تحذيرات من اغتيالات على يد قوى إسلامية أصولية تقلق المسؤولين
الأحداث الأمنية تتقدّم على الوضع السياسي المتأزم والفراغ الحكومي
بيروت –
في ظل الأوضاع السياسية المتشنجة والمتأزمة، والفراغ الحكومي الذي يعيشه لبنان، عاد الوضع الأمني ليتصدر الأحداث، مع وقوع إشكال أمني في منطقة عين الرمانة، قتل خلاله جورج أبوماضي، وهو ناشط في “التيار الوطني الحر”، على يد عناصر جاءت من منطقة الضاحية الجنوبية المتاخمة، فكانت ردة الفعل الأولى، ممن أرادوا استغلال الحادث سياسياً وطائفياً، التذكير بخطوط التماس بين المنطقتين، وقد سعى النائب سامي الجميل الى تحريض مواطني عين الرمانة، للنزول الى الشارع والدفاع عن أنفسهم بمواجهة المنطقة الأخرى، لكن محاولته لم تنجح، لأن الحادث له طابع فردي، وأن القتيل كان ماراً في المنطقة حيث يسكن وتدخل لفض الاشتباك الذي استخدمت فيه العصي والسكاكين، على خلفية لعبة “الميسر” في إحدى صالات القمار، فتمّ تطويق ما حصل، لأن حركة “أمل” و”حزب الله”، رفعا الغطاء السياسي عن المشتبه بهم أنهم وراء الحادث والمشاركة في قتل أبو ماضي، حيث بيّنت التحقيقات، أن من قاموا به، هم من الشبان الطائشين والمقامرين وأصحاب السوء، وقد وضعت الجريمة في هذا الإطار ومحاصرة من حاول استغلالها فلم ينجح، وبدأ التصويب على التفاهم الموقّع بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، بأنه لم يتمكن من حماية عنصر من التيار فقُتِل على يد عناصر يؤمّن لها “حزب الله” التغطية.
فرفع الغطاء السياسي، وحصر الحادث في نطاقه الفردي وتدخل الجيش واعتقال جميع الذين شاركوا في الحادث مباشرة، أطفأ نار فتنة كان البعض يريد أن يشعلها ليكسب شارعاً من خلال خطاب طائفي، وقد استطاع “التيار الوطني الحر” امتصاص النقمة ومعالجة ما حصل وترك القضاء يأخذ مجراه، ويعاقب المجرمين.
مرّ “قطوع” حادث عين الرمانة، الذي كاد أن يذكّر اللبنانيين بـ”بوسطة عين الرمانة”، التي كانت الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975، بعد سنوات من الشحن، قام به حزب الكتائب وحلفاؤه من اليمين اللبناني ضد المقاومة الفلسطينية وسلاحها، واستخدامها المخيمات مربعات أمنية، إذ جاء عبور الباص الذي كان ينقل فلسطينيين عائدين من مهرجان، في أحد شوارع عين الرمانة حيث كانت تقام مناسبة لحزب الكتائب، فوقع إشكال مع ركابه تحول الى إطلاق نار وسقط قتلى من الطرفين، تسبب باشتباكات امتدت على طول المناطق المجاورة للمخيمات الفلسطينية في تل الزعتر وجسر الباشا وصبرا مع المناطق المتاخمة لهم.
وكان المقصود من استغلال حادثة مقتل المواطن أبو ماضي، مع التحريض المستمر على سلاح المقاومة، وأن “حزب الله” يقيم دولة ضمن الدولة في المناطق التي يسيطر عليها، وأن الذين افتعلوا الحادثة، قد لا تطالهم يد الدولة، كما في المخيمات الفلسطينية، لكن هذه المحاولات لم تنفع، لأن المقاومة لا علاقة لها بالحادث، واستطاع الجيش ومخابراته من إلقاء القبض السريع على مرتكبي الجريمة واعتقالهم من الضاحية الجنوبية والجنوب، وأسقط من يد من كان يريد تصوير ما حدث، بأنه مستقوٍ بسلاح المقاومة، الذي يستخدم في الداخل ويقتل المواطنين، لكن هذه المحاولة فشلت، كما غيرها لأن المقاومة استخدمت السلاح لطرد الاحتلال الإسرائيلي وفي حالة الدفاع عن وجودها بمواجهة العدو الإسرائيلي وعملائه.
