مع دخول الاقتطاعات المالية للمنح الحكومية المخصصة للمدارس العامة حيز التنفيذ في بدء السنة المالية، يواجه العديد من القطاعات المدرسية أزمات مالية حادة تدفع المسؤولين في هذه القطاعات الى اتخاذ اجراءات قاسية بغية الاستمرار في تسيير عمل المدارس.
ففي مدينة ديرورن دفعت الاقتطاعات المالية بمجلس التربية الى إيقاف حوالي 144 مدرسا عن العمل، في خطوة وصفها المسؤولون في القطاع المدرسي بأنها “الشر الذي لا بد منه” بعدما ما أخفقت جميع المحاولات لحمل نقابة المدرسين على الموافقة على اقتطاعات من الرواتب والفوائد بحيث يمكن تجنب اللجوء إلى سياسة (قرار) التسريح.
ومع بداية الأسبوع الحالي اضطرت ادارة القطاع المدرسي الى تسريح 23 مدرسا وسبعة نواب مدراء مدارس، غير أن اداريين في القطاع عبروا عن الأمل في إعادة جزء من المسرحين الى العمل بفضل تجميد العمل بقرار اقتطاع مبلغ 127 دولار من المنحة المخصصة للطالب الواحد في القطاع المدرسي في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي وفق ما اعلن عنه المدير العام للمدارس برايان وستون.
ومن شأن هذا التجميد أن يقلل من قيمة الحد من الانفاق البالغة 12 مليون بمقدار 2.3 مليون دولار على مدى العام الدراسي الحالي.
ويأمل مسؤولو القطاع التربوي أيضا بإعادة 26 موظفا شملهم قرار التسريح الى جانب ستة مدرسين أعيد استدعاؤهم الى العمل. وأوضح وستون أن خطوة تجميد العمل بقرار الاقتطاع المذكور سيتيح تقليل نسبة الاقتطاع لرواتب بعض الموظفين والاداريين من 6 بالمئة الى 4.9 بالمئة.
ومن المقرر أن يسري مفعول قرار التسريح للمدرسين والاداريين اعتبارا من أول شباط (فبراير) القادم.
وأحدث قرار تسريح المدرسين والاداريين لغطا كبيرا في صفوف المهتمين بالشأن التعليمي في المدينة. فبادر البعض الى مهاجمة قرار التسريح ووجه انتقادات شديدة الى ادارة القطاع المدرسي والى المجلس التربوي. وقالت عضو المجلس ماري لين تعقيبا على الضجة المثارة انها تدرك بأن قرارات التسريح والاعادة الى العمل تثير مشاعر متناقضة. وأضافت “إننا نتخذ قراراتنا بناء على هدف الاستمرار في تسيير عجلة القطاع المدرسي على ضوء التغييرات الحاصلة في حجم التمويل الحكومي”.
ويتوقع المسؤولون في القطاع التعليمي بأن يكون التمويل الحكومي للقطاعات المدرسية في العام المقبل أقل بـ 425 مليون دولار، ما يعني اقتطاعا بمقدار 218 دولار للطالب الواحد.
ويقول خبراء إنه في أفضل السينايورهات سيحتاج اقتصاد ولاية ميشيغن الى عشر سنوات لاستعادة عافيته وفي أسوأ السيناريوهات تصل المدة الى 30 سنة، وفق ما يقول وستون الذي يضيف بأن ميشيغن تواجه حقيقة جديدة في هذا الوضع الاقتصادي.
وكرر وستون القول بأن القطاع المدرسي مضطر لإجراء اقتطاعات في الانفاق بسبب الاقتطاعات في حجم المساعدات المدرسية التي أقرتها الولاية منتصف العام الحالي. ويوضح أن سياسة التسريح التي يلجأ الىها القطاع تفرضها بنود عقود الموظفين الموقعة مع إدارة المدارس.
وعلى ضوء اللغط الحاصل جراء سياسة التسريح التي لجأ اليها القطاع المدرسي توضح مصادر مطلعة ومواكبة للشأن التعليمي أن الكثير من اللغط لا مبرر له، وأن بعضه مدفوع بحسابات شخصية، متجاهلا حقائق أساسية في النظرة الى أوضاع القطاع المدرسي الذي يكافح القيمون عليه من أجل التعايش مع أزمة الميزانية الحالية بأقل الأضرار الممكنة على حسن سير العمل.
