اشرب صحة.. اشرب بيرة.. كيلو البطاطا بليرة
وكيلو الرز بليرة ونص.. وأربع بيضات بليرة
يعني كل رجّال بنص، وأربع بيضات بليرة!!
بمناسبة ما يشغل الناس بأخبار الغلاء المتصاعد، سواء هنا في “اليونايتد ستايت أوف أميركا”، أو هناك في الوطن الحبيب لبنان، خطرت على بالي هذه الأغنية لفرقة “الساعة العاشرة” التي أطلقتها في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، عندما بدأ هبوط الليرة اللبنانية وبدأ ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.
المعروف أنه بعد الحرب العالمية الأولى، زاد الغلاء العظيم على الرعايا في لبنان بسبب الظلم والنهب الذي مارسته العساكر العثمانية، ثم مجيء القحط الذي زاد في الطين بلة، حتى بلغ سعر “مد القمح” قرشين.. وللعزيز القارئ الذي لا يعرف ما هو المُد، أقول.. إنه يساوي رطلين ونصف الرطل.
لقد كان عظيما ما حصل في السنوات الأولى من القرن الماضي، فقد كنت أسمع أبي وهو يحدثني عن أيام طفولته و”العزارة” والضيق الذي كان يعم البلاد من أولها إلى آخرها، بسبب الغلاء الفاحش حتى بات رطل الخبز بنصف قرش، وقفة الرز بعشرة قروش بعد أن كانت بقرشين وثمن كيس الملح خمسة قروش ورطل الزيت بقرش ونصف والدجاجة بقرش ونصف، وكانت كل أربعين بيضة بقرش.. يعني كان الجمل بقرش.. بس وين القرش؟!
الليرة اللبنانية التي طالما احتقرتها بعض الأيادي، حسب مثاليات تربت ونشأت عليها وعاشتها حتى دارت الليرة على اللبنانيين جميعا. تلك الليرة التي كان يدل وجودها في يد أحدهم على أنه إنسان صالح ومناضل وطني وحكيم من فئة أفلاطون ويحوله غيابها عن نفس الشخص إلى مسطول ومهبول ولو كان من مرتبة سقراط.
تلك الليرة التي هي نصفا ليرة وأربعة أرباع وعشرين فرنكا ومئة قرش ومائتا نصف قرش، تلك الليرة بكل فروعها وأجزائها ومشتقاتها ومعادلاتها وأسمائها ماذا تساوي هذه الأيام؟ أتتألف تلك الليرة من ألف جزء وجزء وتحمل ألف اسم واسم وفي النتيجة لا تشتري شيئا ولا تساوي شيئا على الإطلاق.
هي الليرة نفسها التي استغلها الكثير من الوجهاء الشاطرين في استغلال كل الظروف وفي الإثراء على حساب شعب جوعان ووطن خربان كما يحدث الآن.
وهل تكون تلك الليرة مثلي أنا ومثلك أنت، ثم تسأل حالك من أنت؟ أنت الذي أذلّه النواب الأخيار وبهدله الوزراء الشطار وشرشحه التجار الفجار، وهزأه الجارة والجار، وأكله الدولار وغدا كالضائع المحتار. أنت المواطن العزيز الذي يُعمل من أجله المشاريع وتنعقد لأجله الاجتماعات كل صباح كل صباح ومساء حول غداء أو عشاء وتوضع من أجله المشاريع وتدرس المواضيع. أنت من يريد سعادته ووحدته وأمنه وعزته كل الأصدقاء والأشقاء وكل الأعداء من أهل الشرق والغرب على السواء. نعم.. “إنت إنت.. ولا أنتش داري”. أنت مثل الليرة اللبنانية، بعد كل هذه الكثرة والاتساع انظر إلى حالك وابكِ على اليوم الذي ولدت فيه لأنك في النتيجة كما أنت شايف لاشيء على الإطلاق. بند صغير من بنود الاحتكار أو فاتورة التجار أو سماسرة الدولار أو رصاصة صغيرة في بندقية “بودي غارد” الزعيم الذي يستطيع سحقك كما تسحق النملة على الطريق.
لبنان وأنت وأنا والليرة، كنا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين أكثر قيمة وأرفع شأنا ألف مرة مما عليه الآن!
الآن.. كم يساوي “الرجّال” إذا كانت دزينة البيض بدولار؟؟
Leave a Reply