وقد ترددت معلومات، قد تكشفها التحقيقات الأمنية والقضائية، وأشار إليها العماد ميشال عون و”التيار الوطني الحر”، من أن عناصر من “القوات اللبنانية” والكتائب، كانوا في مكان الحادث، وحاولوا استغلاله بالظهور المسلح والميليشياوي، وأن من تسبب به قبل وقوعه بأسبوع بضرب أحد المواطنين من الضاحية الجنوبية، لهم انتماءات قواتية وكتائبية، حيث يتم التحقيق الأمني والقضائي حول كيف حصل الحادث وأسبابه وظروفه، وما إذا كان الشبان الذين أقدموا على قتل أبو ماضي، يترددون دائماً الى المنطقة، ولماذا وقت ضرب أحد الشبان في “نادي القمار”، الذي ذهب الى منطقته في برج البراجنة واستعان بأصدقائه الذين حضروا بدرجاتهم الى عين الرمانة وحصل ما حصل.
مرّ قطوع عين الرمانة، كما غيره من الأحداث التي حصلت في السنوات السابقة، في أكثر من منطقة، ومنها ما جرى في الشياح ومارمخايل أثناء الاحتجاج على انقطاع التيار الكهربائي في كانون الثاني من عام 2008، وقتل عدد من المواطنين برصاص الجيش، الذي طُوّق أيضاً، ولكن كاد أن يعيد إشعال خطوط التماس بين الشياح وعين الرمانة، بعد أن وردت معلومات عن استنفار في صفوف “القوات اللبنانية” والكتائب، وكان القصد من ذلك، استعادة المسيحيين من “التيار الوطني الحر”، الذي نقلهم الى مواقع تؤيد المقاومة ضد “إسرائيل”، وتؤكّد لهم مشرقيتهم وعروبتهم، وتفضح المخططات الأميركية والإسرائيلية ضدهم، لتهجيرهم من الشرق خدمة لمصالح العدو الإسرائيلي.
وقد تزامن ما حصل في عين الرمانة، مع إعادة إطلاق قذائف “انيرغا” على جبل محسن في طرابلس الذي تقطنه أكثرية من الطائفة العلوية، حيث اتهم الأمين العام للحزب العربي الديمقراطي رفعت علي عيد، المخابرات المصرية، أنها تقف وراء من يطلقون القذائف لنسف التقارب السوري – السعودي الذي توّج بقمة الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله، وقد تضاربت المعلومات عن مصدرها، فالبعض تحدث عن أن المكان الذي تطلق منه، هو باب التبانة، وهي المنطقة التي لـ”تيار المستقبل” نفوذ فيها يتقاسمه مع تيارات وحركات إسلامية أصولية، وقد حاول مسؤولون في المستقبل الإيحاء بأن مصدر القذائف هو مخيم الفلسطينيين في البداوي، وأن “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” قد تكون متورطة بذلك، لكنها أصدرت بياناً نفت علاقتها بإطلاق القذائف، وقد ألقت القوى الأمنية القبض على أشخاص قيل أنهم ينتمون الى تنظيمات إسلامية أصولية، لها مراكز في باب التبانة.
وقد سبق للنائب السابق مصطفى علوش وهو أحد قياديي “تيار المستقبل” أن وجّه أصابع الاتهام الى “حزب الله”، أنه يسلّح جماعات في باب التبانة لافتعال صدام سني-سني، أو لتوتير الأجواء مع جبل محسن، وقد نفى الحزب ذلك، واعتبر أن هذه المزاعم ساقطة ولا يعلق عليها.
لكن خطورة ما يحصل على الصعيد الأمني، أن اتهامات سياسية تم توجيهها الى “القوات اللبنانية” من قبل رئيس تيار التوحيد وئام وهاب والنائب السابق حسن يعقوب، عن تدريبات لعناصر من القوات، وتوزيع السلاح، وإنشاء خلايا أمنية، مما دفع بالقوات الى تقديم شكوى أمام القضاء، الذي طلب من الأجهزة الأمنية توفير معلومات له، ليبت بصحة ما يقال.
