الحملة على المقاومة وسلاحها تعيد اللبنانيين إلى مرحلة السبعينات
بيروت –
بعد صدور نتائج الانتخابات النيابية في 7 حزيران الماضي، وفوز قوى “14 آذار” بأكثرية مجلس النواب بحصولها على 71 مقعداً من أصل 128، أعلن النائب سعد الحريري رئيس أكبر تكتّل نيابي (لبنان أولاً)، داخل الأكثرية، أن سلاح المقاومة خارج التداول، ومتروك للحوار، وأن التعاطي معه سيكون على قاعدة دعمه لقوة لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي، وكان في ذلك يمهّد الطريق لحكومة وحدة وطنية، ومدّ يده للأقلية النيابية للتعاون.
وقبل الحريري، كان النائب وليد جنبلاط، قد سلك طريقاً مغايراً لحلفائه في “14 آذار”، وأعلن خروجه عن تحالفه السياسي معهم، وأبقى على حلفه مع الحريري لضمان بقائه في رئاسة الحكومة، وتأمين الأكثرية النيابية له، حيث بدأ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي انفتاحه على المعارضة وتحديداً “حزب الله”، وتأييده للمقاومة، واستعادة خطابه العروبي في الصراع ضد إسرائيل، والتذكير بفلسطين على أنها قضية العرب المركزية، واعتبار سوريا العمق القومي للبنان.
هذا الموقف الجنبلاطي الإيجابي من المقاومة وسلاحها، الذي هو ضرورة للبنان، لم يكن هو نفسه لدى الفريق المسيحي في “14 آذار”، الذي رفع شعارات تحريضية ضد المقاومة، وعاد لاستدراج سلاح المقاومة الى الداخل، وزجّه في مسائل هو بعيد عنها، بأن ربط عرقلة تشكيل الحكومة بوجوده، وأنه يُستخدم كأداة ضغط لفرض حكومة تشارك فيها الأقلية النيابية، ومنع الأكثرية من أن تحكم، وقد عبّر بصراحة عن هذا الموقف، البطريرك الماروني نصر الله صفير الذي انقلب على مواقف سابقة له، بتأييده المقاومة، وإشادته بتضحياتها في سبيل تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، بوصفها أنها لا تعمل للبنان بل لإيران، وأن سلاحها يتناقض والديمقراطية، في إشارة واضحة الى أنه يعطل تشكيل الحكومة، ولولا وجوده، لكانت الأكثرية شكّلت الحكومة دون الالتفات الى التمثيل الشيعي فيها، ما إذا كان يمثّل الحالة الشعبية أم لا.
فالبطريرك صفير، حاول في موقفه، والذي يقول أنه يكرره دائماً، الدفع باتجاه تشكيل حكومة من الأكثرية والذي يتلاقى مع موقف الإدارة الأميركية وسفيرتها ميشال ساسون دون التطلّع الى وجود الأقلية فيها، لأنه لا يمكن أن يشارك في حكومة واحدة طرفان، واحد يجرّها الى الأمام والثاني الى الوراء، وقد شبّهها بعربة يجرها حصانان كل واحد منهما باتجاه.
