“القاعدة” تتبنى والمالكي يتهم “البعث”
بغداد – وضعت تفجيرات بغداد الدامية الاحد الماضي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في موقف حساس وعرضة للانتقادات، خصوصا من جانب حلفائه السابقين الذي قرر مواجهتهم وخوض الانتخابات التشريعية المقبلة بائتلاف منفصل. في حين تبنت ما تعرف بدولة العراق الإسلامية المرتبطة بتنظيم “القاعدة” التفجيرات التي ضربت ثلاثة مبان حكومية وأودت بحياة 155 شخصا على الأقل وأصابت أكثر من 500 آخرين، في وقت شددت فيه السلطات العراقية الأمن في مختلف مناطق بغداد تحسبا لوقوع هجمات أخرى. وفي السياق اعلن مسؤول عراقي رفيع المستوى توقيف ستين من عناصر الأمن العراقي بينهم أحد عشر ضابطاً على خلفية التفجيرات.
“القاعدة” تتبنى
وقالت دولة العراق الإسلامية في بيان على الإنترنت إن رجلين ينتميان لها فجرا نفسيهما فيما سمتها وزارة الظلم والجور المعروفة بوزارة العدل ومبنى مجلس محافظة بغداد، مشيرة إلى أن ما وصفتهم بالأعداء لا يعرفون غير لغة القوة. وكانت السلطات العراقية قالت في وقت سابق إن شاحنتين صغيرتين يقودهما انتحاريان استخدمتا في تفجيري يوم الأحد، وقررت فرض حظر على مرور الشاحنات في وسط العاصمة بغداد.
وتسبب الانفجاران بدمار ثلاثة مبان حكومية لا تبعد بعضها عن بعض سوى بضع مئات من الأمتار، حيث استهدف الانفجار الأول وزارة العدل ووزارة البلديات والأشغال العامة، في حين استهدف الانفجار الثاني إدارة محافظة بغداد.
ومن بين قتلى الانفجار الأول نحو 24 طفلا كانوا يغادرون حضانة مجاورة لوزارة العدل في حافلة، كما جرح ستة آخرون، بينما دمرت الحضانة، وذلك حسب مصادر في الشرطة والمستشفى تحدثت شريطة عدم الإفصاح عن أسمائها.
وبينما شيع العشرات جثث الضحايا لا تزال فرق الإنقاذ تواصل عملية البحث بين الأنقاض عن مزيد من الجثث، ويواصل رجال الإطفاء إزالة الجدران الإسمنتية التي تحيط بوزارة العدل لتسهيل إخراج الأنقاض التي سدت الطريق أمام حركة المرور.
وقد اتهم محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق قوات الأمن بالإهمال والصراع فيما بينها مما تسبب بوقوع الهجومين الداميين. وأشار المحافظ إلى وجود شريط فيديو يظهر أن الشاحنة التي استهدفت وزارة العدل كانت محملة بطنين من المتفجرات ومطبوع على جانبها شعار دائرة مياه مدينة الفلوجة، وتساءل “كيف وصلت من الفلوجة إلى هنا؟”.
وقال المتحدث الرسمي باسم قيادة عمليات بغداد اللواء قاسم عطا ان لجنة التحقيق “في العملية الارهابية التي استهدفت المواطنين الابرياء.. قررت توقيف 11 ضابطاً برتب مختلفة، و50 منتسباً من القوة المكلفة بحماية المنطقة واحالتهم الى التحقيق”.
واوضح عطا ان “اللجنة امرت بتوقيف كل من مدير شرطة الصالحية، وآمر مركز شرطة الصالحية، وآمر مركز شرطة الجعيفر، وآمر قاطع شرطة المثنى، وآمر نجدة الكرخ، وضابط استخبارات نجدة الكرخ”.
وكذلك “امرت بتوقيف اربعة ضباط رفيعي المستوى من اللواء 22 التابعة للفرقة السادسة للجيش العراقي، اضافة الى مسؤول المرابطات في منطقة الصالحية”.
وفي بيان منفصل آخر، قررت قيادة عمليات بغداد “توقيف ومساءلة آمري القواطع والسيطرات والمرابطات التي تحدث فيها خروقات امنية مستقبلاً”.
مناوشات سياسية
واتهم المالكي الذي يفاخر بانه اعاد الأمن الى العراق بعد سنوات من الفوضى مجددا دول الجوار بالسماح لاعداء النظام العراقي بالاعداد للهجمات. ويعتبر خصومه ان من السهولة بمكان القاء اللوم على دول الجوار للتملص من المسؤولية.
وجاءت الانتقادات من اثنين من أقوى الأحزاب الشيعية في العراق، هما المجلس الإسلامي الأعلى في العراق والتيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين مقتدى الصدر، وكلاهما ضمن الائتلاف العراقي التي تشكل اخيرا من دون حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي.
وقال النائب جلال الدين الصغير القيادي في المجلس الاعلى الاسلامي ان “اللجوء الى اتهام جهات خارجية بالتفجيرات هو الشماعة لاجل التملص من المسؤولية والتغطية على المقصر الحقيقي”. واضاف ان “عمليات بغداد هي الجهة المسؤولة عن امن بغداد ولا شك في انها تتحمل هذه الخروقات، مثلما ان الوزراء الامنيين يتحملون الجزء الاكبر من هذه المسؤولية ولا ريب في محاسبتهم على القصور في الاداء”.
