نيويورك – ثلاثة خطابات طغت على الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأسبوع الماضي، الأولى كانت للرئيس الأميركي باراك أوباما الذى دعا إلى “عهد جديد من الارتباط” مع العالم متعهدا بالعمل مع الدول الأخرى، الكلمة الثانية كانت للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي وجه انتقادات شديدة لإسرائيل ولقوى الغرب واتهمها بانتهاج “ممارسات لا إنسانية بحق الفلسطينيين”، أما الكلمة الثالثة فكانت للزعيم الليبي معمر القذافي الذي طالب بتحقيق في كل الحروب والاغتيالات ودعا الولايات المتحدة لمغادرة أفغانستان، في خطاب مطول هو الأول له أمام الجمعية العامة، وهي هيئة دعا إلى أن تحول إليها سلطات مجلس الأمن الذي بات “مجلس رعب”، ممزقا نسخة من ميثاق الأمم المتحدة لأن أعضاءها غير متساوين في الحقوق وفشلت في منع عشرات الحروب.
وافتتحت أشغال الجمعية العامة بخطاب للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعا فيه إلى جهد دولي “حقيقي” لمكافحة الانحباس الحراري والفقر والتسلح النووي. وبدأت أشغال الجمعية العامة بحضور أكثر من 120 رئيس دولة وحكومة وملك.
أوباما
في أول كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك قال إن “الوقت حان كي يتحرك العالم في اتجاه جديد، علينا اعتناق عصر جديد من الارتباط القائم على المصلحة المشتركة والاحترام المشترك”. وعدّد بعض ما قال إنها إنجازات إدارته، وذكّر بأنه قرر وقف استعمال التعذيب في أول أيام رئاسته وأمر بإغلاق غوانتانامو، ويُبحَثُ الآن السياق القانوني لتنفيذ ذلك.
وكانت أدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش على علاقة فاترة بالأمم المتحدة حيث أوقفت مساهمتها المالية فيها وشنت الحرب على العراق رغم معارضة الأمم المتحدة بزعم حيازة نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين لأسلحة دمار شامل وهو ثبت لاحقا عدم صحته.
كما دعا الرئيس الأميركي إلى دعم حرب بلاده في أفغانستان، وحث العالم على التخلص من الأسلحة النووية، مؤكدا أن إدارته لم تعد تدير ظهرها للمجموعة الدولية، حسب قوله.
وفي شأن الصراع العربي الإسرائيلي قال أوباما إن الولايات المتحدة لا ترى استمرار النشاط الاستيطاني الإسرائيلي شرعيا، ولكن الوقت قد حان لاستئناف محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية بدون شروط. وأضاف أوباما “ما زلنا ندعو الفلسطينيين لإنهاء التحريض ضد إسرائيل، وما زلنا نؤكد أن أميركا لن تقبل شرعية المستوطنات الإسرائيلية المستمرة”.
وتابع قوله “حان الوقت للاستئناف غير المشروط للمفاوضات بشأن قضايا الوضع الدائم: أمن الإسرائيليين والفلسطينيين والحدود واللاجئين والقدس”. كما تعهد أوباما بالعمل على إحلال السلام بين إسرائيل ولبنان وسوريا والجيران الآخرين.
وعلى صعيد منفصل قال أوباما إن الولايات المتحدة لن تسمح للقاعدة بشن هجمات من ملاذات آمنة في أفغانستان أو أي بلد آخر. وعبر الرئيس الأميركي عن التزامه بالدبلوماسية مع إيران وكوريا الشمالية ولكن ينبغي تحميل البلدين مسؤولية اختيارهما السعي لامتلاك أسلحة نووية.
وحث أوباما العراقيين على تحمل مسؤولياتهم، وقال إن بلاده تنهي بـ”صورة مسؤولة” الحرب في هذا البلد.
وباتت الولايات المتحدة، كما قال أوباما، منخرطة في المجموعة الدولية، تقيم علاقات يحكمها الاحترام والمصلحة المتبادلين، كما دل عليه رجوعها إلى مجلس حقوق الإنسان، وتعاونها في محاربة المجاعة.
