واشنطن – صدر خلال الأسبوع الماضي تقرير عن “مجموعة الأزمات الدولية” على جزءين. وقد صدر الجزء الأول تحت عنوان “إعادة ترتيب الأوراق: تطورات الاستراتيجيا السورية”، يبحث في التغيرات المحتملة في سياسات دمشق، ويخلص إلى ان “أي تطور في هذا السياق، سيرتبط بتقييم النظام السوري كلفة خياراته، في ما يتعلق بالاستقرار المحلي والموقع الاقليمي، في ضوء ما يفعله الفرقاء الآخرون على الساحة الدولية”.
ويرى مدير شؤون العراق وسوريا ولبنان لدى “مجموعة الأزمات الدولية” بيتر هارلينغ أن “الغرب يريد من سوريا، بشكل أساسي، تغيير سياساتها باتجاه قطع العلاقات مع حلفائها أو إضعافها، وتوقيع سلام مع اسرائيل، بهدف تحقيق الاستقرار في المنطقة، فيما تود سوريا، قبل النظر في أي تغيير أساسي، معرفة وجهة المنطقة، وما اذا كانت مصالحها الخاصة ستؤمّن”.
كما اعتبر معدو التقرير ان النظام السوري أظهر اداء مرنا بالرغم من محيطه المضطرب والعدائي غالبا، لكنه “لا يزال يواجه مصادر خطر في كل الجبهات تقريبا”، مشيرين إلى أن “احتمال انتقال التوترات الاقليمية إلى الداخل السوري قائم”. نتيجة ذلك، وفيما تحرص دمشق على المحافظة على روابط وثيقة مع طهران، سعت بحسب التقرير، لموازنة تلك العلاقات عبر تحالفات جديدة تعزز رصيدها الاستراتيجي.
لكن “مجموعة الازمات” اعتبرت ان الولايات المتحدة وسوريا “تحتاجان لابتكار عملية دبلوماسية تقوم على الاختبار المتبادل للنيات، وتعزيز المصالح، والانطلاق في إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالشكل الذي من شأنه طمأنة دمشق حيال المستقبل”، مضيفة انه “يجب أن ينطلق ذلك من تحديد أهداف واقعية قد تتضمن احتواء الدور الايراني في مواقع مثل العراق أو اليمن، وتشجيع الحكومة اللبنانية على التركيز على الشؤون الداخلية”.
الجزء الثاني من التقرير صدر تحت عنوان “إعادة ترتيب الأوراق: يد سوريا الجديدة”، متحدثاً عن تغيير سوريا لسياستها خلال السنوات الماضية. ففي العام 2008، “وافقت سوريا على توسط تركيا في المحادثات مع إسرائيل، وبنت علاقات مع الحكومة العراقية، وبدأت بتطبيع العلاقات مع لبنان، بعد سنوات من مقاومة مطالبه بالسيادة”.
ويعتبر التقرير أن “النجاح لا يعتمد على ما إذا كانت سوريا والولايات المتحدة تستطيعان تحقيق اختراق سريع” حول نقاط الخلاف بينهما، مضيفاً “في أحسن الأحوال فإن هذا الأمر سيأخذ وقتا ويجب أن ينتظر تغييرات في المنطقة وحصول تقدم حقيقي في السلام بين سوريا وإسرائيل. إن الاختبار هو ما إذا كان بإمكانهما التقدم بعلاقتهما إلى الأمام، إلى مرحلة يمكن فيها مقاومة الأزمات التي قد تظهر بشكل غير متوقع ومحتوم”.
ويوصي التقرير “الإدارة الأميركية والحكومة السورية باستنباط طرق تعاون مشترك حول أهداف صلبة أبرزها: احتواء ميول إيران في مناطق جديدة مثل العراق واليمن (عوضاً عن محاولة إحداث شرخ بين دمشق وطهران)، والعمل نحو مصالحة وطنية في العراق، عبر دمج النفوذ الأميركي على الحكومة العراقية وتقارب سوريا مع المتمردين وعناصر النظام السابق، وتشجيع الحكومة اللبنانية على إعادة التركيز على قضايا حكومية داخلية واحتواء أخطار مواجهة جديدة بين “حزب الله” وإسرائيل، ودمج الجهود السورية لكبح “حماس” وإعادة توحيد غزة والضفة الغربية مع تبني الولايات المتحدة مقاربة جديدة للمصالحة الفلسطينية يتم الترحيب بها بشكل أكبر”.
وأوصى التقرير “الإدارة الأميركية إنشاء خط تواصل فعال عبر إرسال سفير إلى دمشق، يكون أحد مهامه بناء علاقات مباشرة مع الرئيس (السوري) بشار الأسد، وتعيين مسؤول رفيع المستوى لإنشاء حوار استراتيجي بهدف تبادل الرؤى حول المنطقة ووضع مسودة للعلاقات المستقبلية الثنائية”. كما أوصى “بإعادة بذل جهود في عملية السلام عبر إظهار المصالح على المسارين السوري والفلسطيني، والعمل لتحسين العلاقات الإسرائيلية التركية كخطوة من أجل استئناف المفاوضات السورية الإسرائيلية تحت رعاية تركية أميركية مشتركة، والتوضيح بشكل لا لبس فيه انه وبالتناغم مع المفاوضات بين سوريا وإسرائيل في السابق فإن أي اتفاق نهائي يجب أن يستتبع بانسحاب إسرائيل بشكل كامل من هضبة الجولان واتفاقات أمنية صارمة وإقامة علاقات سلمية وعادية”.
ويدعو التقرير الإدارة الأميركية إلى “إعادة إطلاق محادثات ثنائية مع سوريا حول العراق، بدءاً من قضايا الحدود، إما فورية أو على الأقل بعد إجراء الانتخابات التشريعية في العراق، وتخفيف تطبيق العقوبات ضد سوريا”.
وأوصى التقرير “الحكومة السورية بتسهيل وصول الدبلوماسيين الأميركيين إلى نظرائهم بعد وصول السفير الجديد، والاستفادة من آليات التعاون الأمنية الموجودة مع دول مثل بريطانيا وفرنسا من اجل التوصل إلى نتائج ملموسة، إلى حين إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، وتوضيح رؤيتها للمنطقة خلال المحادثات مع مسؤولين أميركيين، وتقوية العلاقات بين لبنان وسوريا عبر ترسيم الحدود وتأمين أي معلومات ممكنة حول اللبنانيين “المختفين”، وتوضيح أي مساهمة ايجابية وفورية يمكن لسوريا أن تقوم بها في العراق وفلسطين ولبنان وماذا تتوقع من الولايات المتحدة في المقابل”.
Leave a Reply