اعترفت قوى “14 آذار” بما لايدع مجالا للشك، بالهزيمة السياسية التي لحقت بها وضربت كل مساراتها التي انتهجتها على مدى السنوات الأربع المنصرمة، بانتظار الضربة القاضية التي تلوح من “قصر المهاجرين” من خلال اللقاء المرتقب بين الرئيس بشار الأسد ورئيس الحكومة سعد الحريري. ولعل أفصح عبارة معبرة عن تلك الهزيمة هي لنائب القوات اللبنانية انطوان زهرا الذي وصف فيها الحريري بأنه رجل مغلوب على أمره “كلنا يعرف كيف فرضت الحكومة وأسماء الوزراء على الرئيس الحريري” مع تسجيل قفزة نوعية للنائب زهرا لمطالبته بتعليق صورة الرئيس المغدور به رشيد كرامي وصورة طوني فرنجية على جدار مجلس النواب من ضمن صور الشهداء الذين سقطوا من أجل الوطن!!
إلا أنها ليست السخرية الوحيدة التي حفلت بها جلسات مناقشة البيان الوزاري، ولولا كلمة رئيس كتلة زحلة في القلب سابقا النائب نقولا فتوش لكانت الجلسة الأخيرة “لزوم مالا يلزم” كسابقاتها التي خلت من أي قيمة ومن أي مضمون سياسي سوى كلمات القوات اللبنانية والكتائب وتيار المستقبل التي كانت بمثابة جلد للذات وندب للحظ وتوجيه للسهام نحو المقاومة وتحميلها مسؤولية ما وصلت إليه أوضاعها، وربما أصابت تلك الكلمات عندما حملت المقاومة مسؤولية أوضاعها (أوضاع 14 آذار)، فتلك هي السياسة، وهذا هو مرها الذي تذوقته “14 آذار” بمحض إرادتها، فكيف يعقل، أو كيف فكرت قوى “14 آذار” عندما حاولت عزل فريق واسع من اللبنانيين، بل الفريق الأكبر من اللبنانيين بأغلبيتين شيعية ومسيحية، ويعزى له الفضل الأول بهزيمة اسرائيل عام 2006؟ تفسير واحد لهذه المغامرة الخاسرة هو استعارة قلب سمير جعجع للتفكير بعيدا عن منطق العقل والتفكير السليم. واللافت المذهل أن “14 آذار” لم تزل تشن حملتها المتجددة على الديمقراطية التوافقية، وكأنها مازالت الأكثرية النيابية، متجاهلة أن الديمقراطية التوافقية أصبحت في صالحها كون عديد نوابها بات أقل من عديد نواب “المعارضة السابقة”، وكونها خسرت نصاب النصف زائدا واحد في مجلس الوزراء، بل أنه في الأمور الخلافية الأساسية وعلى رأسها سلاح المقاومة فهي تعتبر أقلية. لأن مواقف كل من الرئيس ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط من مسألة المقاومة وسلاحها باتت معلنة ومعروفة للقاصي والداني. والفيتو الطائفي الذي أتحفنا به دولة الرئيس السابق سعادة النائب فؤاد السنيورة هو من سلّطه رئيسا للحكومة يقض مضجع اللبنانيين طيلة أربع سنوات عجاف من الحكم. وهو الفيتو الطائفي الذي حمل الشيخ سعد الحريري إلى سدة الحكومة، وهو الفيتو الطائفي “السني” الذي منع الجنرال ميشال عون من حقه في الوصول الى سدة الرئاسة الأولى، وهو الفيتو الطائفي الذي زج بالضباط الأربعة في السجن من دون أدلة وبراهين، كما هو الفيتو الطائفي الذي حمل الرئيس نبيه بري إلى سدة رئاسة المجلس، وهو الفيتو الطائفي المتحكم بكل مرافق الدولة، ما يدفع للسؤال، مادام السنيورة وتيار المستقبل وقوى “14 آذار” هي ضد الفيتوهات الطائفية، فلم هذه الحملة الشعواء على طرح الرئيس بري تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية؟ لماذا لا تتخلص قوى 14 آذار من الفيتو الشيعي، مادام يزعجها، بالعمل على إلغاء الطائفية السياسية، أم أنها تستهوي الطائفية لنفسها وتنكرها على غيرها؟
بالمحصلة، فقد كانت نقاشات جلسات مجلس النواب الستة محطات إجبارية للعبور الى المرحلة السياسية الجديدة التي سيفتتحها الرئيس سعد الحريري بزيارته الى سوريا. لا فرق بين زيارة المصارحة والمصالحة وبين زيارة رئيس الحكومة ورئيس الحزب أو الزاروب أو العائلة. فالمعطى السياسي المترتب عن الزيارة سيكون برسم التصريف على مستوى التحالفات السياسية الجديدة التي تحدث عنها وليد جنبلاط، ومهد لها بعد المصالحة مع “حزب الله”، بمصالحة النائب سليمان فرنجية والجنرال عون. فهل سينتقم النائب وليد جنبلاط ممن يعتبرهم الجنس العاطل واليمين الانعزالي بتشكيله حجر الزاوية في تفاهم سياسي بين تيار “المستقبل” من جهة وبين “حزب الله” وحركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” وتيار “المردة” من جهة أخرى.
في استعراض سريع لشريط الأحداث منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وحتى اليوم، يظهر بوضوح بأن الباع الجنبلاطية كانت وراء كل ما حصل على الساحة السياسية، فهي الباع التي كانت “تطبخ” السياسة وتقدمها وجبات ساخنة لقوى “14 آذار” ولقيادتها الصورية في قصر قريطم.. فالرجل صاحب سوابق راسخة في الانقلابات والانعطافات وصنع التحالفات والسياسات.
صمت وليد جنبلاط في جلسات المناقشة النيابية يوحي بذلك…
Leave a Reply