ميامي – خاص “صدى الوطن”
كانت اليافطات المؤيدة إلى ثنائي “بوش-تشيني” و”كيري-ادوارز” مبعثرة على المساحات الخضراء لساحل ميامي، عندما كان الإمام فؤاد فراحي يسلك طريقه مشيا على قدميه من المسجد إلى شقته التي تبعد مسافة قليلة عنه، في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) 2004، وهو اليوم الذي سبق فوز جورج دبليو بوش بولاية رئاسية ثانية.
غير أن رجل الدين المسلم من أصل إيراني كان منشغلا بشهر الصوم ولم يلق بكبير انتباه الى الانتخابات الرئاسية. وبالنسبة لفراحي الإيراني الجنسية الذي مضى على وجوده في أميركا آنذاك أكثر من عشر سنوات، كان الأمر مجرد رمضان آخر في منطقة جنوب فلوريدا، عندما كان يقترب من شقته حوالي الخامسة عصرا، ليرى رجلين واقفين أمام مدخل المبنى بانتظار وصوله.
“نحن من مكتب الـ أف بي آي” قال أحد الرجلين.
“حسنا”، أجاب رجل الدين الإيراني.
اراد الرجلان أن يسألاه عن هوزيه باديلا وعدنان الشكري جمعة، وهما رجلان من منطقة جنوب فلوريدا على علاقة بتنظيم القاعدة الإرهابي.
باديلا أو كما عرف لاحقا المفجر القذر، كان جرى اعتقاله في شهر أيار (مايو) عام 2002 وعومل معاملة المحاربين الأعداء، وواجه لاحقا محاكمة في مدينة ميامي وأدين بتهم إرهابية وحكم عليه بالسجن 17 عاما.
أما شكري جمعة فهو مواطن سعودي ومشتبه بانتمائه إلى تنظيم القاعدة، وكان آخر عنوان معروف له هو “ميرامار”. وأعلن مكتب الـ”أف بي آي” عن جائزة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي مباشرة إلى القبض عليه.
“إنني أعرف باديلا، لكني لا أعرف عدنان” قال فراحي لعملاء الـ أف بي آي وأخبرهم أيضا أنه لا توجد اتصالات بينه وبين باديلا منذ العام 1998 عندما غادر البلاد، موضحا أنه التقى مرة واحدة بشكري جمعة لكنه لم يكن على أي اتصال به بعد ذلك، ولا يعرف شيئا عن أنشطته.
“نريدك أن تعمل معنا”، يتذكر فراحي ما قاله له عملاء المكتب الفدرالي. وابتداء من ذلك التاريخ قبل خمس سنوات بدأت معركته مع الحكومة الفدرالية. “ليس لدي مشكلة أن أعمل معكم أو أساعدكم” قال فراحي للعملاء متعهدا بأن يخبرهم عن أوضاع الجالية المسلمة المحلية وأن يقوم بعمل الترجمة لديهم، شرط أن تكون هذه العلاقة علنية، ومعلنة وأن يعرف الآخرون أنه يساعد الحكومة الأميركية.
غير أن هذا العرض لم يكن هو ما يدور في رأس رجال مكتب التحقيقات. فهؤلاء أرادوا منه أن يكون مخبرا سريا لهم ويقوم بدور التحريات عن أناس محددين ومراقبتهم. وكان رجال الـ”أف بي آي” يعلمون أن فراحي في وضع قانوني هش، فتأشيرته الطالبية انتهى مفعولها وطلب من السلطات الحكومية تجديدها، كما أنه كان قد تقدم بطلب الحصول على اللجوء السياسي، آملا بأن يؤدي أحد هذه المسارات القانونية إلى مساعدته في البقاء في الولايات المتحدة بصورة نهائية.
“نحن نمنحك الإقامة الدائمة” وعده العملاء، ونعطيك “أموالا لإكمال دراستك”.
فكر فراحي بهذا العرض المغري للحظة ثم هز راسه بالرفض قائلا: “لا أستطيع”.
