لا يستحق الزميل عبدالملك المثيل، بأي حال، هذا النوع من المحاكمات، بسبب جاهزيتها ومبررات وجودها الواهية، فمثل هذه المحاكم وجدت أصلاً لتكميم الأفواه، وإشاعة الرعب، والتلويح بعصا السلطة الغليظة، لكل من تسوّل نفسه أن يهتم بشؤون الحقيقة (والوطن) اهتماما حقيقيا ومتفحصاً.
وما من عاقل، يمكن أن يكون ضد العدالة، فلو كانت محاكمنا عادلة لكنا ذهبنا إليها بأقدامنا، وطرقنا أبوابها، وقبلنا أيادي قضاتها. وهذه المحكمة التي تتهم المثيل (والزملاء الآخرين) “بالتحريض على العصيان المسلح، والمس باستقلال الجمهورية اليمنية، والوحدة الوطنية، والمصلحة العليا للوطن، وإثارة النعرات المناطقية والعنصرية، والتفرقة بين أبناء اليمن الواحد، والعمل على تمزيق الوطن” هي محكمة تصادر الحقوق الأولية للأفراد في التعبير عن آرائهم وأفكارهم. وما من شك.. أن هذا الكم الهائل من التهم المساقة لصحفيين، إلا يملكون إلا أقلامهم، هو بمثابة إرهاب الدولة ضد رعاياها، وإرهاب الوطن ضد مواطنيه..
وغريبة فعلاً هذه التهم، إذ كيف تنجح الكتابة والصحافة في إثارة النعرات والغرائز وتأجيج الحروب الأهلية، في حين أنها (الصحافة) فشلت فشلاً ذريعاً في نشر قيم ديمقراطية وجمالية وحقوقية وتثقيفية.. خلال عملها لعدة عقود من الزمن. وفي هذا السياق.. ليس من الحصافة التفكير بأن وسائل الإعلام والصحافة في مصر والجزائر هي من تؤجج غضب الشارعين المصري والجزائري، ومخطئ من لا يعتقد بأنه ثمة قراراً سياسياً وراء ذلك التصعيد في كلا البلدين.
والمسألة هنا، لا تخص اليمن، فاليمن ليس أكثر من نموذج مستنسخ عن الأنظمة العربية الأخرى، التي يزعجها مجرد امتلاك “الصحافة” للقب مجازي، هو “السلطة الرابعة”. والحقيقة أنه لا سلطات في أوطاننا، لا تنفيذية ولا تشريعية، هناك سلطة واحدة قمعية، أمنية، بوليسية، تتهم وترمي في غياهب السجون، بمحاكم صورية.
ومن الغريب فعلاً، أن يُحاكم الصحفيون، وهم يعملون في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع الجميع، في حين يتم التغاضي عما يقترفه الفاسدون والمزايدون والمخبرون والمنافقون المنتشرون في الأوطان وفي المهاجر. وغريب أن تبدو وزارات الإعلام في عالمنا العربي وكأنها ملحقات أمنية لا أكثر، في الوقت الذي اختفت فيه هذه الوزارات من معظم دول العالم.
وربما يكون الزميل عبدالملك المثيل قد وجّه نقداً قاسياً لبعض الممارسات والأفعال والأشخاص، وهذا من حقه بالطبع، فما نحتاجه بقوة في ثقافتنا هو النقد، بدل التطبيل والترميز وتمسيح الجوخ والإنشاء المزيف. ويبدو أن موهبتنا في الممالأة والنفاق قد انتقلت معنا إلى المهاجر، وبدلاً من الاستفادة من القيم المدنية والحقوقية والإنسانية، نعمل تحت شعارات رنانة وجوفاء، على تكوين جزر منعزلة ومقفلة.. بدعوى الحفاظ على الأصالة والتراث والثقافة العربية. والأصالة والتراث والحقيقة يقولون: “الساكت عن الحق شيطان أخرس”.
والحقيقة أنه يوجد في جاليتنا الكثير من الشياطين بألسنة طويلة، وهؤلاء يغضبهم أن يكون في العالم أشخاص أشراف وشجعان وملتزمون ومثقفون ومنتقدون. وهم يريدون أن يتسيدوا ويتقلدوا المناصب.. من دون أن يمتلكوا أدنى حد من الثقافة أو اللباقة، ويضيرهم أن يتقن البعض مجرد مبادئ القراءة والكتابة.
المثيل.. وزملاؤه أشخاص واضحون ومعرفون ويعلنون آراءهم على الملأ، لأنهم يؤمنون بها، وإذا كانوا مخطئين، فالحوار هو الحل، وليس المحاكمة.. التي توحي أتوماتيكياً بالتجريم، والإدانة، أو أقله عدم الرضا.
عبدالملك المثيل.. إلى الأمام دائماً!
Leave a Reply