، لن ينتسب الى “8 آذار”، وان كان التقى كل قياداتها واصبح قريباً منهم، من حركة “امل” الى “حزب الله”، الى رئيس “تيار التوحيد” وئام وهاب الى الحزب السوري القومي الاجتماعي، والوزير طلال ارسلان، ويجري اتصالات مع “التيار الوطني الحر” وهناك معلومات عن لقاء سيعقد بينه وبين العماد ميشال عون.
فالتحوّل الجنبلاطي يساراً، قد يعيده كما يشاع الى احياء الحركة الوطنية، او ما يشبهها، وهو باستدارته هذه اصبحت قبلته سوريا، ولم يعد يخاف “النفوذ الفارسي” ولا التمدد الايراني وقد التقى السفير الايراني في لبنان محمد شيباني على مائدة غداء، كما لم يعد يقلقه سلاح المقاومة الذي يعتبره سجل انتصارات للبنان، كما يؤكد انه لن يكون كما كان في السابق ايام الحريري الأب مع الخصخصة بل مع الدولة كراعية لشؤون المواطنين.
هذا التحوّل، يرى البعض ضرورة الانتظار، لمعرفة ما اذا كان جنبلاط سيبقى ثابتاً على موقفه، ام انه سينقلب عليه، وهو المعروف انه لا يجلس على كرسيه اكثر من عشر دقائق
Leave a Reply