لقد إنقلب كل شيء رأسا على عقب في عهد وحكم علي عبدالله صالح، حتى صارت المعايير والقياسات ممسوخة بشكل لا يصدق في مجتمعنا اليمني المعروف بماضيه الإنساني الراقي والطيب والرحيم، الفاقد اليوم لتلك القيم النبيلة بسبب عزف النظام طوال ثلاثين عاما على وتر خلق العداء والتناحر والإرتزاق المادي في أوساط الشعب، مع تغييب أي رادع قانوني لتلك المخالفات الجسيمة شرعا وعرفا وأخلاقا، لذلك لا عجب أن تصبح جريمة القتل وإزهاق الأرواح البريئة (خاصة من النساء والأطفال) أمرا عاديا لا ينكره أحد,حتى العلماء ولا حول ولا قوة إلا بالله، كما يحدث اليوم في محافظة صعدة وبقية المحافظات اليمنية.
كم حذر الكثير ونحن منهم، من إنحسار وتراجع قيم المجتمع اليمني، إثر تنفيذ إستراتيجية خبيثة تبناها النظام لأهداف خفية خدم من خلالها بقائه الطويل ومن يدعم إستمراره من الأقليم والقوى الخارجية,فتم تقريب كل فاسد ومفسد، وإقصاء كل شريف وصادق، بغرض فرض ثقافة توظيف شيطانية، صارت اليوم وجها من وجوه النظام البشعة إلى جانب وجوهه القبيحة التي أصبح أشهرها خوض حروب بالوكالة ضد شعبنا مقابل حصوله على أموال بالعملة الصعبة، ثمنا لدمائنا وفقرنا وجوعنا ومرضنا، وما حرب صعدة اليوم سوى دليل قاطع على متاجرة النظام ومن مشى في فلكه باليمن الأرض والإنسان.
كم شعرنا بالخزي والذل ونحن نشاهد القوى السياسية والمدنية صامتة صمت القبور على ما يحدث في صعدة، وكم أدركنا حجم العار الذي وصلت إليه تلك القوى عندما لم يهتز لها جفن أمام صور القتل والدمار والخراب، وتدمع لها عين أمام مآسي التعذيب في صفوف المعتقلين من المدنيين الأبرياء، وتشعر بوخز الكرامة أمام مشاهد النساء والأطفال المجروحين والمشردين، ليغدو ذلك الموقف الهزيل والضعيف نقطة سوداء لا يمكن لأي تحرك مهما كان حجمه بعد ذلك أن يبيضها، لأن آلام وعويل النساء وذعر وخوف الأطفال وقهر الرجال وحجم وهول الدمار والخراب، صور ستلاحق كل الداعمين والفرحين والصامتين والخائفين من قول كلمة الحق في الدنيا والآخرة.
يا للعار كم أصبحنا جبناء، ويا للهول كيف رضينا بإرضاء “الجيران” عبر قتل أهلنا، بعد أن قتلنا كل معايير الخير والصفات الإنسانية النبيلة، وقبل ذلك تغييب ديننا العظيم ومخالفة أوامره، حتى أن الله سبحانه وتعالى لم يعد له وجود في نفوس وعقول تجار الدماء والمرتزقة الذين صار لهم كما يبدو “ربّا في السعودية” يذبح الشعب اليمني قربانا له، بهدف وقصد المال ولا شيء غيره ولا ضرر أن يكون المقابل دماء الأبرياء من الجيش والقبايل وأبناء صعدة الذين لا قيمة ولا وزن لهم، وكأن أولئك التجار والمرتزقة تناسوا أو كفروا بأن هدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من قتل إمرء مسلم كما قال سيدنا ونبينا عليه أفضل الصلاة والسلام.
لأولئك نقول… إتقوا الله في أنفسكم ثم في شعبكم، واعلموا أنكم ستحاسبون على ذلك كله بين يدي رب عادل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء,وستذكرون ذلك كله يوم أن ترددون قوله تبارك وتعالى {ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها} (الكهف 49)، فكل ما تقومون به وتقولونه مسجل لكم أو عليكم إلى يوم القيامة، وما أسوأ وأتعس الإنسان يوم أن يأتي وسجله حافل بالقتل والتدمير، ورقبته مخضبة بدماء الأبرياء وأيادي العباد معلقة فيها، إلى جانب شهادة نفسه على نفسه بجوارحه وأعضائه على كل ما اقترفه من تلك الأعمال الوحشية التي لن يستطيع إنكارها كما قال جل وعلا {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} (يس 65).