إن ما يجري من عمليات تسليح وتدريب، وفق ما تتناقله المواقف لقيادات سياسية وأمنية ترافق مع تحذير السفير ومدير المخابرات السابق في الجيش اللبناني جوني عبده، من احتمال حصول هزات أمنية، جرى التوقف عنده، وهو الخبير والمطّلع على التقارير الأمنية، لأن ثمة قلق من حصول عمليات اغتيال أو تفجير، ولقد كشفت الأجهزة الأمنية محاولات لاغتيال شخصيات، ومنها نجل رئيس حزب الكتائب سامي الجميل الذي تلقى تحذيرات من مخابرات الجيش بأن يتخذ الاحتياطات المناسبة، لتجنب وقوعه في أيدي المجرمين، إذ كشف الجميل نفسه عن ما قد يتعرض له على يد مجموعة إسلامية أصولية، حيث قتل شقيقه بيار على يد عناصر ذكرت التقارير أنها من “فتح الإسلام”، وهو التنظيم الذي فجّر باصي عين علق قرب بكفيا، في شباط 2007.
والاغتيال كاد أن يصيب مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، حيث وردت معلومات لمخابرات الجيش أن مجموعة إسلامية أصولية، ستقوم بتفجير المسجد الذي سيؤمه صبيحة عيد الفطر مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، لكن الإجراءات الأمنية التي اتخذها الجيش أفشلت هذه المحاولة.
ولم يستبعد اسم العماد ميشال عون من الاغتيال، إذ وردت معلومات عن محاولة قد تجري ضده، حيث أخذ احتياطات أمنية، وقلّل من تنقلاته، ومثله فعل رئيس “تيار المردة” الوزير سليمان فرنجية، بالرغم من بعض حالات الإنفراج السياسي، إلاّ أن الساحة اللبنانية مكشوفة ومفتوحة لاستخبارات خارجية تسعى الى تصفية حسابها فيها، حيث القلق من حصول حدث أمني كبير يرافق المسؤولين والقيادات السياسية والأمنية، وأن المخططين يسعون الى عمل مشابه للتفجير الذي أصاب موكب الرئيس رفيق الحريري وقتله، والذي أحدث زلزالاً سياسياً وأمنياً كبيراً كانت له تداعيات لبنانية وعربية، وأن المنتظر هو وقوع عمل أمني كبير، يشعل فتنة طائفية أو مذهبية.
وأن المجموعات الإسلامية الأصولية، التي توغلت في لبنان، هي الأكثر تحركاً وتنفذ أعمالاً أمنية، سواء في استهداف الجيش اللبناني الذي تعتبره الخصم الأول، وخاضت ضده معارك في نهر البارد، أو “القوات الدولية” التي تعتبرها قوات احتلال صليبية، أو المرتدين من المسلمين والكفرة من المسيحيين، ويجب تطهير الأرض منهم وإقامة “إمارة إسلامية”، حيث التركيز على منطقة الشمال أولاً ذات الكثافة السنية، ثم منطقة البقاع الغربي، حيث الانتشار الإسلامي الأصولي يمتد من مجدل عنجر الى برالياس غرباً وحتى مدوخة جنوباً، وأن منطقة مجدل عنجر فيها وجود إسلامي أصولي تصدّر مقاتلين الى العراق، وبعض من سكانها تدرّب في أفغانستان، كما أن في أكثر من منطقة بقاعية، وجود لعناصر لها ارتباطات مع قوى إسلامية متطرفة، وأن زياد الجراح أحد الذين قضوا في أحداث 11 أيلول 2001، في تفجيرات نيويورك، هو من أبناء المنطقة وينتمي الى تنظيم القاعدة.
فالأحداث الأمنية المتنقلة في أكثر من منطقة، والتي تنجح الاتصالات والإجراءات الأمنية في تطويقها، إلاّ أنها مؤشر سلبي على أن لبنان يعيش في حالة اللاستقرار، بسبب الأوضاع السياسية المتشنجة، وتأثره بصراعات المنطقة التي تشهد احتراباً مذهبياً في عدد من الدول، وأن ما يجري في العراق بعد احتلال القوات الأميركية له، من صراع يتخذ في كثير من الأحيان الطابع المذهبي، بات ينعكس على لبنان كما على دول أخرى، إذ هناك من الأنظمة من يعمل لنقل الصراع مع إسرائيل الى داخل الدول العربية، لضرب المقاومة، والى تصوير الصراع على أنه مذهبي، وهذا ما بدأ العمل له منذ اغتيال الرئيس الحريري، ليدخل لبنان الصراع المذهبي دون أن يعرفه سابقاً.
Leave a Reply