نيويورك، رام الله – تستمر منذ عدة أسابيع معركة تقرير “غولدستون” في أروقة الأمم المتحدة ففيما كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يدافع عن قراره تأييد إرجاء التصويت على تقرير للامم المتحدة حول جرائم الحرب في غزة قائلا انه أراد ان يضمن الحصول على تأييد أكبر للوثيقة، كانت الأمم المتحدة ودول غربية طالبت إسرائيل ببدء تحقيقات “جديرة بالثقة” في الاتهامات الموجهة لها بارتكاب جرائم حرب أثناء عدوانها على قطاع غزة. في حين هددت إسرائيل بعدم استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية إذا أصرت الأخيرة على طرح تقرير القاضي ريتشارد غولدستون.
وتعول اسرائيل على “فيتو” اميركي في حال تصويت مجلس الامن على التقرير. وقالت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا -أثناء اجتماع لمجلس الأمن الدولي ناقش ملف الشرق الأوسط- إنه ينبغي على إسرائيل أن تحقق في الاتهامات التي وردت بـ”تقرير غولدستون” وخلصت إلى أنها ارتكبت جرائم حرب أثناء عدوانها على غزة نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي.
وأبلغ نائب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة أليخاندرو وولف مجلس الأمن أن واشنطن لديها مخاوف خطيرة بشأن التقرير من بينها ما قال إنه “تركيزه غير المتوازن على إسرائيل”، لكنه طالب إسرائيل بأن تتعامل معه بجدية. وقال “إننا نأخذ المزاعم التي وردت في التقرير بجدية. إسرائيل لديها المؤسسات والقدرة على إجراء تحقيقات جادة في هذه المزاعم”.
ودعا السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة جون ساورز إسرائيل إلى بدء تحقيقات ملائمة في الاتهامات التي حددها التقرير، وقال “نحث الحكومة الإسرائيلية على أن تجري تحقيقات كاملة وجديرة بالثقة ومحايدة في الاتهامات”.
وحث السفير الفرنسي جيرار أرو الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على الشروع في “تحقيقات مستقلة تتماشى مع المعايير الدولية”. وحث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من جانبه إسرائيل والفلسطينيين على إجراء تحقيقات داخلية ذات مصداقية ودون تأخير إزاء الطريقة التي تمت بها إدارة النزاع.
ووفقا لمساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية لين باسكو فإن “بان كي مون يرغب بأن تتم مثل هذه التحقيقات في أي مكان من العالم تقوم فيه دلائل ذات مصداقية على وجود انتهاكات لحقوق الإنسان”.
وكان تقرير غولدستون قد اتهم أيضا المقاتلين الفلسطينيين بارتكاب جرائم حرب أثناء العدوان على غزة.
وعلى هامش اجتماعات مجلس الأمن هددت مندوبة إسرائيل لدى الأمم المتحدة غابرييلا شاليف، بأن تل أبيب لن تقبل استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين إذا أصروا على الاستمرار في طرح تقرير القاضي الدولي ريتشارد غولدستون على الطاولة.
وقالت شاليف إنه “طالما أن تقرير غولدستون لا يزال مطروحا وهناك من يقتبس منه ويدعمه في كل مكان حتى داخل دول نعدها صديقة، فإنه لن يكون بمقدورنا إحداث أي تقدم في عملية السلام”. وأضافت “لن نجلس إلى طاولة واحدة لنتحدث إلى جهات أو أشخاص يتهموننا بارتكاب جرائم حرب، فهذا غير مقبول”.
في الأثناء طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نظيره البريطاني غوردون براون بالعمل على منع إحالة تقرير القاضي ريتشارد غولدستون إلى مجلس الأمن الدولي. ونقلت الإذاعة الإسرائيلية في موقعها الإلكتروني عن نتنياهو قوله في اتصال هاتفي مع براون الأربعاء الماضي، إن إحالة التقرير إلى مجلس الأمن “سيحد من القدرات الإسرائيلية على دفع عملية السلام”.
السلطة تبرر
في غضون ذلك قالت السلطة الفلسطينية إنها نجحت في توفير الدعم لمناقشة التقرير في مجلس حقوق الإنسان بجنيف. وذكرت أنها أمنت دعم 18 دولة في مجلس حقوق الإنسان من بينها الدول العربية الست الأعضاء في المجلس إضافة إلى عدد من الدول الصديقة كالصين وباكستان والسنغال.
وبدأ مجلس حقوق الإنسان الخميس الماضي جلسة استثنائية في جنيف لبحث تقرير غولدستون والأوضاع الأخيرة في القدس الشرقية وخاصة المسجد الأقصى، إضافة إلى الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة.
ويدين مشروع القرار الذي تقدمت به كل من باكستان ومصر ونيجيريا والخاص بتقرير غولدستون عدم تعاون إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، مع لجنة غولدستون، ويتبنى بشكل كامل التوصيات الواردة في التقرير مع الطلب من جميع الأطراف المعنية، بما فيها مؤسسات الأمم المتحدة، التأكد من تنفيذها الفوري وفقا لولاية كل منها.
ويطلب مشروع القرار من إسرائيل والفلسطينيين إجراء تحقيقات منفصلة نزيهة حول اتهامات التقرير لهما، ويكلف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتقديم تقرير لمجلس حقوق الإنسان الذي سينعقد في آذار (مارس) العام المقبل فيما إذا نفذ الطرفان هذه التحقيقات أم لا.
يشار إلى أنه لضمان المصادقة على مشروع القرار المتعلق بالتقرير الذي يوفر أرضية لملاحقة إسرائيل بسبب ارتكابها جرائم حرب في قطاع غزة يلزم تصويت 24 دولة على الأقل لصالحه من مجموع الدول الأعضاء الـ147.
وكانت السلطة الفلسطينية قد تعرضت لانتقادات لاذعة قبل أسبوعين لطلبها تأجيل التصويت على مشروع القرار الذي يصادق على التقرير إلى آذار (مارس) المقبل.
ودافع عباس عن قراره في خطاب تلفزيوني للأمة. وأوضح ان هناك دولا كثيرة لم يسمها طلبت تأجيل القرار.
وقال عباس “من موقع المسؤولية ومن موقع الوفاء للامانة التي احملها اقول ان قرار التأجيل قد جاء بناء على توافق مختلف المجموعات في لجنة حقوق الانسان بصرف النظر عن إنكار الكثيرين وبعد دراسة الموقف من جميع جوانبه ولتوفير اكبر عدد من المؤيدين للمشروع مستقبلا وكذلك حتى نحقق الهدف ونحول دون تفريغ مشروع القرار من مضمونه السياسي”.
وقال عباس انه شكل لجنة للتحقيق في تعامل السلطة الفلسطينية مع القضية. واضاف عباس في الخطاب الذي ألقاه في مدينة رام الله بالضفة الغربية “اذا وجدت اللجنة أي خطأ قد وقع بالنسبة للتأجيل فلدينا من الشجاعة لتحمل المسؤولية والقول بأنا قد أخطأنا”.
واتهم الرئيس الفلسطيني الأحد الماضي حركة “حماس” باستغلال ما جرى من تأجيل للتصويت على تقرير ريتشارد غولدستون في مجلس حقوق الانسان للتهرب من توقيع اتفاق المصالحة الذي ترعاه مصر.
Leave a Reply