ويجمل هذا المصدر تلك الحقائق على الوجه التالي:
– ان الاقتطاعات فرضتها ولاية ميشيغن مع تقلص عوائد الميزانية، وبالتالي تنسحب هذه الاقتطاعات على عملية التمويل المدرسي، ولا دخل للإدارة أو المدرسين أو المدير العام أو المجلس التربوي بحصولها.
– ان القطاع المدرسي في مدينة ديربورن لجأ الى اجراء اقتطاعات في ميزانيته، خلال السنوات الأخيرة، لكنها لم تشمل قرارات تسريح للموظفين بفضل أفكار خلاقة لتوفير الأموال.
– ان حقيقة أن أكثر من 85 بالمئة من اجمالي الميزانية يصرف على الطاقة البشرية في القطاع، فإن عملية تسريح موظفين ومدرسين هي مسألة حتمية لا يمكن تجاوزها.
– ان تسريح الموظفين يخضع لعقود نقابة المعلمين وهنالك عدة نقابات في القطاع المدرسي في مدينة ديربورن. وتشمل نقابة “اتحاد مدرسي ديربورن” على العدد الأكبر من الأعضاء وعلى أكبر بند مالي في الميزانية العامة.
– ليس بامكان المدارس وأعضاء المجلس التربوي إحداث أية تغييرات في رواتب ومخصصات المدرسين إلا أن من خلال التفاوض حول العقد المبرم مع “اتحاد مدرسي ديربورن”. الذي له الحق في عدم القبول بتقديم تنازلات في موضوع الدرجات والزيادات أو الفوائد الأخرى، وقد أقدم الاتحاد مؤخرا على ممارسة حقه، ولسوء الحظ، فإن نتيجة رفض الاتحاد لتقديم تنازلات أدت الى عملية التسريح لعدد من المدرسين بما لا يخدم مصالح طلبة القطاع.
-ان عملية تسريح المدرسين تعتمد على الأقدمية في الخدمة، والملحوظة في عقودهم النقابية. ومجلس التربية والمدير العام للمدارس لا يتمتعون بصلاحية انتقاء المدرسين في عملية التسريح.
– ان عدد المدرسين والاداريين العرب الأميركيين قد ارتفع بصورة ملحوظة في خلال السنوات القليلة الماضية، وهذا بطبيعة الحال أمر ايجابي. لكن لسوء الحظ، يعني أنه عند الاضطرار الى اجراءات تسريح من العمل، تتأثر عائلات عربية أكثر من غيرها نظرا لحداثة التحاق أربابها بالقطاع المدرسي.
– عندما يتخذ “اتحاد مدرسي ديرورن” قرارا، فإنه يصغي الى قيادته والى أكثر الأعضاء انخراطا فيه. وهؤلاء ليسوا من فئة المدرسين الحديثي العهد في القطاع ولا تشملهم سياسة التسريح، وبالتالي فإنهم لا يجدون مصلحة في تقديم تنازلات من رواتبهم ومخصصاتهم من أجل الآخرين.
– إن من حق أي مواطن طلب معلومات حول رواتب المدرسين في المدارس العامة. وهذه الأرقام والمعلومات ليست سرية. لذا عندما يقدم أحد أعضاء المجلس التربوي على الإفصاح عن معلومات بأن معدل كلفة التعويضات للمدرس الواحد في القطاع المدرسي في ديربورن يبلغ حوالي 100 ألف دولار فليس هذه العضو أو غيره هو من يجب أن نهاجمه ونحمله المسؤولية، فمهاجمة عضو أو عضوة في المجلس التربوي لا يدخل في صلب القضية. والمسألة لا تكمن باستحقاق هذا المدرس أو ذاك للتعويضات المذكورة، والتي يستحقها بالفعل بعض المدرسين أو الاداريين ممن يعملون بجهد كبير، لكن السؤال هو: أين نجد المال الكافي لتلك التعويضات؟ بالطبع، بامكان أي كان أن يسلط الضوء على ما تعنيه هذه الأرقام.
