المعارضة ترفض تشكيلة “الأمر الواقع” .. والحريري يعتذر
لبنان يعود إلى مرحلة ما قبل اتفاق الدوحة وقلق من انفجار امني
بيروت –
قبل اعتذاره الخميس الماضي عن تشكيل الحكومة لم يكن منتظراً من الرئيس المكلّف سعد الحريري، تقديم تشكيلة غير تلك التي قدّمها لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان محاولا رمي الكرة في ملعبه، ووضعه في مواجهة مع المعارضة، وتحميله هو شخصياً مسؤولية تأخير ولادة الحكومة، إذا ما تباطأ في توقيع مرسوم تأليفها.
لقد أعطى الحريري في الشكل وليس في المضمون، فهو حافظ على الصيغة السياسية المتّفق عليها في توزيع الحقائب 15 للأكثرية و10 للاقلية و5 لرئيس الجمهورية، واعتبر أن التشكيلة تمثل جميع الكتل النيابية والقوى السياسية الأساسية، فلم يستبعد منها أحد، وهي تجاوب على العنوان الذي طرحه بتأليف حكومة وحدة وطنية، وإن كل ما فعله، هو أنه مارس صلاحياته بعد التشاور مع من ستتكون منهم الحكومة، وارتأى توزيع الحقائب وطرح الأسماء، بما يؤمن تضامناً وانسجاماً داخل الحكومة، وهو لم يراعِ ما طرحته الكتل النيابية، من حقائب وأسماء، وقرر عنها، مما خلق رفضاً من المعارضة للصيغة التي اقترحها للرئيس سليمان، التي لم تلبِّ ما طلبه “تكتل التغيير والإصلاح” من حقائب وما طرحه من أسماء، فولدت التشكيلة ميتة، إذ أعلنت المعارضة مجتمعة رفضها لها، وبعد ساعات على الإعلان عنها، وكان أبرز الرافضين إضافة الى العماد ميشال عون، الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، الذي أوصل رسالة، بأن هذه الحكومة لن تمر، لأن من كلّف تشكيلها، لم يأخذ برأي من سيكونوا شركاء فيها، وأن التشاور كان شكلياً، وهذا ما أكّده الوزير جبران باسيل الذي كان يفاوض الحريري و يتشاور معه حول مطالب “التيار الوطني الحر”، ولم يكن يأخذ منه جواباً نهائياً، حول الحقائب والأسماء، وأن كل ما كان يجري هو مسرحية حسب قول باسيل، الذي سمته قوى 14″ آذار” بـ”الصهر المعطل”، لأن عون تمسك به لوزارة الاتصالات، بعد أن بدأت الحملة عليه لإخراجه من الحكومة، تحت عنوان، أنه خسر في الانتخابات النيابية، ثم لأنه لم يكن ناجحاً في أدائه الوزاري، مما رفع من منسوب التحدي بين الرئيس المكلّف والتيار الوطني الحر، وتبادل الطرفان الحملات الإعلامية، في الوقت الذي زاد “تكتل التغيير والإصلاح” من تشدده بطلب وزارة سيادية هي الداخلية، مبرراً ذلك، بأنه يريد إصلاحها، وتحسين أدائها، لكن طلبه اصطدم برفض من الحريري وفريقه السياسي، بأن هذه الوزارة هي من حصة رئيس الجمهورية الذي هو على مسافة واحدة من الجميع، ولا يمكن أن تُسند الى وزير حزبي، بالرغم من أنها أُسندت الى وزير من “تيار المستقبل” هو حسن السبع.
وقد تمّ تصوير عقدة تشكيل الحكومة، بأنها محصورة بالعماد عون ومطالبه التعجيزية، وتبيّن أن الحريري، ومنذ أن سُمي رئيساً مكلفاً، وضع نصب عينيه رفض تلبية مطالب “التيار الوطني الحر”، لإحراجه وإخراجه من الحكومة لصالح مسيحيي “١٤ آذار”، وإعطاء حصة لرئيس الجمهورية، وتكرار ما حصل عام 2005، في أثناء تأليف حكومة فؤاد السنيورة، إذ تمّ رفض ما طرحه عون في مفاوضاته مع الحريري الذي يمثّل الأكثرية النيابية، إذ طالب بأن يكون لـ”كتلة الإصلاح والتغيير” المؤلفة من 22 نائباً، خمسة وزراء، وتضم الى جانب وزراء “التيار الوطني الحر”، الوزير إيلي سكاف عن “الكتلة الشعبية”، ووزير من حزب “الطاشناق”، لكن تمّ رفض هذه المطالب، وخرج عون من التشكيلة الحكومية، وأُعطي الرئيس لحود أربعة مقاعد.