إستحضروا ذلك المشهد يا قادة البلد ويا علمائه ويا قواه المعارضة، إستحضروا ذلك المشهد يا حملة الأقلام التي تطبل وتهلل لسفك دماء الناس، إستحضروا ذلك المشهد يا مشايخ القبايل وأنتم تدفعون الناس للموت كالأغنام، إرضاءا للنظام والسعودية وطمعا في الدنيا والمال، إستحضروا ذلك وتخيلوا أنفسكم في هذا الموقف الجلل المصور في قوله تعالى {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} (النور 24).
إستحضروا ذلك وتيقنوا أن صعدة ستأتي يوم القيامة شاهدة عليكم أمام ربكم بدماء أبنائها وخراب بيوتها ومساجدها وأهلها المشردين النازحين… ستأتي شاكية باكية إلى رب الأرباب ومنصف المظلومين ويومها لن ينفع أحد منكم مال السعودية ورتب ومناصب النظام أو أي شيء من ذلك، وكم سيكون المشهد والموقف رهيبا يوم أن تشاهدوا بأعينكم المرعوبة قوله تعالى {إذا زلزلت الأرض زلزالها-وأخرجت الأرض أثقالها-وقال الإنسان مالها-يومئذ تحدث أخبارها-بأن ربك أوحى لها-يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم-فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره-ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} صدق الله العظيم.
ستأتي صعدة وتشهد على كل من رضي بما يحدث فيها,وعلى كل من يتاجر بها ودماء أهلها، وعلى كل من له قدرة في إيقاف الحرب وتساهل وتغاضى، وعلى كل من صمت عن قول كلمة الحق، وعلى كل من دفع الناس للقتال، وعلى كل عالم علم الحق وأخفاه خوفا أو رجاء من النظام أو تحسبا لقول السعودية وأموالها.
إتقوا الله يا أبناء اليمن واخجلوا من مواقفكم الذليلة، واعتزوا بأنفسكم أمام أنفسكم أولا، وعودوا لصوابكم واستحوا من رمضان سيد الشهور الذي سيشهد عليكم مثلما ستشهد عليكم صعدة وأعمالكم.
إتقوا الله وترفعوا عن الصغائر,وابتعدوا عن إطلاق الأحكام المسبقة على الناس وتيقنوا من أقوالكم واستندوا إلى الدليل والحجة، وكفوا عن تسمية الناس بأسماء تزرع الكراهية والأحقاد، فأنتم أبناء وطن واحد يدين بدين الإسلام، وخير الناس من سلم المسلمون من يده ولسانه، وفي ظل غياب نظام حكم حكيم ورشيد، لا يحق لأحد تكفير أحد أو محاكمة أحد فكل نفس بما كسبت رهينة ومن قال لا إله إلّا الله محمد رسول الله عصم المسلمون منه ماله ودمه وعرضه أو كما قال (ص).
إتقوا الله وارتقوا للمستوى والدرجة الإنسانية، وقفوا عن استدعاء المذهبية المحرمة، وابتعدوا عن شتم ولعن المذاهب أو الصحابة، ،فإن من يلعن ويشتم فإنما يلعن ويشتم نفسه ويبين للناس حقيقة تربيته وخلقه، ويكتب بلسانه ويده على نفسه إثما عظيما.
صعدة أمانة في أعناقكم فلا تخونوها، ومن سره أن يلقى ربه راضيا عنه فليصرخ من أجل وقف الحرب المجنونة، وليعمل على منح أطفال صعدة الأمن والأمان والغذاء والكتب والأقلام بدلا من الخوف والرصاص… ليعمل على منح نساء صعدة الطمأنينة والستر بدلا من الرعب والتشرد.. ليعمل على منح رجال صعدة أسباب الحياة الكريمة بدلا من الموت والدمار.. ليعمل على منح صعدة أياما جديدة فيها من السلام والخير ما يسكت المدافع والقنابل وأزيز الطائرات.
اللهم إنّا اجتهدنا بموقفنا وكلامنا دفاعا عن وطننا بأهله وأرضه طمعا في حقن الدماء وبذر الخير ونشر أفكار السلام، فإن أصبنا فاكتب لنا الأجر وإن أخطأنا فمنك وحدك العفو والمغفرة، واشهد بأننا بلغنا فأنت خير الشاهدين.
Leave a Reply