ديترويت، واشنطن – تفاجأ الأميركيون يوم عيد الميلاد الماضي بهجوم “إرهابي” فاشل في مطار ديترويت الدولي، وقد سارعت الإدارة الأميركية فور حصوله الى اتخاذ اجراءات أمنية جديدة في مطاراتها، وفتحت باب النقاش حول فعالية أجهزتها الأمنية وسبل التواصل بينها. وتولى هذه الحملة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي تحدث حول الهجوم في خمس مناسبات (حتى صدور هذا العدد) في ظل تعرضه لانتقاد من الجمهوريين لتساهله مع الإرهاب.
ودعا أوباما أجهزة بلاده الاستخباراتية لتصحيح أخطائها إثر فشلها في إدراج اسم النيجيري عمر فاروق عبد المطلب الذي حاول تفجير الطائرة منذ حوالي أسبوعين ضمن قائمة الممنوعين من السفر. وأعلن أوباما أن بلاده ستراجع “أخطاءها الأمنية”، مؤكدا أن “الفشل الأمني” في اكتشاف هذه العملية هو مسؤوليته أولا بصفته رئيسا للبلاد.
وقال في بيان تلاه للصحفيين في البيت الأبيض إن واشنطن كان لديها معلومات حول المحاولة لكنها فشلت في الربط بين الأحداث. وذكر أنه ظهر بوضوح أن الاستخبارات الأميركية “افتقرت إلى التحليل والفعالية” مؤكدا أن ذلك يعد “أمرا غير مقبول” وأنه لن يتسامح معه.
وأوضح أوباما أن الاستخبارات كانت تعلم أن تنظيم “القاعدة” في جزيرة العرب يخطط لاستهداف الولايات المتحدة داخل أراضيها وليس داخل الأراضي اليمنية فقط. وقال الرئيس الأميركي “مسؤوليتي الوقوف على أسباب ما حصل وتصحيح الخلل للحؤول دون حصول مثل هذه الهجمات في المستقبل” مؤكدا أن النظام الأمني في الولايات المتحدة فشل بطريقة وصفها بالكارثية.
ووجه القضاء الاميركي الاربعاء الماضي الى عبد المطلب تهمة “محاولة القتل” و”محاولة استخدام سلاح من اسلحة الدمار الشامل” بعد ان حاول تفجير طائرة ركاب اميركية في 25 كانون الاول (ديسمبر) الماضي.
ووجهت محكمة ديترويت المدنية الى الشاب ست تهم في المجموع وفقا لمستندات قضائية حصلت “فرانس برس” على نسخة منها.
واوضح بيان لوزارة العدل الاميركية ان اربع من هذا التهم تصل عقوبتها الى السجن 20 عاما، وان تهمتين تصل عقوبتهما الى السجن 30 عاما.
وفي 25 كانون الاول استقل عمر فاروق عبد المطلب طائرة شركة “نورث وست ايرلاينز” الاميركية التي اقلعت من امستردام متجهة الى ديترويت بعد ان نجح في اخفاء مسحوق مفجر في ملابسه الداخلية. وكانت الطائرة تقل 289 راكبا اضافة الى افراد طاقمها الـ11. وعندما اقتربت الطائرة من الهبوط في ديترويت حاول الشاب تنفيذ الانفجار قبل ان يسيطر عليه الركاب. وبعد اعتقاله اعلن عبد المطلب للسلطات الاميركية انه استخدم حقنة لخلط سائل كيميائي بالمسحوق المفجر الذي كان يخبئه، كما نقلت وسائل الاعلام الاميركية عن مسؤولين كبار.
وجاء في اللائحة الاتهامية “في 25 كانون الاول وضع عمر فاروق عبد المطلب بملء ارادته عبوة ناسفة على متن طائرة، في الرحلة 253، في المجال الجوي الاميركي”.
ومن المقرر ان يمثل المتهم الجمعة (مع صدور هذا العدد) امام محكمة فيدرالية في ديترويت حيث سيعترف بالتهم الموجهة اليه او ينفيها.
وقال وزير العدل الاميركي اريك هولدر في بيان “ان التهم الموجهة الى عمر فاروق عبد المطلب قد تؤدي الى سجنه مدى الحياة”.
تشديد أمني أميركي
من جهتها اتخذت السلطات الأميركية اجراءات فورية بعد الحادث حيث أعلنت واشنطن تشديد إجراءاتها لمراقبة المسافرين القادمين لأراضيها من 14 دولة معظمها عربية وإسلامية. وقال مسؤول في الإدارة الأميركية إن المسافرين القادمين من أو عبر دول معينة هي إيران والسودان وسوريا وأفغانستان والجزائر والعراق ولبنان وليبيا ونيجيريا وباكستان والسعودية والصومال واليمن -بالإضافة إلى كوبا- سيواجهون فحوصا مشددة عبر وسائل تكنولوجية متقدمة منها الماسحات الضوئية ثلاثية الأبعاد التي تم تركيبها في بعض المطارات مؤخراً أن تكتشف وجود شيء مثبت على جسم المسافر.
