ديربورن، لانسنغ – خاص “صدى الوطن”
اتجهت سلطات ولاية ميشيغن خلال الأسبوع الفائت نحو سن أول تشريع من نوعه في الولاية، من شأنه أن يطفئ الأمل لدى عشرات، بل مئات ألوف المدخنين بإمكانية نفث دخان سجائرهم أو نراجيلهم في الأماكن العامة التي كانت لاتزال تفرد مساحات للمدخنين من أجل استمرار دورة حياتها التجارية.
فبعدما تخطى مشروع القانون القاضي بتوجيه ضربة قاضية الى ما تبقى من أماكن يسمح فيها بالتدخين، مجلسي النواب والشيوخ، استقر على مكتب الحاكمة التي كان ينتظر أن توقع عليه مع صدور هذا العدد (يوم الجمعة) ويصبح بالتالي قانونا ساري المفعول، لكن اعتبارا من أول أيار (مايو) القادم.
وإذ خضع مشروع القانون هذا الى جدل كثير خلال السنوات القليلة الماضية، حول جدواه وآثاره الاقتصادية المحتملة على قطاع واسع من الأعمال الصغيرة، فقد بات أمرا واقعا لا يلزمه لكي يطبق رسميا سوى جرة قلم الحاكمة التي ستنتزع من المدخنين آخر حق لهم في المجاهرة بما ينظر إليه المجتمع الطبي كآفة مسؤولة عن أخطر الأمراض التي تصيب الناس، لكنه حق لن يتقبل المدخنون انتزاعه منهم بتلك السهولة.
والمدخنون الذين وجدوا أنفسهم معزولين بسلسلة الإجراءات التي اتخذت لمنعهم من ممارسة تلك “اللذة المميتة” على مدى سنوات في كثير من الأماكن، أصبحوا “أيتاما” منبوذين ليس فقط من شرائح اجتماعية تمقت عادتهم، بل من القانون الذي لن يعترف لهم بعد اليوم بتلك “الحرية” في إيذاء الذات، ليس حرصا عليهم على الأرجح، بل اتقاء للتأثيرات السلبية التي يلامون على إحداثها في محيطهم. والتي لا تروق لشركات التأمين الصحي الباحثة عن توفير في إنفاقها على صحة الزبائن.
هي “مؤامرة” على المدخنين إذن، يشترك فيها أكثر من طرف لإنهاء هذه الظاهرة التي لم يعد المجتمع الأميركي والغربي عموما يتقبلها، لأسباب لا شك في وجاهتها، لكن صدمتها لا ينتظر أن تقتصر على المدخنين أنفسهم، بل ستتعداها إلى أماكن كثيرة تزدهر بفضل اشعال السيجارة أو النرجيلة ويعتاش من العمل فيها ألوف البشر الذين سيضطرون إلى البحث عن وظائف جديدة.
وعقب الاعلان عن هذا القانون توقع اتحاد المشروبات المرخصة في ميشيغن ان يؤدي تطبيقه الى خسارة الولاية لالاف الوظائف، قائلا في بيان له “ان المسؤولية في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، تقع على كاهل ممثلينا المنتخبين لمساعدة الاعمال التجارية جميعها في ميشيغن، وليس مجموعات تجارية بعينها”.
ففي مدينة ديرورن، “عاصمة التدخين العربي” في أميركا، من حيث عدد المقاهي والاستراحات التي توفر ملجأ للمدخنين من “اضطهاد” وعزل القوانين لهم أثار القانون الجديد القاضي بمنع التدخين في الأماكن العامة، مع استثناءات قليلة اقتصرت على كازينوهات ديترويت الثلاثة وحانات السيجار، مخاوف أصحاب المصالح التجارية التي تقدم الى جانب وجباتها ومشروباتها “وجبات” من النراجيل المعدة لمتعة هواة هذه الآلة التي شهدت فنون صنعها وزخرفتها وتلقيمها بأنواع لا تحصى من المعسل غير المحدود النكهات، ثورة كبيرة في العقد الأخير.
ونص القانون الجديد على انه بالرغم من السماح بالتدخين في القاعات المخصصة للقمار في الكازينوهات، الا ان ذلك لا ينسحب على الحانات والمطاعم والفنادق التابعة لها. وكان مجلس شيوخ الولاية أقر العام الماضي حظرا على التدخين في اماكن العمل دون استثناء، أحبطه مجلس النواب لرغبته في استثناء كازينوهات ديترويت من حظر كهذا.
