أبو بدر ليس مثل بقية رجال »حارة الضبع« الذين يتجولون ببواريدهم ومسدساتهم ومشاعرهم الوطنية بين المطابخ والصالونات، أو في الأسواق والأفران والحمامات. وهو ليس مثل بقية العكداء.. الذين يتجهمون في وجوه النساء فيروّبهن مثلما يروب الحليب. القبضايات شخصيات مصنعة ومرسومة لإثارة النعرات الرجولية، محشوة بالأقوال الحادة والنظرات القاسية والأصوات الجهورية، أما أبو بدر.. فهو شخصية من لحم ودم، شخصية موجودة بيننا، أقرب إلينا من حبل الوريد، على خلاف شخصية العكيد التي هي شخصية التي هي شخصية مشتهاة.. لا بل إن أحد »قيادات« الجالية سمى نفسه بالعكيد وألزم أصدقاءه والذين حوله باللقب.
ويطمح المشاهدون الرجال العرب، ومعهم متابعو مسلسل »باب الحارة« في جاليتنا في ديربورن، بنيل لقب العكيد أبو شهاب، وبدرجة أقل.. بنيل لقب أبو حاتم، مع أن أبو حاتم حاز على شرف مقاومة الاستعمار. ولعل كل مشاهد يطمح لنيل لقب العكيد ويتمنى في قرارة نفسه أن يلقبه أصدقاؤه بهذا اللقب الرزين والمغري.. لكن الأصدقاء متخاذلون دوماً كما هي العادة، ولذلك فهم يلقبونه باقرب فرصة يذهب فيها إلى الحمام، أو يغادر فيها السهرة، بأبو بدر!
المثير، أن أبو بدر تغير في الجزء الرابع وبدأ يتنمر على فوزية ويتمرد عليها، وهذا التغير.. جزء من تطور الشخصيات الضروري في الأعمال الفنية، وهذا الأمر ليس غريبا عن الواقع نفسه، لأن دوام الحال من المحال. لكن الملاحظ أن أبو بدر تطور في الاتجاه المعاكس، فالحياة تقول إن العكداء والقبضايات والشبان المعجبين بأنفسهم يتغيرون بعد الزواج، إذ تقوم فوزياتهم بتقليم أظافرهم وتهذيب نظراتهم وقصقصة أجنحتهم.. هذا الترويض على الطريقة النسائية التي لا تكل ولا تمل، وهذا هو عمل المرأة الدؤوب.. الذي يتم ترجمته بالقول: وراء كل أبو بدر فوزية، على غرار: وراء كل رجل عظيم امرأة. وإذا ما عرفنا ندرة الرجال العظماء.. عرفنا وفرة النساء الفوزيات..
ربما توحي طريقة الكتابة هذه بأن ثمة منطقاً ذكوريا يتحكم بها، ولكن هذه ليست هي الحقيقة، فأنا من مناصري مقولة »تأنيث العالم« إضافة إلى »أنسنة الشخصيات الفنية والتاريخية«. أنا ضد كل أبو بدر يحلم أن يلقبه الآخرون بالعكيد.
ثم تعالوا إلى هنا.. إذا كانت الشخصيات الرئيسية هي شخصيات قوية لضرورة البناء الدرامي، أو صناعة التواريخ الوطنية، وإذا كانت الشخصيات الثانوية هي شخصيات ضعيفة وثرثارة ومترددة وأبو بدر، وإذا كنا ندعو الشخصيات الرئيسية بالأبطال، أبطال المسلسل أو الفيلم أو الوطن، فإننا ندعو الشخصيات الثانوية الأخرى بالكومبارس. وهنا السؤال: هل نحن أبطال المسلسل، أم مجرد شخصيات ثانوية، ومجاميع، وسواد أعظم، وجماهير..بهذا المعنى كلنا أبو بدر!
Leave a Reply