نجاد ينتقد إسرائيل وقوى الغرب
من جهته انتقد الرئيس الإيراني انفراد بعض الدول بتحديد معايير الحرية والديمقراطية ووجه نجاد في كلمته أمام الجمعية العامة انتقادات شديدة لإسرائيل وقد انسحبت وفود الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل من الجلسة أثناء إلقائه كلمته، واتهم احمدي نجاد إسرائيل بمحاولة فرض سيطرتها على العالم قائلا إنه من غير المقبول “أن تتحكم أقلية صغيرة في سياسات واقتصاد العالم عبر شبكة معقدة تؤسس لشكل جديد من العبودية وتلحق الضرر بسمعة امم أخرى بغية تحقيق طموحاتها العنصرية”.
وتحدث الرئيس الإيراني عن الفلسطينيين قائلا إنهم أجبروا على مغادرة بلدهم الأم عبر اللجوء إلى القوة وكافة أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا، مستنكرا حرمان هؤلاء من حقهم في الدفاع عن النفس. وأعرب أحمدي نجاد عن دهشته من “اعتبار المحتلين محبين للسلام واعتبار الضحايا إرهابيين”. كما هاجم الرئيس الإيراني بشكل غير مباشر السياسات الأميركية في العراق وأفغانستان معتبرا أن “القوى الأجنبية نشرت الحرب وإراقة الدماء والعدوان والإرهاب والتخويف” في الشرق الأوسط مع إلقاء اللوم على دول المنطقة التي تخشى على أمنها. ومضى قائلا “لم يعد من الممكن ان نخضع دولة للاحتلال باسم مكافحة الإرهاب ومحاربة المخدرات”، مشيرا إلى أنه رغم الحرب في العراق وأفغانستان اتسع نطاق الإرهاب وتضاعف إنتاج المخدرات. واعتبر الرئيس الإيراني أن “عصر همينة الأقطاب على العالم قد ولى” وأضاف “حان الوقت لوضع حد لممارسات الذين يحددون معايير الحرية والديمقراطية وهم أول من ينتهك هذه المبادئ”. وفي ما اعتبر اشارة غير مباشرة الى الجدل حول طموحات ايران النووية، تحدث نجاد عن دول تعمل على وقف تنمية دول أخرى بحجة منع انتشار الأسلحة منتقدا إنفاق الدول الكبرى على التسلح.
نتنياهو يهاجم طهران
وفي كلمته أمام الجمعية العمومية قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إن المهمة الأكثر إلحاحا التي تواجه العالم حاليا هي كيف يمكن منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. وأدان نتنياهو الحكومة الإيرانية التي قال إنها تمثل “نظاما همجيا”. ورفض نتنياهو الانتقادات التي وجهتها الأمم المتحدة إلى إسرائيل بشأن هجومها على قطاع غزة في أوائل العام الجاري، وقال إنها مضللة وتحيد عن الحقيقة. ووصف غزة بأنها “قاعدة إرهابية مدعومة من جانب إيران”.
وحذر نتنياهو من أن الوقت ينفد امام المجتمع الدولي للتحرك ضد إيران التي قال إنها تمضي قدما في برنامجها. وجاءت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي قبيل المحادثات المقررة في جنيف مطلع الشهر المقبل بين إيران والدول الست الكبرى.
القذافي
من ناحيته، طالب الزعيم الليبي معمر القذافي بتحقيق في كل الحروب والاغتيالات. وذكّر القذافي، في خطاب مدته ساعة ونصف، بأن 65 حربا نشبت منذ إنشاء الأمم المتحدة، وإصلاحُ المنظمة ليس بتوسعة مجلس الأمن لأنه لن يمكن التوفيق بين الدول الكبيرة.
وتساءل كيف تتنازل إيطاليا التي قاتلت مع الحلفاء عن المقعد لألمانيا التي سببت الحرب العالمية وهزمت فيها؟ واعتبر الحل هو إلغاء العضويات الفردية لصالح الاتحادات القارية. واعتبر القذافي أن أفريقيا جديرة بمقعد دائم، حتى دون إصلاح مجلس الأمن، استحقاقا عن الماضي كـ”قارة معزولة ومضطهدة ننظر إليها كحيوانات ثم عبيد ثم مستعمرات تحت الوصاية”.
