صنعاء – في الوقت الذي كان يشارك فيه الآلاف بساحة ردفان في محافظة لحج بجنوب اليمن في مسيرة دعا إليها ما يعرف بالحراك الجنوبي الأسبوع الماضي، وبينما دعا علي سالم البيض نائب الرئيس اليمني السابق إلى ما وصفه باستقلال الجنوب، تعهد الرئيس علي عبد الله صالح بإقامة حكم محلي كامل الصلاحيات هناك، في ما يشبه نوع من التساهل من صنعاء جنوبا فيما كان خطاب الرئيس مشحونا شمالا ضد المتمردين الحوثيين.
وقال البيض مخاطبا المسيرة التي خرجت للاحتفال بالذكرى الـ46 لثورة “14 أكتوبر” التي أنهت الاستعمار البريطاني لليمن الجنوبي سابقا، عبر الهاتف من ألمانيا “إننا لن نتراجع عن هدف تحقيق استقلالنا الثاني مهما كلف ذلك من تضحيات ومهما طال الوقت”. وأضاف نائب الرئيس السابق “جاءنا الاحتلال البريطاني من وراء البحار، أما الاحتلال الحالي فقد كان نتيجة لانقلاب نظام صنعاء على مشروع الشراكة الوحدوية”، في إشارة إلى حرب صيف عام 1994.
وطالب المشاركون في مسيرة لحج المجتمع الدولي بتبني ما وصفوه بقضية الجنوب ورفعوا أعلام الشطر الجنوبي السابق ولافتات تعارض السلطات. ورغم الانتشار الأمني الكثيف على مداخل محافظة لحج فإنه لم يحدث إطلاق نيران ولم تحدث صدامات بين المواطنين وقوات الأمن.
ومن أبرز مطالب الحراك الجنوبي فك ارتباط المحافظات التي كانت تشكل الشطر الجنوبي من اليمن بنظام صنعاء، بالإضافة إلى إلغاء ما يسميه الإجراءات الأمنية الاستثنائية والإفراج عن المعتقلين وإطلاق الصحف الموقوفة.
وفي نفس السياق تعهد الرئيس اليمني بإجراء تعديلات دستورية تضمن إقامة حكم محلي كامل الصلاحيات في جنوب البلاد.
وقال صالح في خطاب بمناسبة ذكرى ثورة أكتوبر “توجهنا نحو حكم محلي واسع الصلاحيات، لا مركزية على الإطلاق إلا فيما هو سيادي”. وأضاف “نحن قادمون على إجراء تعديل دستوري وعلى كل المواطنين أن يتحملوا مسؤولياتهم نحو بناء الوطن وأمنه واستقراره”.
وفيما يتعلق بالحرب في صعدة قال الرئيس اليمني في نفس الخطاب إن ميزانية الدولة تتكبد ملايين الدولارات لشراء أسلحة ولإغاثة النازحين، مؤكدا أن قوات الجيش تحقق ما وصفه بالانتصارات على جماعة الحوثيين وأنها ستحقق النصر عن قريب.
ورفض صالح مزاعم الحوثيين بأنهم “يدافعون عن أنفسهم وأن الحرب مفروضة عليهم”، قائلا “بل العكس فرضت الحرب على الدولة حيث هاجموا المديريات (…) واعتدوا على النقاط وقطعوا الطرق وقتلوا الشيوخ وشردوا النساء بمحافظة صعدة”.
وتشهد محافظتا صعدة وعمران في شمال اليمن مواجهات تعد أعنف مواجهة بين الجيش وعناصر الحوثيين منذ 11 آب (أغسطس) الماضي أسفرت عن مصرع وجرح واعتقال الآلاف. واندلعت شرارة الحرب الأولى بين القوات الحكومية والحوثيين في منتصف حزيران (يونيو) عام 2004 وأعقبتها خمس مواجهات أدت إلى مقتل وجرح الآلاف وتشريد نحو 150 ألف نازح حسب إحصاءات المنظمات الإنسانية.