ودعا الائتلاف الوطني العراقي مجلس النواب الى “مناقشة المالكي لشرح اسباب التدهور الامني” وكذلك استدعاء قيادة عمليات بغداد. ويشرف المالكي مباشرة على قيادة القوات المسلحة. واتهم المالكي حزب “البعث” وتنظيمات القاعدة المتحالفة معه بارتكاب التفجيرات التي استهدفت وسط بغداد الاحد الماضي.
لكن نائبة من التيار الصدري اتهمت المالكي بان مكتبه يضم بعثيين سابقين شملهم قرار اجتثاث البعث في حين يحملهم مسؤولية التفجيرات الاخيرة.
وقالت النائبة غفران الساعدي في لقاء مع قناة “البغدادية” الفضائية، ان “مكتب القائد العام للقوات المسلحة (نوري المالكي) يضم بعثيين مشمولين بقانون اجتثاث البعث، لكنه (المالكي) لم يتخلص منهم”، الامر الذي نفاه مكتبه في بيان.
وكان الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق بول بريمر اصدر العام 2003 قانون اجتثاث البعث وابعاد البعثيين من المناصب العليا في الدولة.
واثارت التفجيرات التي استهدفت وزارتي العدل والاشغال والبلديات ومجلس محافظة بغداد موجة من الاستياء، ووجه مسؤولون عراقيون اللوم الى قوات الامن العراقية.
لكن النائب سامي العسكري عضو البرلمان والقريب من المالكي، قال “اننا نتحرك باتجاه انتخابات ومن الطبيعي ان يبحث خصوم المالكي السياسيون عن شيء لتحميل الحكومة اللوم، حتى عندما كانت القوات الاميركية داخل المدن لم يكن باستطاعتها وقف تفجيرات السيارات المفخخة”.
وقبل هذه التفجيرات، تعرض المالكي لموجة من الاتهامات كان اخرها خبر ذكره موقع “براثا” القريب من المجلس الاعلى الاسلامي، مفاده ان سفير العراق في واشنطن سمير الصميدعي تلقى صفعة من احد افراد حماية المالكي خلال محاولته دخول مكتب نائب الرئيس الاميركي جو بايدن.
وعبر مكتب رئيس الوزراء عن اسفه للمعلومات “الكاذبة والملفقة”. واكد ان “الخبر الذي نشره موقع “براثا” هو خبر كاذب ينطوي على اساءة متعمدة تعبر عن نوايا غير سليمة”. وسبق قضية صفع حارس المالكي لسفير العراق في واشنطن بايام، حادث تبناه ايضا موقع “براثا” ويتصل بالاعتداء على الاعلامية زهراء الموسوي التي تعمل في فضائية العراقية. وتعرضت الموسوي للضرب من قبل اربعة اشخاص يستقلون سيارة حكومية رسمية في منطقة العرصات في بغداد.
واتهم عدد من الكتاب الذين ينشرون مقالاتهم على موقع براثا القريب من المجلس الاعلى نجل المالكي احمد بانه وراء الحادث، لكن الموسوي نفت تورط نجل المالكي في الاعتداء.
وحقق المالكي في انتخابات مجالس المحافظات في مطلع العام الحالي فوزا لافتا الامر الذي اثار مخاوف خصومه من حزب “الدعوة”.
وفي هذا الاطار، قال علي الموسوي المستشار الاعلامي للمالكي ان “الاستراتيجية التي يتبناها الخصوم لا تعمل على ابراز الايجابيات في برنامجهم الانتخابي، انما تتبنى برامج محاولة الحاق الضرر بالاخر”.
واوضح ان “هذه الكتل بدل ان تركز على برامجها الانتخابية، تعمل على الصاق التهم، وذلك دليل على افلاسها وعدم قدرتها على اقناع الناخب”.
وقال الموسوي ان “الحملات الاخيرة كانت متوقعة، لكن من غير المتوقع ان تكون تحمل طابعا غير اخلاقي”. واضاف “الشيء المهم هو اننا لسنا قلقين من هذه الحملات، لان الناس اصبحوا على علم بما يقوم به المالكي وبما يقوم به الخصوم”.
وتابع “اصبح جليا لدى الاخرين ان الخصوم يثيرون مشاكل (…) واصبح لدى الناس علم بانهم يعملون على عرقلة المشاريع والخدمات”، مؤكدا ان “عملية التنافس مشروعة لكن تلفيق التهم والاكاذيب غير مشروع”.
واكد الموسوي ان “المالكي تسلم الحكومة في الوقت الذي لم يكن هناك منطقة واحدة امنة في البلد، وحتى بغداد كانت محاصرة، وما تحقق في اطار الامن اليوم شيء يفتخر به”. وتوقع ان تزداد الحملات بشدة مع اقتراب الانتخابات، لكنه امل ان يكون المتنافسون “اكثر التزاما وتحليا بالاخلاق”.
في المقابل، اعتبر النائب بهاء الاعرجي من التيار الصدري ان المالكي هو من بدأ بحملة الاتهامات.
وقال ان “المالكي كان يتهم جهات سياسية بتعطيل المشاريع من دون ان يسميها خلال اجتماعاته مع شيوخ العشائر”. واضاف “كذلك، اتهم التيار الصدري بانه يطالب باطلاق بعض المجرمين، لكننا طلبنا اطلاق سراح الابرياء منهم”. وتابع ان رئيس الوزراء “اتهم مجلس النواب بعدم القدرة والكفاءة، وغالبية النواب من الائتلاف الوطني الحاكم الذي لا يزال ينتمي اليه. كما اتهم المجلس بعرقلة الميزانية التكميلية، في وقت وصلتنا تحذيرات من البنك الدولي من انه في حالة تمرير الميزانية فسوف يكف البنك الدولي عن دعم العراق”.
Leave a Reply