تساؤلات حول دوافع “مجزرة فورت هود”: إرهاب أم عنصرية.. أم رفض للحرب؟
سان أنطونيو، كيلين – تفاعلت خلال الأسبوع الماضي قضية الهجوم الذي هز قاعدة “فورت هود” العسكرية في ولاية تكساس على عدة مسارات. وطرحت في وسائل الإعلام الأميركية والعالمية تساؤلات حول الدوافع التي كانت وراء الجريمة التي قام بها الميجور في الجيش الأميركي نضال مالك حسن الذي قال مسؤولون بالحكومة الأميركية انه سيحاكم أمام محكمة عسكرية بعد أن أفاق من الغيبوبة. وتراوحت الأسباب التي طرحها الإعلام بين ارتباط حسن بالإرهاب والعنصرية الممارسة ضده ورفضه للمشاركة في الحرب في أفغانستان، ويعمل الجيش الأميركي للوقوف على الأسباب التي أدت إلى “مجزرة فورت هود”، وتسببت في إيقاع 50 ضحية في أكبر قاعدة عسكرية في أميركا.
وقام مكتب التحقيقات الفيدرالية بعملية تفتيش واسعة في شقة الرائد نضال مالك حسن، الذي يعمل كطبيب نفسي في القاعدة العسكرية. وأكدت مصادر أمنية أن المسدسين المستخدمين في الحادث يعودان لحسن وليسا مسجلين في القاعدة العسكرية.
ويعمل المحققون على التأكد من أن بعض الضحايا ربما أصيبوا بالخطأ أثناء محاولات إطلاق النار على حسن، وأضاف أحدهم بالقول: “كل المؤشرات تدل على أنها ليست نيران صديقة.. بالطبع هذه أدلة ستثبتها التحقيقات”. وعزت تلك المصادر ارتفاع عدد الضحايا إلى إطلاق الطبيب النفسي، الأردني الأصل، “أكثر من 100 طلقة” في غرفة صغيرة نسبياً بالقاعدة،
ونقلت تقارير أن حسن أطلق صرخات “الله أكبر” أثناء فتحه النار على الحاضرين، إلا أن الجنرال روبرت كون، نفى ذلك قائلاً “إن التحقيقات لم تؤكد ذلك”.
وذكر جيران حسن في منطقة كيلين إن الضابط قام بتنظيف بيته وإهداء نسخ من القرآن إلى عدد منهم قبيل ساعات من فتحه النار على الجنود.
وقال مسؤولون في القاعدة العسكرية أنه لا يوجد ما يشير إلى أن الرائد نضال، الذي قتل ١٣ عسكريا أميركياً، وهو مسلم ولد في الولايات المتحدة لأبوين مهاجرين كان يخطط لهجوم وشيك أو أنه كان موجها للقيام بأي شيء.
وكشفت المصادر نفسها أن المحققين حاولوا مقابلة الرائد نضال الأحد في المستشفى العسكري الذي يحتجز فيه، لكنه رفض الإجابة وطلب تعيين محام له.
وقالت مصادر مقربة من أسرة نضال إن محاميه التقوا به الاثنين الماضي لنصف ساعة في المركز الطبي العسكري في سان أنطونيو (تكساس)، وأشارت إلى أن هيئة الدفاع ستركز على الحالة العقلية لنضال عند إطلاقه النار.
وتعد جريمة القتل العمد التهمة الأكثر خطورة في المحكمة العسكرية، ويعاقب عليها بالإعدام. وكشفت تقارير صحفية أن مكتب التحقيق الفدرالي أجرى قبل نحو عام تقييما عن نضال قبل أن يخلصوا إلى أنه لم يشكل تهديدا، مشيرة إلى أن المكتب بدأ تقييما جديدا عنه.
وقال مسؤولون أميركيون إن المعلومات المتوفرة لدى المكتب الفدرالي تشير إلى أن الرائد نضال تصرف بمفرده وليس له أي شركاء في التآمر معه رغم ضبط رسائل إلكترونية متبادلة بينه وبين إمام مسجد في اليمن يدعى أنور العولقي كان على صلة باثنين من منفذي هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على أميركا. وأشار مسؤول مخابراتي ونائب جمهوري إلى أن الرائد نضال ضبط وهو يتصل من عشرة إلى عشرين مرة بالعولقي، لكن الاستخبارات الأميركية لم تفتح تحقيقا في المسألة لاعتبارها أن تلك الرسائل لا توحي بأي تهديد بالعنف.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن المسؤولين قولهم إن ضبط تلك الرسائل يظهر أن السلطات كانت متنبهة لنضال قبل تنفيذ هجومه بوقت طويل لكنها تركته في موقعه. ونسبت الصحيفة الى مسؤولين عسكريين يعملون في مجال مكافحة الإرهاب أن الاتصالات بين نضال والعولقي، التي ضبطت بداية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كانت متناسبة مع مشروع بحثه الذي كان يعده باعتباره طبيبا نفسيا في القاعدة العسكرية الأميركية حول مرض إجهاد ما بعد الصدمة.