في ذلك الوقت، استُفرد بعون وتياره السياسي وتكتله النيابي، إذ كان وحيداً، بعد أن خرج من قوى “14 آذار”، بعد الإنقلاب عليه، ورفض إعطاء مقاعد نيابية له، لا سيما مع الوصول الى “تحالف رباعي” في الانتخابات، ضمّ “حزب الله”، وحركة “أمل”، و”تيار المستقبل”، والحزب التقدمي الإشتراكي، وإلحاق مسيحيي “14 آذار” بهم، وشُكّلت الحكومة منهم، وخارجها “تكتل التغيير والإصلاح”، الذي مثل 70 بالمئة من المسيحيين، أي وضع الطائفة المسيحية عموماً والموارنة خصوصاً خارج السلطة، وذهبت مقاعدهم الى “تيار المستقبل”، ومن ثم احتسابهم من حصة الرئيس لحود كالوزراء الياس المر وطارق متري وشارل رزق، الذين انتقلوا فيما بعد الى صفوف “14 آذار”، مما أحدث خللاً داخل الحكومة، إذ بات وزراء “أمل” و”حزب الله” والوزير يعقوب صراف يمثلون أقلية، بعد أن كان الثلث الضامن مع قوى “8 آذار”، ودفع هذا الوضع هؤلاء الوزراء الى الاعتكاف ثمّ الى الاستقالة لتصحيح الوضع الحكومي، في الوقت الذي كانت الاتصالات واللقاءات بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” توصلت الى تفاهم بينهما، نشأ عنه قيام معارضة ضد الاستئثار بالسلطة، والمطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية يكون للمعارضة فيها 11 وزيراً من 30 وزيراً، لكن فريق الأكثرية لم يتجاوب مع هذا الطلب، فدفع البلاد نحو أزمة سياسية ودستورية، أدت الى وقوع توترات واهتزازات أمنية، كان أخطرها ما حدث في 7 أيار من العام 2008، عندما قررت المعارضة الدفاع عن نفسها بوجه قرار الحكومة بشأن شبكة اتصالات المقاومة، واستطاعت من خلال استعراض القوة، أن تعيد التوازن، وتفرض اتفاق الدوحة الذي أنهى أزمة بانتخاب رئيس جمهورية توافقي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وقد لبّى الاتفاق مطالب المعارضة.
وبعد الانتخابات النيابية، التي لم تغيّر في الواقع العددي داخل مجلس النواب، فبقيت الأكثرية مع الموالاة (71 نائباً) و57 نائباً للمعارضة، وهو ما ألزم رئيس الأكثرية النيابية سعد الحريري، إلى ان يعلن ان يده ممدودة لتشكيل حكومة ائتلاف وطني، لكنه لم يترجم كلامه إلى أفعال، إذ هو يريد للأكثرية ان تكون لها الحصة الأساسية في الحكومة، ولا تعطي المعارضة الثلث زائداً واحداً، وقد ارتفعت أصوات المتشددين تنادي بتشكيل حكومة من “لون واحد” وأن تعارض المعارضة من خارجها، وقد تبنى هذا الشعار البطريرك الماروني مار نصرالله صفير، حيث شبه حكومة تتمثل فيها الموالاة والمعارضة بعربة يشدها حصانان، وقد لاقاه في هذا الطرح مسيحيو الموالاة، دون ان يقدر سيد بكركي خطورة وضع شريحة كبرى تمثل سياسياً وشعبياً طوائفها خارج السلطة، كالطائفة الشيعية التي تتمثل بـ”حزب الله” و”أمل” أو “التيار الوطني الحر” أو “تيار المردة” وحلفاؤهم، وهو ما كان يشكو منه صفير عندما كان يتحدث عن تغييب ممثلي المسيحيين أثناء الوجود السوري.
