قادة العدو يعيدون سيناريو حرب 82 الى التداول
إسرائيل تتهيأ لها وتتطلع الى حكومة تعمل بموجب القرار 1559
بيروت –
لا ينفك قادة العدو الإسرائيلي بتوجيه التهديدات ضد لبنان ومقاومته، والإعلان المباشر عن أن حرباً ثالثة عليه قد تقع في اي وقت، وهو ما اشار اليه بشكل مباشر نائب وزير الخارجية داني ايالون، الذي استحضر سيناريو الاجتياح الاسرائيلي للبنان في مطلع حزيران 1982، والذي كان رداً على محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في بريطانيا شلومو ارغوف، مما حمل الدولة العبرية على اخذ هذه الذريعة لشن حرب واسعة وشاملة على لبنان، تحت عنوان “سلامة الجليل”، وابعاد صواريخ المقاومة الفلسطينية الى مسافة 45كلم، عند حدود نهر الاولي قرب صيدا، الا ان الغزو الصهيوني امتد الى الجبل وبيروت التي حاصرتها قوات الاحتلال، وفرضت خروج مقاتلي المنظمات الفلسطينية منها ومغادرة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات لبنان نهائياً مع كل القيادات، وتسهيل انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، ليفرض سلطة الدولة اللبنانية ويوحّد قرارها، ويقيم صلحاً مع اسرائيل، الا ان اغتياله قبل تسلمه صلاحياته غيّر مجرى الاحداث، واصيب المشروع الاسرائيلي بنكسة، وكان مقتل الجميل بدء إنطلاق عمليات المقاومة الوطنية، مع سقوط ابرز رمز من رموز المتعاملين مع الاحتلال الاسرائيلي، اذ ظهر الجميل مع وزير الدفاع آنذاك ارييل شارون في صور مشتركة يديران المعركة، كما ذهب قائد “القوات اللبنانية”، الى نهاريا واجتمع برئيس حكومة العدو مناحيم بيغن، اضافة الى التنسيق العسكري والامني على الارض، حيث دخلت “القوات اللبنانية” الى المناطق التي احتلتها اسرائيل، وقامت بملاحقة وخطف قيادات وعناصر من احزاب الحركة الوطنية والمقاومة الفلطسينية، وكانت مشاركة شارون في ماتم الجميل في بكفيا لافتة وتقديمه التعازي لوالده الشيخ بيار وعائلته وحزب الكتائب، ثم في الاستقبال الذي اقيم في مقر “القوات اللبنانية” في الكرنتينا لوزير الدفاع الاسرائيلي موشي ارنيز الذي خلف شارون بعد فضيحة مجزرة صبرا وشاتيلا، وقد نشرت صورته يستعرض مع قائد “القوات اللبنانية” فادي فرام العناصر القواتية بثياب عسكرية.
فالتهديد الذي اطلقه ابالون بتكرار ما حصل في العام 1982، يتزامن مع التحذيرات التي صدرت عن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، واكد فيها رفضه مشاركة “حزب الله” في الحكومة، واعلانه ان لبنان كله سيكون مهدداً بالعدوان اذا ما ضمت الحكومة “حزب الله”، اذ ان اسرائيل تريد حكومة تصفي المقاومة، وتجردها من سلاحها عملاً بالقرار 1559، الذي نص على ذلك، وان تقوم هذه الحكومة بتوقيع معاهدة صلح مع الكيان الصهيوني، كما صرح وزير الخارجية الاسبق سيلفان شالوم مع صدور القرار المذكور والذي اشار الى ان لبلاده دوراً في صياغته وتقديمه الى مجلس الامن، مما يكشف خطورته على الامن الوطني اللبناني وعلى السلم الاهلي، حيث يعيش لبنان منذ صدوره في عدم استقرار سياسي وامني، كاد ان يؤدي الى احداث فتنة داخلية، وقد شارف على الدخول فيها باذكاء الصراع المذهبي السني – الشيعي، مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