والعديد من المقاهي والمطاعم في مدينة ديروبورن تعتمد بصورة كبيرة على زبائن يرتادونها للقاء النرجيلة كما لو أنهم يلتقون بمعشوقة لا يطيقون البعاد عنها. وأصحاب هذه المقاهي والمطاعم قد يجدون أنفسهم أمام معركة بقاء مع سريان مفعول قانون الحظر الجديد.
يقول طارق فحص، صاحب مقهى ومطعم “مانغو” الشعبي على شارع وورن في مدينة ديربورن: “سوف نتأثر بهذا الحظر بصورة كبيرة. لقد كانت أمورنا تسير بصورة ممتازة وكنا نجتذب زبائن من خارج مدينة ديربورن، اما الآن، فلا أعرف ما يخبئه الوضع المستجد”.
وكان فحص يأمل بأن يبقى قادرا على الأقل، على تقديم النرجيلة على مصطبة المقهى الخارجية التي غالبا ما تمتلئ بالزبائن خلال فصل الصيف، رغم سوء الأحوال الاقتصادية، لكن القانون الجديد سيحرمه من ذلك، لأنه ينص على منع التدخين بأشكاله كافة في المكان التي يُقدم فيها الطعام والشراب، وفق ما أبلغ به “صدى الوطن” مكتب نائب مدينة ديربورن جينو بالادوري.
وقال تيم سنيلر مدير المكتب لـ”صدى الوطن” إن النسخة الأخيرة من القانون التي جرى إقرارها أخيرا لا تبيح الخلط. فأي مؤسسة تجارية تقدم خدمة النراجيل يتحتم أن تكون منفصلة كليا عن أي مطعم أو أي عمل تجاري آخر. ويوضح أن مجلس شيوخ الولاية أدخل تعديلا على مشروع القانون أتاح لحانات السيجار فقط الاستمرار في تقديم الأطعمة والشراب شرط أن تكون نسبة 10 بالمئة على الأقل من عوائد المؤسسة متأتية من بيع السيجار ويضيف: السيجار فقط –ليس السجائر العادية- يمكن تدخينه داخل هذه المحال.
وقال سنيلر إن الضغط العام من أجل تمرير الحظر تصاعد مع وصول مشروع القانون الى مجلس الشيوخ ولم يكن بالامكان فعل شيء لإحداث تعديلات عليه. وأوضح أن 28 ألف منشور أرسلت بالبريد حول الحظرقبل تمرير المشروع. ومن بين 1000 شخص أجابوا عن السؤال كان هنالك 90 بالمئة ممن أيدوا حظرا على التدخين بما يشمل البارات والمطاعم.
وحال مصادقة غرانهولم على قانون الحظر، تصبح ميشيغن هي الولاية الـ38 التي تمنع التدخين في اماكن عامة كالمكاتب الحكومية والحانات والمطاعم، بحسب السيناتور راي بشام (ديمقراطي عن تايلور) وهو واحد من المؤيدين لصدور القانون ولو انه كان يرغب في ان يكون الحظر شاملا، ومثله في ذلك السيناتور توباك هنتر (ديمقراطي عن ديربورن هايتس) رغب هو الاخر ان يشمل الحظر كازينوهات ديترويت، في حين قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ مايك بيشوب (جمهوري عن روشستر) وآخرون بان اعتراضهم على الحظر كان يستند الى الرغبة في ترك القرار لاصحاب المطاعم والحانات.
ويقول طارق فحص إنه ينوي افتتاح مقهى نراجيل منفصلا بالقرب من مطعمه لكنه قلق حول القدرة على اجتذاب الزبائن بدون تقديم الشاي والطعام. ويوضح: لا أحد يحضر إلينا فقط من أجل النرجيلة وإذا لم يشعر الزبون بأنه قادر على تناول أي شيء آخر فإنه سيفضل البقاء في البيت.
قالت العرب حديثاً: دخّن عليها تنجلي، والمقصود بـ”عليها”، هي المشاكل. وفي ميشيغن التي تتصدر الولايات الـ٤٩ الأخرى في نسبة البطالة، سيواجه كثر من المدخنين معضلة إيجاد وسائل بديلة لانجلاء المشاكل، بعدما أحكمت الولاية الطوق عليهم. لكن من يدري؟ فقد تتوسع الولاية في تشريع انتشار حشيشة الكيف (الماريجوانا) لـ”أسباب طبية” بعدما شرّعت زراعتها في مشاتل منزلية بصورة محدودة لبعض المرضى!
يمكن مطالعة القانون الذي يحمل الرقم HB 437
بأكمله على موقع: www.legislature.mi.gov
Leave a Reply