ورضخ الحريري للصيغة السياسية للحكومة التي هي نتاج توافق سوري-سعودي، ولم يهضم ان تفوز قوى “14 آذار” بالأكثرية وأن لا يكون لها في الحكومة 17 وزيراً، ويكون القرار لها، فقرر ان يرد بالحقائب والأسماء، وان يحاول قدر الإمكان عدم التجاوب مع مطالب عون، لعله يخرجه من الحكومة، ويطيح بالصيغة السياسية، بعد ان جرى تمرير طرح حكومة “تكنوقراط” من قبل “القوات اللبنانية” بعد ان ظهر ان عون متشدد في طروحاته، كما تم تسريب معلومات عن حكومة أقطاب، لم يعمّر هذا الاقتراح الذي تبناه عون، وتراجع عنه الحريري الذي استجاب لـ”صقوره” ورفض توزير جبران باسيل، أو عودته إلى وزارة الاتصالات، واقترح أسماء من “التيار الوطني الحر” مثل آلان عون الذي اسند إليه وزارة الأشغال، لخلق إرباك داخل التيار، ولان عون هو ابن شقيقة الجنرال، كما اقترح فريد الخازن لوزارة التربية، وتحت عنوان المداورة في الحقائب، دون ان يحصل هذا الأمر في الحقائب السيادية.
فالتشكيلة التي أودعها الحريري لبّت في الشكل مطلب قيام حكومة وحدة وطنية، وجاءت متطابقة مع الصيغة السياسية، لكنها لم تلب المضمون السياسي، إذ ان وزارة الاتصالات التي أسندت إلى الوزير غازي العريضي، هي وزارة سياسية-أمنية-إقتصادية، وقد يكون وجود العريضي فيها مطمئناً مع التحولات التي طرأت على موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي واقترابه من المقاومة، إلا ان سحبها من “التيار الوطني الحر” اعتبر استهدافاً سياسياً، عبر تحجيمه وعدم إعطائه وزناً سياسياً، وهو الذي يؤكّد أنه تنازل من حصته بالقبول بخمسة مقاعد وزارية مع حلفائه في التكتل، وهو العدد الذي حصل عليه في حكومة السنيورة، وقد زاد عدد مقاعده النيابية في الانتخابات الأخيرة إلى 27، ويجب أن يتمثل بستة وزراء، فقبل بخمسة، في حين لم يتنازل الآخرون، ونالوا الحصص التي يريدونها.
فالحكومة التي طرحها الحريري كأمر واقع وتحت عنوان أنه مارس صلاحياته، وترك لرئيس الجمهورية حق قبولها أو رفضها، فانه ادخل لبنان في أزمة حكم، إذ ليس من السهل على الرئيس سليمان توقيع مرسوم حكومة يرفضها فريق أساسي، يمثل أكثرية شعبية ولن يشارك فيها لأنها لا تلبي شروطه، وهو لن يقبل أن تدخل البلاد في أجواء حرب أهلية، حذر منها كثيرون، وتقع عليه مسؤولية ان لا يوفر الظروف لها، في ظل الاحتقان السياسي والخطاب المذهبي والطائفي وتداول معلومات عن عمليات تسليح وتدريب.
فحكومة الأمر الواقع مرفوضة من قبل المعارضة، التي اشتمت ان لواشنطن دور في ان لا تكون الحقائب الأساسية في عهدة وزرائها، وقد دخل لبنان مرحلة أزمة سياسية بعد اعتذار الحريري عن عدم تشكيل الحكومة أعادته إلى الفترة التي سبقت اتفاق الدوحة، وهو بحاجة إلى دفع خارجي من اجل تخطي أزمته، التي يخشى المراقبون، ان يرافقها انفجار امني، لإعادة خلط الأوراق، مع التطورات العربية والإقليمية والدولية، إذ لا يمكن فك أزمة لبنان عن أزمات المنطقة، وتشكيل حكومته.
Leave a Reply