ميشال عون.. البرتقالة وصحـ..تين!
انتهت معركة (بالمعنى الحقيقي) تشكيل الحكومة اللبنانية أخيرا، ودخل السياسيون اللبنانيون في مرحلة الاستراحة.. استراحة المحاربين، بالطبع، وفي مرحلة التقاط الأنفاس. الضحايا السياسيون.. كثر، والضحايا العاديون بالملايين، الملايين التي تقطن على أرض الكيان اللبناني، وعلى خريطته الافتراضية في المهاجر. لبنان الوطن.. ليس إلا شطحة من شطحات الشاعر سعيد عقل، أما لبنان الكيان.. فهو يتأكد ثانية، وعلى نحو درامي. لبنان.. فشل وعلى مدى عقود، وحكومات، في صناعة الأمة اللبنانية، فليس هنالك أمة لبنانية، هناك أمم، وليس هنالك شعب لبناني، هناك شعوب!
وأبرز المنتصرين في معركة “تشكيل الحكومة” هو الجنرال ميشال عون، على المستوى الشعبي، الغرائزي، الطائفي، المشحون. وأما الفائز الآخر.. فهو النائب سعد الحريري، الشاب الغض، الطري العود، والذي اتضح أنه ليس غريرا! أما النائب وليد جنبلاط.. فهو يعدّ نفسه لـ”معركة” أخرى.. هناك في دمشق التي سيدخلها عما قريب بكل تأكيد، ولكن دخوله لن يكون دخول الفاتحين.. بل دخول “التائبين” الذي يختلف عن الدخول “العوني” الذي أدى طقوسه الجنرال المهزوم، العماد ميشال عون.. الذي وصف زيارته إلى الشام وشبهها بزيارة الجنرال الفرنسي ديغول إلى ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية!
عون.. الجنرال المصحوب بالفظاظة العسكرية في كل المواقع، بما فيها بلاتوهات التصوير، واللقاءات والمؤتمرات الصحفية، يدرك تماما “لا جدوى” الدبلوماسية، بل.. ويخوض حروبه السياسية بالسلاح الأبيض.. من أجل “أصغر” الاستحقاقات، حتى ولو كانت تخص “الصهر” جبران باسيل.
وعون.. إلى ذلك، شخص يتهيبه الخصوم ويتحاشاه الأصدقاء. مخطئ من لا يعتقد أن “الجنرال” فريق وحده، ومخطئ من يظن أن عون ليس أقوى الأفرقاء في لبنان، بمن فيهم الفريق المسلح..
في معركة الانتخابات النيابية الأخيرة.
خرج عون منتصراً أيضا، على الخصوم والأصدقاء.. الذين كانوا يحلمون بالكثير، فخابت توقعاتهم، ولكن على الرغم من ذلك، لم يكن نصرا مؤزرا.. كان نصرا له طعم المرارة. كان نصرا بمرارتين.. مرارة خلفها الأصدقاء بخسارتهم، ومرارة “التعليم” التي أتقنها الخصوم: إسقاط جبران باسيل، كان ندبة لن تمحوها الانتصارات التالية. لقد “علّم” الخصوم على الجنرال عون.. وانتهى الأمر.
ليس من مصلحة أحد في لبنان، ولا الدول المعنية بالشأن اللبناني، أن يكون أحد في قوة الجنرال.. الذي وقف في وجه العالم، ولم ينتبه إلى المتغيرات التي أوجبت “اتفاق الطائف”. القديس مار مخايل العراقي (ولد في الوصل)، شفيع التفاهم العوني مع حزب الله، والمعروف لدى المؤمنين المسيحيين بـ”رفيق الملائكة” لم يحم الجنرال من التفاهمات الدولية التي رافقت كواليس حرب الخليج الأولى، فانهزم الجنرال الذي لم يتقن من فنون الحرب سوى الكر.. والكر، ولكنه مع ذلك فرّ إلى منفاه الباريسي.
عون.. الذي أحجم السوريون عن “التمني” عليه، في مسألة تسهيل ولادة الحكومة، بالكاد نجح من كتمان غيظه من وساطة الحليف سليمان فرنجية. وعون.. أيضا قبل ذلك كاد أن يفسد الود مع أبرز الحلفاء، رئيس مجلس النواب نبيه بري، في مسألة اللوائح والترشيحات في جزين.
وعون أيضا.. هو الشخص الذي تخلى عنه الأميركيون والفرنسيون، فتحالف معه السوريون بالصيغة التي تدغدغ مشاعره: أن يكون نداً! وقبل ذلك.. تحالف مع فريق 8 آذار (وهو بالمناسبة يمايز نفسه عنهم) ليخفف إلى حد كبير من حجم الضربات التي يتلقاها فريق المعارضة. وتحمل حجماً كبيرا من تلك الضربات والانتقادات.. وهو “مبسوط”، لأنه وقبل كل شيء شخص تحلو له صورة “البطل”.
وصورة “البطل” بالمواصفات العونية، هي وحدها التي يمكن لها أن تشكل توازنا مع “البطل” الآخر، القوي، الذي يمكن أن يغير في أي “يوم مشهود” تضاريس الأرض واللعبة اللبنانية. ويبدو أن صورة “البطل” العونية تُسمّن لصالح الأوراق السورية في حال تبدل شروط اللعبة الإقليمية، وفي حال تقدم احتمالات التسوية عبر المفاوضات السورية الإسرائيلية غير المباشرة بالوساطة التركية (المتوفقة الآن). نعم.. يتهيبه السوريون (أو يراعون وضعه) ولكنهم سيغيرون أسلوبهم مع خليفته، على الأرجح. ما من دلالة خاصة في زيارة جبران باسيل إلى العاصمة السورية، الدلالة الأكيدة.. هي في زيارته بصحبة ميشال سماحة (!!). وارد جدا.. أن يعود المسيحيون الحليف الأول لسوريا في لبنان، في حال تبدلت اللعبة..
ولكن هذا الحديث سابق لأوانه. الآن.. البرتقالة (شعار محطة الـ”أو تي في”، مع إشارة صح، وهي الإشارة نفسها التي تعني بلغة الأصابع مسدس، التي يشرف عليها صهر الجنرال الآخر روي هاشم) يمكن أن تقسم إلى حزوز، بشرط تقشيرها أولا، أو يمكن عصرها، في حال انتقلت من “قبضة” الجنرال إلى “راحة” أخرى!
Leave a Reply