– طالما أن اداريين وموظفين آخرين أقدموا على التنازل عن جزء من رواتبهم، فمن الانصاف أن نطالب أعضاء المجلس التربوي بتقليص “رواتبهم”. أيضا، مثلما ينادي البعض. لكن هؤلاء الأعضاء أقدموا على ذلك بالفعل قبل شهرين، وبصرف النظر عن عدد الاجتماعات أو المناسبات التي حضروها أو عدد الساعات التي صرفوها في العمل على قضايا مدرسية. وهؤلاء الأعضاء يتقاضون تعويضات تبلغ حوالي 10 آلاف دولار سنويا (بدون أية فوائد أخرى) وسواء أحببناهم أو كرهناهم فإنهم يؤدون خدمة عامة. وحتى لو أقدموا على الغاء تعويضاتهم كليا فإن اجمالي التوفير السنوي من الالغاء سوف لن يتعدى السبعين ألف دولار. فهل هكذا نحل أزمة ميزانية تبلغ عدة ملايين من الدولارات!
الانتقاد في هذه الحالة يبدو مسألة جيدة وجذابة لكنه لا يؤدي سوى الى التضليل، وايذاء المشاعر والهجمات الشخصية.
– لم توجه ادارة المدارس ولا المجلس التربوي الاقتطاعات ضد “العرب” و”شرق ديربورن” كما يزعم بعض المنتقدين. فهذه مسألة غير قانونية وغير عملية وليست حاصلة لأن الأمور الادارية غير قانونية وغير عملية وليست حاصلة لأن الأمور الإدارية في المقر العام لإدارة المدارس لا تدار بهذه الطريقة الكيدية التي تسكن في رؤوس بعض الموسوسين. فجاليتنا العربية ناضلت لسنوات لضمان معاملة متكافئة وهذا يشمل الاوقات الصعبة والمريحة على حد سواء.
– ان الاشاعات التي تروج أن برنامج ثنائي اللغة يتعرض للإلغاء أو الاقتطاع من مخصصاته تهدف الى اثارة المشاعر في الجالية العربية. وواقع الأمر ان الاقتطاعات لا تشمله لأن تمويله (وهو فيدرالي وليس من الولاية) يأتي من مصادر مختلفة عن المصادر المعروفة للتمويل المدرسي.
ويختم هذا المصدربالقول: لقد أسهمت مع نشطاء آخرين في اطار اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي (أيباك) في مواجهة بعض سياسات مدارس ديربورن العامة والمجلس التربوي طيلة عقد من الزمن. واعترضنا عليهم في اطار مشاريع كبيرة كانت مطروحة وتعاونا معهم في اطار مشاريع أخرى. ودعونا جاليتنا الى حضور اجتماعات المجلس التربوي وساهمنا في تنظيم الاحتجاجات وخضنا حملات ناجحة ضد مقترحات مدرسية اعتبرناها عديمة الفائدة. أما قلة اعتراضنا كلجنة وكنشطاء هذه المرة، فنابعة من حقيقة أنه لن يكون بناء أو مجديا، فضلا عن أننا كجالية عربية أميركية لدينا أصدقاء مخلصون في المجلس التربوي لهم تأثير أساسي في عملية اتخاذ القرارات، ولدينا فوق ذلك ممثل لجاليتنا العربية الأميركية هو العضو المنتخب حديثا حسين بري. ولا يعقل أن يكون هؤلاء الأعضاء مشاركين في أي سلوك تمييزي ضد المدرسين والموظفين العرب الأميركيين في القطاع المدرسي.
فلنعد التأكيد على ثقتنا بنزاهة هؤلاء ولدينا تجربة غير قصيرة معهم كأصدقاء أثبتوا خلالها في أكثر من محطة أنهم حريصون على المصالح التعليمية لجاليتنا أكثر من حرص من ينبرون في هذه الأزمة القاسية التي يمر بها القطاع المدرسي، لممارسة هواية إلقاء التهم جزافا. نحن جميعا في هذا المركب، فلنتوقف عن اطلاق اللوم والاعتراض ولنرفع الصوت فقط عندما نملك حلا عمليا أو مقترحا مفيدا. ولنقف متسلحين بالأمل في مواجهة هذه العاصفة يدا واحدة والعمل على ضمان عدم غرق المركب الذي نحن فيه.
أما مقولة: “أوجدوا طريقا آخر” فليس فيها أي حل لأزمة المدارس. إنها ببساطة شكوى لا تقدم ولا تؤخر.
Leave a Reply