في أوج شهرته زار الفنان محمد عبدالوهاب مدينة حلب المعروفة بـ “مدينة الطرب”لإحياء إحدى حفلاته، ولكن الموسيقار الخالد أصيب بالأسى والحزن عندما صعد المسرح ووجد بضعة رجال فقط في الصالة، يدخنون الأركيلة. بعد انتهائه من أداء وصلته وعودته إلى الكواليس سأل عبدالوهاب أحد المشرفين بعتب ويأس: أهذه هي حلب.. مدينة الطرب؟! ضحك الرجل من سؤال الفنان المصري، وقال له: لا عليك.. يا أستاذ عبدالوهاب، هؤلاء الجالسين في الصالة هم شيوخ “السّمِّيعة” في حلب، والجمهور ينتظر رأيهم بصوتك. في اليوم التالي كانت الصالة ممتلئة بعشاق الطرب الأصيل.
وبعد عقود طويلة، عرف الشارع السوري مطرباً شعبياً سورياً من نوع آخر يدعى علي الديك الذي حاز خلال فترة قصيرة نسبية على شهرة واسعة في سوريا. غنّى علي الديك الأغنيات الشعبية التي ما لبثت أن انتشرت انتشار النار في الهشيم، وسطع نجمه. وبعد مرور سنوات قليلة عاد الديك إلى الظل، لكن السوريين ما زالوا يرددون إحدى العبارات التي اعتاد علي الديك أن يرددها خلال تأدية حفلات أغانيه، وتقول العبارة: عَ المشفى يا بوفهد!
تذكرت هذه العبارة وأنا أنهي حديثاً هاتفياً مع سيدة تعدّ لإقامة نشاط من نشاطات جاليتنا طيبة الذكر.
والقصة ببساطة جاءت في سياق التنسيق بين المشرفة على النشاط و”صدى الوطن” لحضور النشاط وتغطيته إعلامياً، لكن السيدة المشرفة المتخرجة من أرقى الجامعات في الشرق الأوسط، كانت متحمسة ومهتمة بأدنى التفاصيل، فسألتني: ماذا ستكتب؟ قلت لها: كالعادة..وحسب برنامج الاحتفال. قالت: كيف يعني؟ قلت مستسلماً.. سنشير إلى طبيعة الحدث وسننقل أهم أقوال الخطباء وعلى رأسهم الضيف رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، إضافة إلى ما يلفت نظري خلال الحفل وأجده مناسباً.
قالت: لا.. أنا لا أريده أن يكون كذلك. قلت: وكيف تريدنه؟ قالت: أريدك أن تركز بنسبة 20% بالمئة على الحدث والاحتفال، وبنسبة 80% على المطرب (ذكرت لي اسمه ونسيته). قلت لها ضاحكاً: ولكن هذا غير منطقي..
قالت: المطرب صوته جميل وهو موهبة نادرة وسوف يعجبك. قلت: ماذا يعني.. هل لديه أغانيه الخاصة.. هل أصدر ألبوماً؟ قالت: لا.. ولكنه سيعجبك. قلت محاولا التخلص من هذه الورطة: إننا في “صدى الوطن” نشجع المواهب ونحترمها، وفي حال أعجبني وأعجب الحضور يمكن أن نكتب عنه زواية منفصلة في صفحة خاصة تتحدث عن هذه المواضيع..
قالت: أريد أن نركز على المطرب (لا أذكر ما اسمه) لأنه “زلمتنا”!
أحسست أنني على وشك أن أفقد أعصابي، فقلت لها بآخر رمق من الكياسة: حسناً سأتصل بك لاحقاً.
وأقفلت الهاتف ووجدتني بطريقة لاشعورية أردد: عَ المشفى يا بو فهد! وهي عبارة تدل على أن الوضع خطير ومتأزم ولا يمكن السكوت عليه.
ولقد كتبت هذه الزاوية فقط سأصحح الخبر الذي أوردته “صدى الوطن” سابقاً والذي تضمن إشعاراً للقرّاء بإقامة نشاط ملخصه أن “جمعية خريجي الجامعة الأميركية في بيروت متمثلة بفرعها في ميشيغن ستقيم حفل عشاء احتفاء برئيس الجامعة الدكتور بيتر دورمان الذي سيلقي كلمة في المناسبة، ويلي ذلك وجبة عشاء فاخرة وسهرة موسيقية وغنائية يحييها نجوم طرب محليون، إضافة إلى عروض من الرقص الشرقي”.
أما الخبر الصحيح، فهو أن “جمعية خريجي جامعة بيروت في ميشيغن تقيم حفل عشاء احتفاء بالمطرب الموهوب زلمتنا (الذي لا أعرف اسمه)، يحييها الدكتور بيتر دورمان رئيس الجامعة الأميركية في بيروت”.
البعض يأتي ليتكلم فيضع رجله في قصعة الأكل. الوضع خطير .. عندما يحتفى بـ “المغناواتي” وتهمل الشخصية العلمية.. بهذه الطريقة الفجة، وعندما يصبح “التهييص” هو المتن والثقافة الأكاديمية هي الحاشية، فالوضع خطير.. ويستوجب الإسعاف، فـ.. عَ المشفى يا بوفهد!!
Leave a Reply