لكن التركيز على سلاح المقاومة من قبل البطريرك الماروني، كان لافتاً بتزامنه مع صدور تقرير تيري رود لارسن المكلّف من الأمم المتحدة بمراقبة تنفيذ القرار 1559 الصادر في أيلول 2004والذي حمل على المقاومة ووجودها وسلاحها، وقد نفذ في مجمله، لا سيما منه انسحاب القوات السورية من لبنان والذي حصل في 26 نيسان 2005، وبقي موضوع سلاح “حزب الله”، الذي اتفق اللبنانيون أن يكون على طاولة الحوار، ويناقش من ضمن استراتيجية دفاعية، لكن الضغط الأميركي على حلفاء واشنطن في لبنان، كان يرفض هذا التوجه، وأن يتم سحب السلاح فوراً، وقد أعطيت حكومة فؤاد السنيورة الأولى، فترة سماح امتدت الى عام، ولما لم تقم بمهمة نزع سلاح المقاومة بالحوار، وقد رفضت الإدارة الأميركية برئاسة جورج بوش تشريعه عبر البيان الوزاري، ووجهت لوماً الى السنيورة، الذي عاتبته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس، على تأخره في بسط سلطة الدولة، ووجود سلاح غير السلاح الشرعي، فشكرها السنيورة على صبرها عليه، وتمنى عليها إعطاءه بعض الوقت، لأن طاولة الحوار تناقش الموضوع، وتمّ التوصل الى معالجة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، لكن الصبر الأميركي نفذ، وكان القرار بالحرب الإسرائيلية التي شنت على لبنان صيف 2006، واستمرت 33 يوماً بإشراف مباشر من رايس التي تحدثت عن ولادة “الشرق الأوسط الجديد”، بعد الحرب إذ سيتم القضاء على المقاومة، ومعها ستخسر الدول الداعمة لها من سوريا الى إيران ورقة قوية، لكن حساباتها لم تكن دقيقة، وانهزم الجيش الإسرائيلي أمام المقاومة، وتدحرجت رؤوس في الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية، كما تراجع المشروع الأميركي للمنطقة وتلاشى مع خسارة الحزب الجمهوري للانتخابات الأميركية التشريعية والرئاسية، وفوز الحزب الديمقراطي الذي قدّم رئيساً، لم تعرف الولايات المتحدة مثيلاً له، هو باراك أوباما، الذي طرح التغيير.
فعندما لم تنجح أميركا في دفع إسرائيل لربح الحرب العسكرية، ضغطت من جديد باتجاه نزع سلاح المقاومة بالتدريج، بإزالة شبكة اتصالاتها، ولعب جنبلاط دوراً متقدماً في هذا الموضوع، وضغط على الحكومة ورئيسها السنيورة لاتخاذ قرار يمنع وجود شبكة اتصالات غير شرعية، وقد تسبّب هذا القرار، بأن دافعت المقاومة عن سلاح الإشارة فيها، وتمكّنت خلال ساعات وعبر عملية عسكرية موضعية في بيروت، من أن تلغي القرار ومعه، حصل التحوّل الداخلي لجهة الاقتناع أن المس بالمقاومة وسلاحها، يعني حرباً داخلية، لن يفوز فيها من يحرض عليها، وهذا ما دفع برئيس “اللقاء الديمقراطي” الى إجراء عملية نقد ذاتي وتراجعه عن رهانه على المشروع الأميركي، وعن خياره في إسقاط النظام في سوريا، وعزز قناعته بأن المقاومة التي انتصرت في حرب تموز وهو اعترف بذلك، كما اعترفت إسرائيل، لا يمكن أن تهزم في الداخل اللبناني، وأن توريطها في حرب أهلية، ستكون مكلفة للجميع، كما رأى أن لا مصلحة له سياسياً، ولا منفعة لطائفته الدرزية، أن تكون رأس حربة بمواجهة المقاومة، فانكفأ عن خياراته السياسية وتصالح مع المقاومة، وتموضع الى جانبها.
ما فعله جنبلاط، حاول أن يعممه على حلفائه في “14 آذار”، وتحديداً “تيار المستقبل”، واستطاع أن ينتزع من الحريري موقفاً بأن المقاومة وسلاحها خارج التداول، وهو الأمر الذي أزعج الصقور من فريقه، الذين حاولوا الخروج عن النهج الجديد لرئيسهم، وقد تفلّت البعض منهم، إلاّ أنهم لم يكن لهم التأثير، حيث بقي هؤلاء يرددون أن سلاح “حزب الله” هو وراء تعطيل تأليف الحكومة، كما أن بعضهم سعى الى الاستمرار في مواقفه المذهبية، والى التذكير بما حدث في 7 أيار، وقد حاولوا الاستفادة مما حصل في عائشة بكار من حادث أمني بعد الانتخابات، كما سعوا الى استغلال حادث عين الرمانة الفردي، إضافة الى حوادث أمنية متفرقة محصورة، كما عملوا على إشعال فتنة جديدة بين باب التبانة وجبل محسن في طرابلس، والتلميح الى أن “حزب الله” يقف وراء تسليح مجموعات في المنطقتين.
