قاسية بلا شك، تلك التسمية التي أطلقها اللبنانيون على اللواء عبد العزيز الأحدب، الذي أعلن عن انقلاب عسكري على شاشة التلفزيون لم يمتثل له أحد (في العام 1976). “جنرال التلفزيون”.. لقب اللواء الذي لا يعرف شيئاً عما يدور في الوطن والحرب. واللواء التلفزيوني غير معذور بالطبع، حتى ولو أن معظم الانقلابات العسكرية في العالم العربي تمت عبر أثير الإذاعات وشاشات التلفزة. قليلون يعرفون أن لبنان ليس مثل الأقطار العربية الأخرى، والذي يعرفون.. يعملون بضراوة ليجعلوا منه توأما سيامياً للأقطار الغارقة في الديكتاتورية.
ورغم طيّ صفحة الحرب الأهلية اللبنانية، إلا سياسياً لبنانياً يستحق بجدارة هذا اللقب. وئام وهاب.. جنرال التلفزيون الذي يفتح النار بلا هوادة على الخصوم. ووئام وهاب لا يحتاج أن يتخرج من أكاديمية عسكرية ليكون جنرالاً. هل تخرج جنكيز خان من كلية عسكرية حتى يستطيع مقارعة خصومه وهزيمتهم على ذلك النحو المذلّ.
مرة، سأل جنكيز خان قواده العسكريين وأركان حربه: ما أمتع شيء في الحياة؟ وتعددت إجابات المحاربين الشرسين بين: الصيد، وشرب الخمور، وحب النساء. لكن تلك الأجوبة لم ترق لملك الملوك الذي همس: “أمتع شيء في الحياة.. أن تهزم أعداءك، وأن تسحقهم. أن تستولي على خيولهم وسيوفهم، وأن تسبي نساءهم وأطفالهم!”. وعلى الرغم من كل كميات الدم التي تقطر من “حكمة” القائد الذي لا يهزم، إلا أنه وعلى نحو مثير كان يتمتع بالشرف. شرف المحارب، أو شرف العسكري بتعابير هذا الوقت.
ووئام وهاب.. الذي قاد كل تلك الحروب التلفزيونية، بدا “بطلا” تلفزيونياً في مسلسل لبناني طويل، أطول من المسلسلات المكسيكية المدبلجة، وبطلاً.. على الطريقة المكسيكية إياها، بطلاً هشاً ومفتعلاً وغير مقنع. بطلا من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة.. لدرجة أن حضوره في المسلسل إياه، كان بمثابة استراحة “للبطل” الحقيقي. بتعبير وطني، كان حضور وهاب أشبه بحضور الممثل عبدالسلام النابلسي إلى جانب عبدالحليم حافظ.. يعني في أحسن الأحوال كان يلعب دور “السنّيد”.
والمفارقة.. أن وئام وهاب وعبدالسلام النابلسي وكثير من المتفرجين قد وقعوا في الفخ نفسه. فخ الاستظراف! فوهاب والنابلسي صدّقا أنهما ظريفين، وكذلك صدق “البطل” عبدالحليم حافظ الذي قال: “الفيلم اللي ما فيهشي وئام وهاب، زي الطبخة اللي ما فيهاش ملح”.
في تلك المعمعة، تحول وئام وهاب إلى نجم تلفزيوني، دون أن نعرف شيئا عن حزب “التوحيد” الذي يرأسه، ولكن لنتحدث بصراحة، من منا “يقبض” حزب التوحيد؟ ومن منا يعرف أعداد محازبيه ومناصريه؟ وهاب نفسه.. بدا في أحد البرامج التلفزيونية لا يعلم شيئاً عن افتتاحية أحد أعداد الجريدة التي تنطق باسم الحزب. وليس في الأمر أي لغز، أو أحجية، فجميعنا يعرفون الأمور.. ومن هنا بالضبط تُفهم ظرافة وئام وهاب، وحضوره الفضي على شاشات التلفزيون.
وئام وهاب ليس خطاً درامياً في حبكة فنية. يعني.. ليس حيثية سياسية في الواقع السياسي اللبناني (من أين تنبع إذن قوته؟). إنه “بريك إعلاني” لا أكثر ولا أقل!
ومشكلة هذا الرجل كمشلة عصام أبو جمرا البرتقالي، الذي يظن نفسه جزءا من اللعبة، ويضيره تماما أن يخرج من المولد بلا حمّص، مع أنه (وهاب) خرج بصحن “مجدرة” كبير مع “نتالو” في أحد البرامج.
هل سيقبل وهاب بجائزة الترضية؟ حتى الآن ليس في يده حيلة أخرى، هو في الوضع الذي تنطبق عليه المقولة: “أسقط في يده”.
جنرال التلفزيون.. هزمه أصدقاؤه، وليس خصومه، وها هو الآن كالعسكري الذي يراقب النملة وهي تصارع حبة القمح (في تلك القصة المشهورة) ولكن وهاب ليس أوفر حظاً من ذلك العسكري الذي تعلم الدرس من النملة، فاستجمع قواه، وعاد إلى الحرب، وهزم خصومه.
إذا كان رئيس حزب التوحيد يتطلع إلى النصر حقاً، فعليه أن يهزم الأصدقاء والخصوم معاً، والأمر ليس سهلاً بطبيعة الحال، ولكنه ليس مستحيلاً أيضاً في بلد مثل لبنان.
في لبنان، حتى بعد المصالحات والتوافقات، ثمة من يقود الحرب ضد “الخصوم” باستمرار. تلفزيون “الجديد” قاد بالأمس فقط “حرباً” على رئيس الحكومة العتيد في نشرة أخبار قادتها مذيعة (جنرالة هي الأخرى) وقامت فيها بالقصف المدفعي (المركز هذه المرة) والسخرية والاستهزاء من الأخطاء النحوية التي وقع فيها سعد الحريري. وبالطبع لم ينتبه أحد إلى أن المذيعة الباسلة وقعت (وهي تعدد تلعثمات وأخطاء الرئيس النحوية) بتسعة أخطاء نحوية خلال خمس دقائق. لم ينتبه أحد.. كان الكثيرون يشعرون بالغبطة لسقطات وتلعثمات الرئيس، وهذا يعني أن لبنان مازال على شفير.. الحرب!
Leave a Reply