وحيّا الشيخ العولقي، الذي كان إمام مسجد دار الهجرة في ولاية فرجينيا حيث تردد نضال وانتقل بعدها إلى اليمن، على موقعه بالإنترنت الضابط الأميركي قائلا إنه قام بالشيء الصائب لدى إطلاقه النار على الجنود الأميركيين الذين يتحضرون للانتشار في أفغانستان والعراق. ووفقا لصحيفة “نيويورك تايمز” فإن حسن غير متزوج، وله أخ يعيش في فيرجينيا، وآخر في القدس، بحسب ما نقلته الصحيفة عن ابن عمه نادر، الذي أكد أن أفراد عائلة حسن هم محامون ومصرفيون وأطباء.
وتصف المعلومات المتوفرة عن الرائد نضال بأنه ضابط يرفض إرساله المقبل إلى أفغانستان بعد أن لاحظ بصفته طبيبا متخصصا الصدمات النفسية لدى الجنود العائدين من الحرب. كما يتبين منها أنه مسلم متدين يتعرض في الجيش لمضايقات زملائه.
وذكر شاهد عيان، وهو صاحب متجر قريب من القاعدة، ان الميجور نضال مالك، كان يعرج عليه كل صباح ليشتري القهوة، لافتا إلى أنه جاء في صباح يوم إطلاق النار وكان طبيعيا، مشيرا إلى أنه “من أصل عربي، وربما أردني”.
وتظهر السجلات العسكرية إن الميجر حسن ولد في ولاية فيرجينيا، في حين أظهر مكتب للسجل المدني الفيدرالي أن نضال يعود لأصول أردنية، وتعين في الجيش عام 1997، بعدما تخرج من جامعة فيرجينيا. وقال عدد من جيران الميجر نضال، وجنود تمت معالجتهم على يديه إن “الرجل بدا شخصا لطيفا، وغير مؤذ، وكان يقدم خدمات نفسية محترفة لكثير من الجنود، وساهم في شفاء عدد كبير منهم”.
أوباما
من جهته، قال الرئيس باراك أوباما إنه لا يمكن لأي معتقد ديني أن يبرر أعمالا “إجرامية وجبانة” مثل حادث إطلاق النار في قاعدة فورت هود. وجاء تصريح أوباما في إطار كلمة تكريم للضحايا الثلاثاء الماضي أمام نحو 15 الف عسكري في القاعدة العسكرية في تكساس.
وقال اوباما في كلمته “سيكون من الصعب فهم المنطق المنحرف الذي ادى الى هذه المأساة. الا اننا نعلم الاتي: ليس هناك اي معتقد ديني يمكن ان يبرر هذه الاعمال الاجرامية والجبانة. ولا يمكن لاي اله عادل ومحب ان ينظر في شكل ايجابي الى اعمال من هذا النوع”. وتابع اوباما “اما بالنسبة الى ما قام به، فاننا نعلم ان القاتل سيلقى جزاءه في هذا العالم وفي الآخرة”. وقال الرئيس الاميركي “نقول الى اللقاء لمن باتوا ينتمون اليوم الى الابدية. سنمضي قدما في طريق السلام وليبارك الله ذكرى الذين انتزعوا منا”. وتابع الرئيس الاميركي كلمته التي القاها من على منبر توزعت امامه صور القتلى “نحن في زمن حرب. ومع ذلك فان هؤلاء الاميركيين لم يقضوا في ساحة معركة اجنبية. لقد قضوا هنا على الارض الاميركية في قلب هذه المجموعة الاميركية الكبيرة. وهذا ما يجعل هذه المأساة اكثر الما وعصية اكثر على الفهم”.
تنديدات إسلامية وعربية
وتواصلت خلال الأسبوع الماضي سلسلة التنديدات والإدانات بهجوم “فورت هود” وقال إبراهيم هوبر مدير الاتصال الدولي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) “عندما علمنا أن اسم مطلق النار هو نضال مالك حسن، ويبدو مسلما، سارعنا إلى إرسال بيان الإدانة”، مضيفا “منذ سمعنا بخبر الهجوم.. كنا ندعو الله أن لا يكون أي مسلم متورطا فيه”.
والسبب في قلق هوبر هذا هو أن ينعكس الحادث على المسلمين في الولايات المتحدة، ويقول “قبل أن يعلن عن ديانة المهاجم، ولأن اسمه يوحي أنه من أصول عربية، كان هناك احتمال بأن يكون مسلما ولذلك أصدرنا بيان الإدانة”. وتابع “هذا هو للأسف العالم الذي نعيش فيه الآن.. فالمسلمون متهمون بأنهم لا يدينوا مثل هذه الاعمال.. ونحن نريد أن نثبت عكس ذلك”. وقال البيان الذي أصدره المجلس “لا يوجد شريعة تبرر مثل هذا الهجوم الذي استهدف مجموعة من الجنود والمتطوعين الذي يوفرون الحماية لأمتنا.. إن المسلمين الأمريكيين يقفون إلى جانب أشقائهم المواطنين في الدعاء للضحايا والعزاء لعائلاتهم”. وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر، تعرض المسلمون الأمريكيون إلى اعتداءات انتقامية متوالية، وألقيت بحقهم الكثير من التهديدات من قبل غير المسلمين الذين كانوا يسعون للانتقام.
ويقول هوبر الذي يخشى من انتقام جديد “لقد شهدنا هذا من قبل، فكلما كان هناك اعتداء أو هجمات من هذا النوع، فهناك احتمال لردات فعل انتقامية بحق المسلمين”.
Leave a Reply