كل هذه التطورات كان لها هدف واحد، هو الوصول الى المقاومة وسلاحها، واستدراجها الى الداخل، وتحويلها الى ميليشيا، وإعطاء ذريعة للآخرين بالتسلح، وهو ما أعلنه صراحة البطريرك صفير، عندما تحدّث عن أن السلاح بيد “حزب الله” يدفع قوى أخرى الى التسلح، وهو بذلك وكأنه يغطي ما تردد من معلومات على لسان أكثر من مرجع سياسي، ومصدر حزبي عن تدريبات تقوم بها “القوات اللبنانية” وتخزن السلاح، وقد حاولت نفي هذه المعلومات المتداولة، وتقدمت بشكاوى أمام القضاء حيث رد من تحدث عن تسلح القوات، بأن الأجهزة الأمنية لديها كل التفاصيل.
فالحملة على المقاومة وسلاحها، تصاعد عشية تشكيل الحكومة، التي تراجعت العقد حول تشكيلها وباتت محصورة في مقعدين وزاريين، “للتيار الوطني الحر”، حيث تم التسليم بتوزير جبران باسيل، وبأن تكون حقيبة الاتصالات من حصة التيار مع حقيبة أخرى أساسية، وهو ما يؤشر الى أن الحكومة ستبصر النور، لكنها ستواجه بعقبة البيان الوزاري بعد تشكيلها وسيكون موضوع المقاومة أساسي فيها، إذ رفض كل من حزبي “الكتائب” و”القوات اللبنانية” إعطاء شرعية لسلاحها، لا بل تضمين البيان فقرة بأن يتم تسليمه الى الدولة، والعمل بموجب القرارات الدولية وأبرزها القرارين 1559 و1701على عدم وجود سلاح غير شرعي إلاّ سلاح القوى الأمنية الرسمية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة.
وتتشابه المرحلة الحالية بشأن سلاح المقاومة، مع تلك التي ظهرت في نهاية السبعينات من القرن الماضي، عندما شنّت القوى الإنعزالية التي كان يتقدمها حزب الكتائب حملة مركزة على المقاومة الفلسطينية التي ظهرت في مخيمات لبنان وبعض الدول العربية، كردة فعل على هزيمة الأنظمة العربية في حزيران 1967 أمام العدو الإسرائيلي في حرب الأيام الستة.
في تلك المرحلة، قوبل التسلح الفلسطيني والذي تمّ تشريعه في اتفاق القاهرة بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1969، بتسلح الكتائب وإقامة مخيمات تدريب لعناصره وتبعه حزب “الوطنيين الأحرار” الذي أنشأ “نمور الاحرار” وتمت استمالة ضباط مسيحيين من الجيش اللبناني، وقد ساند عملية تسلح بعض المطارنة والرهبان من خارج إرادة بكركي وسيدها البطريرك خريش، وهكذا ولدت الميليشيات التابعة لأحزاب مسيحية، مما دفع بالقوى الوطنية الى التسلح في مواجهة الكتائب التي بدأت تظهر بالسلاح وتقيم الحواجز، تحت عنوان مساندة الشرعية والجيش ضد المقاومة الفلسطينية.
وأن التعبئة والتحريض اللذين يقوم بهما علناً النائب سامي الجميل نجل رئيس حزب “الكتائب”، يذكر بما كان يقوم به بشير الجميل في الجامعات والمدارس قبل الحرب الأهلية، وهو الدور الذي عاد إليه نجله النائب نديم الجميل، حيث عاد خطاب الستينات والسبعينات الى البروز، ضد المقاومة وسلاحها، لكن المقاومة اليوم هي لبنانية، وسجّلت انتصارات على إسرائيل وحررت الأرض، وتمثل حالة شعبية في بيئتها المناطقية في الجنوب والبقاع، وداخل الطائفة الشيعية الموحدة حولها، لا سيما بعد تحرير الجنوب في العام 2000، وفي الانتصار في صيف 2006، بمواجهة العدوان الاسرائيلي.
ان كل ما يجري على الساحة اللبنانية، مرتبط بشيء واحد وهو المقاومة وسلاحها، وكيف يمكن نزعه وأن المواقف والتصريحات التي تصدر من بعض القيادات السياسية والحزبية والروحية تدخل في إطار إضعاف لبنان أمام إسرائيل، وهذا ما لن يحصل، لأن الاتجاه العام للبنانيين هو مع المقاومة وليس ضدها.
Leave a Reply