فاسرائيل تتطلع الى حكومة تعمل بموجب القرار 1559، وقد اخذ فريق 14 شباط على عاتقه تنفيذ ما ورد فيه، لكن بطرق الحوار، وقد استمهل رئيس الحكومة التي تشكلت بعد انتخابات 2005 فؤاد السنيورة، الادارة الاميركية السابقة، لن تعطيه فرصة ليحل موضوع سلاح المقاومة بالحوار، وشكر لوزيرة الخارجية الاميركية السابقة كونداليزا رايس صبرها عليه وعلى حكومته، لكن لم يمر وقت قصير حتى كان العدوان الاسرائيلي الواسع على لبنان في منتصف تموز 2006، تحت ذريعة أسر جنديين اسرائيليين لمبادلتهما بأسرى لبنانيين في السجون الاسرائيلية، وتبين فيما بعد ووفق التقارير الاسرائيلية والاميركية، ان العدوان مخطط له قبل اشهر لمساعدة الحكومة اللبنانية على التخلص من سلاح المقاومة وفرض سيطرتها على الاراضي اللبنانية، وامساكها بالقرار السياسي، وعقد معاهدة سلام مع اسرائيل، والدخول في مشروع “الشرق الاوسط الجديد” الذي بشّرت رايس بولادته أثناء الحرب على لبنان، وقد فشلت في تحقيقه بسبب صمود المقاومة، التي غيّرت المعادلة الداخلية واخرجت لبنان من الوصاية الأميركية، كما وضعت سلاحها على طاولة الحوار للاستفادة منه في استراتيجية دفاعية، كما شكل انتصار المقاومة سقوطاً لهيبة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر، وقد حاول التعويض عن هزيمته في لبنان، بتسجيل انتصار في غزة، لكنه واجه الهزيمة نفسها اذ صمدت المقاومة في القطاع 22 يوماً، وافشلت العدوان.
هذه الهزائم التي لحقت باقوى جيش في الشرق الاوسط، يحاول قادة العدو اعادة الاعتبار له، والبحث عن ذريعة لشن حرب جديدة على لبنان، أو تغيير قواعد الاشتباك التي وضعت للقوات الدولية في الجنوب، وتحويلها الى قوة ضاربة باعتماد الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة باعطائها صلاحيات استخدام القوة، وبالتالي تجريد منطقة جنوب الليطاني والتي تنتشر فيها قوات الطوارئ من السلاح ومنع وجود المسلحين، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل بعد ان عملت اسرائيل على استغلال حصول انفجار في احد المنازل قيل انه يحتوي على سلاح للمقاومة، الذي يشغل بال اسرائيل، التي تتحدث تقاريرها وتصريحات قياداتها، عن أن “حزب الله” زاد من تسلحه بعد حرب 2006، وبات يمتلك حوالي 40 ألف صاروخ، منها صواريخ أرض-جو مضادة للطائرات، وما يحمل على الكتف، ومنها ما هو بطاريات صواريخ، اضافة الى محطات انذار، إذ يخشى القادة العسكريون الصهاينة من أن حصول المقاومة على مثل هذه الصواريخ، سيعيق تحرك الطيران الإسرائيلي الذي يخرق الأجواء اللبنانية يومياً، وتحلق طائرات التجسس في سماء لبنان بشكل شبه دائم، وهذا ما تسجله تقارير الامم المتحدة الدورية.
وكشف الوزير في الحكومة الاسرائيلية بنيامين اليعازر، من ان “حزب الله” يتسلح من سوريا وايران، ويدرب عناصره، وهو يشكل تهديداً لاسرائيل، التي تطالب الدولة اللبنانية بمعالجة الموضوع والقيام بمهامها في حفظ امن اسرائيل، وهي لذلك تطالب بحكومة خالية من “حزب الله” وتكون قادرة على امتلاك قرارها، وهو ما يتطابق مع دعوة قوى 14″ آذار”، بان تمتلك الحكومة قرار الحرب والسلم، وأن يسلم “حزب الله” سلاحه للجيش، وتنخرط بعض عناصره فيه.
والكلام الإسرائيلي هو نفسه الذي كان يصدر بضرورة قيام حكومة مركزية تنهي الوجود الفلسطيني المسلح، وهذا هو الهدف الذي حمله الغزو الصهيوني، بإقامة سلطة موالية لإسرائيل والغرب، تشكل ممراً للسلام، فيكون لبنان هو الدولة الثانية بعد مصر الذي يوقع معاهدة مع الدولة العبرية.