لاحقا اكتشف فراحي أن عرض الـ”أف بي آي” له لم يكن اختياريا. فالحكومة الفدرالية استخدمت تكتيكات “الذراع القوية” بما فيها محاولة ترحيله واتهامه زورا بالصلة بالإرهاب في جهد لإجباره على القبول بالعمل كمخبر.
قاوم الإمام الإيراني الحكومة في كل خطوة، آخذا مؤخرا قضية طلب اللجوء السياسي الذي رفعه لدى السلطات إلى محكمة الاستئناف الفدرالية في آتلانتا.
ويقول محامي فراحي إيرا كرزبان “طالما أنك لست مواطنا أميركيا، هنالك الكثير من الشياء بإمكان الحكومة القيام بها.. بامكانهم اتهامك بالإرهاب أو القيام بترحيلك، والزعم حتى بأنك أعطيت أموالا لمستشفى في الضفة الغربية تبين أنها تدار من قبل حركة حماس”.
وعلى الرغم من التأكيدات القاطعة على براءته من أي صلة بالإرهاب، ظل مسؤولو مكتب التحقيقات الفدرالي يمارسون ضغوطا على فراحي لأجل اختراق الجالية المسلمة.
وبعد مضي سنتين على استجواب فراحي وخضوعه لاختبار كشف الكذب من قبل رجال الـ أف بي آي، تلقى في صيف العام 2007 اتصالا من المكتب حيث طلب منه أحد العناصر لقاء فوريا.
وفي مدينة “كوبرسيتي” حيث جرى اللقاء مع عميلين، رجل وامرأة، طلبا إلى فراحي مجددا ذا كان يقبل بالعمل مع الحكومة. رفض فراحي العرض مجددا وانتهى الاجتماع حبيا. لكن فراحي لم يدرك بأن نكسة أخرى بانتظاره.
ففي أحد أيام نوفمبر من العام 2007 وصل فراحي إلى محكمة الهجرة في ميامي لحضور جلسة استماع اعتقدها روتينية بشأن طلب اللجوء السياسي المرفوع أمامها. وكان فراحي طلب اللجوء باعتباره ينتمي إلى الأقلية السنية في إيران وخوفا من الاضطهاد الديني إذا عاد إلى بلده. وعند وصوله إلى مبنى المحكمة شاهد أربعة رجال من سلطة الهجرة والجمارك الأميركية وكانوا يرتدون دروعا ويتسلحون بمسدسات مثبتة على خصورهم.
قام العملاء الأربعة بمرافقة فراحي عبر نقطة التفتيش في الطابق الأرضي صعودا حتى الطابق الثالث حيث قاعة المحكمة. وحيث أخبروا محاميه بأن لديهم دليلا عن علاقة موكله مع مجموعات إرهابية ودعمه لها.
وقال محامي فراحي إن رجال الجمارك والهجرة أعطوا موكله إنذارا: اسقط ملف دعوى اللجوء وغادر أميركا طوعا أو تتعرض لتهم الإرهاب.
وبدافع الخوف أبلغ فراحي القاضي “هوليداي” بأنه اختار المغادرة طوعا في غضون 30 يوما. ورغم انتهاء صلاحية جواز سفره الإيراني، وهذه مشكلة إدارية كان يجب أن تمنحه المزيد من الوقت للتفكير بالعرض الحكومي، أقدم القاضي هوليداي على منحه أمرا بالمغادرة الطوعية.
أدرك فراحي أن التهديدات بمحاكمته كإرهابي كانت مجرد تهويلات لإجباره على العمل كمخبر. وحتى اليوم لم تكشف الحكومة الفدرالية لفراحي أو محاميه أية معلومات حول “الدليل المزعوم” ولم يجر توجيه أي اتهام.
يقول أستاذ الدراسات الدينية في جامعة باري، البروفيسور سانشاين “إنهم يهولون على الناس ويضايقونهم، وأنا استنكر هذا النوع من السلوك الممول بأموال دافعي الضرائب”.
أما الـ”أف بي آي” فتعبر عن وجهة نظرها في هذه المسألة العملية الخاصة جودي أوريهولدا بالقول: هذه مسألة إجراءات لدينا. لا يمكننا تأكيد أو نفي فيما إذا كنا طلبنا من أي شخص أن يكون مخبرا لدينا.
Leave a Reply