وبالحديث عن منح الجنوب حكما محلياً، يكون صالح قد خفف من لهجته تجاه الإنفصاليين في الجنوب بعد وصفه مطلع الأسبوع دعاة الانفصال بالمرتدين والشرذمة الهزيلة، وقال إن الجنوب ليس ملكا للماركسيين ولا الشمال ملك للحوثيين.
وفي خطاب له أمام مؤتمر المغتربين وصف الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ما يسمّى بالحراك في الجنوب بأنه ادّعاء لعناصر ارتدت عن الوحدة وأشعلت حرباً طاحنةً. وقال إنهم اليوم مرة أخرى يعلنون ما يسمى بالحراك، ووصف مَن يرتد عن وحدته بمن يرتد عن عقيدته الإسلامية.
إلا ان صالح لم يخفف لهجته شمالا رغم ترحيب الأمانة العامة للحوار الوطني التابعة لتكتل اللقاء المشترك المعارض في اليمن بإعلان عبد الملك الحوثي قائد المتمردين في محافظة صعدة استعداده للحوار الذي دعت إليه واعتبرته مدخلا لمنع التدخلات الخارجية.
ويواجه صالح تحديين لحكمه من المتمردين الحوثيين وينتمون للطائفة الزيدية الشيعية في الشمال ويخوضون تمردا ضد السلطة المركزية منذ عام 2004 والجنوبيين من اليمن الجنوبية سابقا.
ويشتكي كلاهما من أن الحكومة المدعومة من السعودية والغرب تهمشه سياسيا واقتصاديا كما يقول الزيديون انهم يتعرضون للاضطهاد من قبل متشددين اسلاميين سنة اكتسبوا نفوذا من خلال علاقات صالح الوثيقة بالسعودية التي هي قوة سنية.
واحتدم الصراع في الشمال منذ بدأ الجيش عملية (الارض المحروقة) في 11 اب (أغسطس). وتقول جماعات الاغاثة التي منحت دخول محدود للمحافظات الشمالية ان ما يصل الى 150 الف شخص فروا من منازلهم. وتخشى الولايات المتحدة والسعودية اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم من أن يوفر انعدام الاستقرار لتنظيم القاعدة قاعدة جديدة للعمليات. وتقول السعودية ان عددا من المتشددين المطلوب القاء القبض عليهم فروا الى اليمن.
ممرات إنسانية في الشمال
وفي السياق، اكد المتمردون الحوثيون استعدادهم لفتح ممرات انسانية لاغاثة النازحين في شمال اليمن استجابة لنداء في هذا الصدد وجهته الامم المتحدة، وذلك في بيان نشر على موقع قريب من المتمردين الاربعاء الماضي. وقال البيان الذي يحمل توقيع المكتب الاعلامي لقائد التمرد عبدالملك الحوثي “نحن على استعداد لفتح ممرات وطرق آمنه تصل الى جميع المخيمات والمناطق المنكوبة وباشراف الامم المتحدة مباشرة، مع ضمان الا تستخدمها السلطة لتعزيزات عسكرية”.
وذكر البيان ان هذا القرار يأتي “تجاوبا مع جهود الامم المتحدة ومع النداء الاخير الذي وجهه وكيل الامين العام للشؤون الانسانية جون هولمز”.
وكان مسؤول الشؤون الانسانية في الامم المتحدة جون هولمز دعا الاحد الماضي اطراف القتال في شمال اليمن الى حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات اليهم، مشيرا الى ان الالاف لا يزالون عرضة للعنف في مناطق الحرب.
وحض هولمز في مؤتمر صحافي في ختام زيارة لليمن استمرت ثلاثة “كل اطراف القتال الى حماية المدنيين بما يتماشى مع القانون الدولي الانساني والسماح لنا بالوصول الى اولئك الذين يحتاجون الى مساعدة بسرعة ومن دون عوائق والسماح للمدنيين بالخروج من المناطق غير الآمنة”. وكانت السلطات اليمنية اعلنت انها ستفتح ممرات انسانية غداة النداء الذي وجهه هولمز وانما اتهمت المتمردين بعرقلة هذه المبادرة.
Leave a Reply