كما أعلنت إدارة أمن وسائل النقل وهي المسؤولة عن إجراءات أمن السفر جوا ترتيبات “الفحص المعزز”، مضيفة أن أي راكب على رحلات جوية متجهة للولايات المتحدة قد يخضع لعمليات تفتيش أمني عشوائي.
لماذا أخفقت الإجراءات الأمنية؟
أثارت محاولة التفجير التي حاول عبدالمطلب تساؤلات وشكوك حول كيفية تمكنه من نقل مادة متفجرة رغم مروره بإجراءات أمنية صارمة وشديدة.
ورغم أن وزيرة الأمن الداخلي الأميركية، جانيت نابوليتانو، نفت الأحد الماضي وجود ما يشير إلى أن محاولة عبدالمطلب هي “جزء من مخطط إرهابي أكبر”، إلا أن المحققين توصلوا الى أن عبدالمطلب له ارتباطات بتنظيم “القاعدة” الذي تبنى حسب بيانات رسمية أميركية الهجوم عبر مواقع الكترونية موالية له.
ومع أن المسؤولين الهولنديين قاموا بالتدقيق في الإجراءات الأمنية في مطار أمستردام “شيبول” نطرح فيما يلي بعضاً من الأسئلة الجوهرية حول الحادث التي لا تزال مطروحة قيد النقاش.
– من أين جاءت المتفجرات؟
حسب التحقيقات، زعم الشاب النيجيري الذي حاول تفجير الطائرة بعد أن أشعل الجهاز أنه حصل على المتفجرات من اليمن، إلى جانب تعليمات حول كيفية استخدامها. ونقل عمر فاروق عبدالمطلب هذه المتفجرات على متن طائرة متجهة من عاصمة نيجيريا التجارية، لاغوس، إلى أمستردام، بهولندا، ثم تم تحويله إلى ديترويت.
– هل كان (عمر) مدرجاً على أي من قوائم المراقبة الأمنية؟
تقول السلطات الأميركية أنها تلقت اتصالاً من والد عمر فاروق قبل الهجوم، غير أن الغموض يلف فكرة وضعه على قائمة الممنوعين من السفر إلى الولايات المتحدة، إذ يقول المسؤولون الهولنديون إن اسم الراكب ظهر على ما يبدو في اللائحة التي قدمتها شركة الطيران، والتي تم عرضها على السلطات الأميركية، التي منحت الإذن للطائرة بالسفر إلى ديترويت.
– هل تمت الإجراءات الأمنية بصورة سليمة؟
تقول السلطات الهولندية إنها تمت بالشكل المطلوب، وأن عمر مرّ عبر الإجراءات الأمنية الاعتيادية وأن “الأداء الأمني كان جيداً”. ومن المعروف أنه مرّ من خلال جهاز الكشف عن المعادن، كما أن أمتعته تعرضت للكشف بالأشعة السينية. وغالباً ما يتم إيلاء اهتمام أكبر بحق المسافرين القادمين من نيجيريا بسبب المخاوف المتعلقة بعمليات الاحتيال والغش والتهريب. على أي حال، فقد قامت المطارات في مختلف أنحاء العالم بتكثيف الإجراءات الأمنية في أعقاب هذا الحادث.
– كيف لم يتم اكتشاف المتفجرات؟
تسعى السلطات الهولندية جاهدة إلى معرفة ما إذا كان المسافر قد أخفى مساحيق معه أو عبوات تحتوي على سوائل، ومن المؤكد أنهم لن يلتقطوا هذه المواد بواسطة جهاز كشف المعادن.
– هل هناك أي وسيلة للكشف عن هذا النوع من المتفجرات؟
أشار التحليل الأولي لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) إلى أن أداة التفجير كانت تحتوي على مادة “بي إي تي أن”، المعروفة أيضاً باسم “نيترات بنتيريثريتول”، وهي مادة كيميائية شديدة الانفجار. ويقول الخبراء إنه يمكن الكشف عنها باستخدام المسح خلال عملية الفحص الثانوية.
– لماذا لم يكن هناك رجال أمن أميركيين على متن الطائرة؟
قالت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية، جانيت نابوليتانو، إنه لا يتم نشر رجال أمن أميركيين على جميع الرحلات، مشيرة إلى أن ذلك لا يتعلق بالميزانية، وإنما التزام بالإجراءات المعيارية المعمول بها، والتي تفيد بتوزيع رجال الأمن عشوائياً على متن رحلات في مسارات معينة.
Leave a Reply