ولتحقيق الهدف الإسرائيلي بقيام حكومة لا تتبنى المقاومة بمشاركة وزير فيها، أو أن تكرّس شرعيتها، اذ يترتب على لبنان في حال حصل ذلك، مخاطر كثيرة، ويكون معرضاً لضرب بناه التحتية، ولن تكون بيروت بعيدة عن ذلك، والتي حيدت في حرب 2006، ولم يكن تحييدها إلا لأن الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ، هدّد بان ضرب العاصمة سيقابله ضرب تل ابيب، وهو يؤكد اليوم، ان قصف الضاحية سيقابله قصف عاصمة الكيان الصهيوني، في تلويح واضح لقادة العدو، ان لا يفكروا مرة جديدة بالقيام بمغامرة في لبنان، لأنها ستكون مكلفة عليهم، وهو ما اكد عليه رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” السيد هاشم صفي الدين، عندما قال: ان رد المقاومة في حرب تموز قبل ثلاث سنوات “كان مزحة”، وقد توقف ضباط اسرائيليون والصحف الصهيونية عند كلام صفي الدين، حيث اشارت التقارير الامنية الاسرائيلية إلى أن الحرب لو اندلعت ستشهد تطورات، لم تعرفها الحرب الثانية على لبنان، اذ ثمة قلق صهيوني، من ان المقاومة اعدت العدة لكل الاحتمالات وان المفاجآت التي يعد بها السيد نصرالله تتحقق، وان قصف البارجة “ساعر”، في البحر قبالة الشاطئ اللبناني بعد 48 ساعة على نشوب الحرب الاسرائيلية على لبنان، اكدت الوعود الصادقة لقائد المقاومة، وان مفاجآته الموعودة كثيرة، وهو وعد قادة العدو، بان الألوية التي ستدخل الى لبنان ستدمر كلها، كما انه احتاط للطيران وستكون المفاجأة مدوية، ومنذ اللحظات الأولى التي سيدخل فيها سلاح الجو المعركة، لتغطية الاجتياح البري، وهو المتوقع وفق ما تنقل التقارير، والتي تشير إلى أن رئاسة الأركان في الجيش الإسرائيلي، درست خطة عسكرية تقوم على غزو جديد، يتركًز على سلسلة جبال لبنان الشرقية، بإتجاه وادي البقاع، في محاذاة الحدود اللبنانية-السورية، وصولاً الى سلسلة جبال لبنان الغربية لتدمير قواعد الصواريخ التي يعتقد القادة الصهاينة إنها منصوبة في هذه المناطق، وإن إطلاقها هو منها، إضافة إلى أخرى موجودة في الجنوب.
وسيناريو الحرب يشمل عملية إنزال في جبال لبنان، لا سيما في الباروك، وقطع طريق بيروت-دمشق لمنع وصول السلاح، ومحاصرة قيادة المقاومة في الضاحية الجنوبية واسقاطها، وفرض الاستسلام عليها، وهو المشهد نفسه الذي فرضه العدو على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1982، عندما اجتاز منطقة “الشريط الحدودي” التي كانت تتمركز فيها القوات الدولية، وتوجه شمالاً باتجاه صيدا، ثم تقدم نحو بيروت عبر الساحل والجبل لتطويق العاصمة وإخلائها من المسلحين الذين تدفقوا إليها من الجنوب، بعد أن طوّقت المخيمات في برج الشمالي وعين الحلوة.
ويبحث قادة العدو عن ذريعة لتنفيذ عدوانهم، وما يتداولونه، هو أن “حزب الله” يعمل منذ اغتيال القائد عماد مغنية للإنتقام له، وإن الثأر لدمه سيكون في عملية في الخارج، تستهدف دبلوماسيين إسرائيليين أو سفارات ، أو مراكز سياحية أو تجارية يملكها يهود أو الاعتداء على مسؤولين إسرائيليين أو خطف طائرات ركاب إسرائيلية، وقد أخذت إسرائيل إحتياطاتها منذ استشهاد مغنية، وحذرت رعاياها من التنقل، كما فرضت قيوداً على تحرك دبلوماسييها ومسؤوليها، حيث يتوقع المسؤول الصهيوني ابالون، ان يقوم “حزب الله” بعملية في الخارج، وقد تكون باسم تنظيم “جهادي”، للإنتقام من مقتل مغنية، وإذا ما حصل ذلك، فإن إسرائيل ليس أمامها سوى العودة الى اجتياح العام 1982، لكن نتنياهو حاول التقليل من الوضع في شمال فلسطين، وان لا حرب على لبنان، لأنه جوبه بضجة من المستوطنين وانتقاد من بعض المسؤولين الاسرائيليين الحاليين والسابقين، وتحذير من التورط في المستنقع اللبناني، لكن هذا الموقف المستجد لرئيس حكومة العدو، لا ينفي الاستعدادات والمناورات الاسرائيلية لعدوان جديد.
Leave a Reply