وقال إن الصين هي الدولة الوحيدة التي “صوتنا” عليها في مجلس الأمن الذي يحاكم دولا يفترض أن يترك أمر اختيار أنظمتها لمجتمعاتها فهي حرة، حسب قوله، في أن تكون ديكتاتورية أو رجعية أو ما شاءت.
وتساءل لم لا يسمح لطالبان بأن تحكم أفغانستان دولةً دينية كـ”الفاتيكان”؟.
ووصف القذافي الجمعية العامة بأنها “هايد بارك”، متنزه لندن الشهير، أي أنها منبرٌ للخطابة فقط، وهاجم الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومحكمة العدل لأنهما تحاسبان الضعفاء فقط، على حد قوله.
وعرض مقترحا لتعويض الدول المستعمَرة لتتوقف الهجرة (نحو الشمال) لأنها جري وراء ثروات منهوبة، حسب قوله، فلا هجرة من بلاده إلى إيطاليا لأن الأخيرة أقرت تعويضها عن الاستعمار واعتذرت، ووقعت معاهدة تمنع الاعتداء عليها.
واقترح أن يُدفع إلى أفريقيا 777 تريليون دولار تعويض عن المرحلة الاستعمارية. وحيا كلمة باراك أوباما قبله كخطاب لم يدل به أي رئيس أميركي عاصره، وقال إنه يوافق على كل ما جاء فيه كحديثه عن استحالة فرض الديمقراطية من الخارج.
وقال إن أفريقيا فخورة بابنها “الأسود” الذي صار رئيسا، لكنه “ومضة في الظلام” عمرها أربع سنوات وبعدها “من يضمن من يحكم أميركا؟”.
ودعا أيضا للتحقيق في قضايا كثيرة، كغزو غرينادا وبنما وحربي العراق وأفغانستان وإعدامات لم يعرف من نفذها، حسب قوله، كإعدام صدام حسين وهو أسير حرب و”رئيس دولة عضو في الأمم المتحدة”، وأيضا للتحقيق في فضيحة “أبو غريب”، والعدوان على غزة ومجازر صبرا وشاتيلا. وتساءل لم لا يحقق في اغتيال باتريس لومومبا، وحتى الرئيس الأميركي جون كينيدي الذي صُفي -حسب القذافي- لما أراد إخضاع مفاعل ديمونة الإسرائيلي للتفتيش.
وتطرق القذافي إلى قضايا عديدة من إنفلونزا الخنازير ومعاهدة أوتاوا لحظر الألغام المضادة للأفراد إلى فلسطين ودارفور والقرصنة البحرية.
واتهم القذافي شركات كبرى بنشر فيروس إنفلونزا الخنازير وتصنيع المصل المضاد للمتاجرة به، متسائلا كيف يدفع الإنسان مقابل الدواء؟.
واعتبر اتفاقية أوتاوا الحالية خاطئة ودعا الموقعين لمراجعة مواقفهم، لأن من حقهم استخدام الألغام لأنها دفاعية أصلا.
أما القضية الفلسطينية فلا حل لها -حسب قوله- إلا في دولة واحدة ديمقراطية للشعبين، لاستحالة قيام دولتين متجاورتين، لأنهما متداخلتان أصلا. وخاطب اليهود قائلا إن العرب هم من حماهم من الرومان ومحاكم التفتيش والمحرقة، والغرب يزج بهم الآن ليقاتلوا من دافعوا عنهم.
أما في دارفور، فقد استتب السلام حسب القذافي الذي اتهم الدول الغربية بتأجيج الصراع بحثا عن موطئ قدم، ودعاها إلى تحويل المساعدات إلى مشاريع إنمائية.
ودافع عن قراصنة الصومال فهم يدافعون -حسبه- عن ثروة بلادهم التي تنهبها دول تلوث مياههم أيضا بالنفايات السامة، وقال إنه التقى بهم وعرض عليهم معاهدة تحمي حقوق بلادهم مقابل توقف أعمال الخطف.
ولم يخل خطاب القذافي من لقطات دراماتيكية، فتساءل مثلا في وسط الكلام عما إن كان المترجم سيستطيع ترجمة قوله “زاد الطين بلة”، وتوقف عن الخطاب برهة وحمل سماعة الترجمة ليرى كيف ستنقل، وعرض على المترجم عبارة Add insult to injury.
Leave a Reply