بورت أو برينس – ضرب زلزال مدمر جزيرة هايتي الثلاثاء الماضي مزهقا أرواح عشرات آلاف البشر تاركاً خلفه دماراً هائلا لا يمكن حصره حتى آلان. وقد شهد العقد الأول من القرن العشرين ستة زلازل كبيرة أسفرت عن مصرع مئات الآلاف من البشر، وكان آخر أضخم الزلازل ذلك الذي ضرب مقاطعة سيشوان الصينية وأدى إلى مقتل قرابة 70 ألف شخص، أما في منطقة أميركا الوسطى والبحر الكاريبي، فكان آخر أكبر زلزال ضرب المنطقة ذلك الذي وقع في المكسيك عام 1985، وأسفر عن مصرع حوالي 10 آلاف شخص، على أنه خلال ربع القرن الأخير كانت الزلازل الكبيرة كلها في آسيا تقريباً.
أما زلزال هايتي، فهو الأكبر في جزيرة “هسيبانيولا”، وهي الجزيرة التي تشترك فيها هايتي مع جمهورية الدومنيكان، منذ ما يقرب من قرنين، رغم أنه لم يتم حتى الآن حصر الخسائر في الأرواح أو الخسائر المادية للزلزال ونتائجه الكارثية. على أن الصور ولقطات الفيديو تكشف عن حجم دمار هائل للزلزال البالغة قوته 7 درجات بحسب مقياس ريختر. وما يميز زلزال هايتي أنه وقع على بعد 16 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة، وأنه قريب من القشرة الأرضية، وربما يكون هذا السبب وراء الخسائر الكبيرة الناجمة عنه.
ثلاثة ملايين تأثروا بزلزال هايتي
ومن جهته، قال الصليب الأحمر في هايتي إن أرقاما حكومية تظهر أن حوالي ٦٠ ألفا قتلوا في الزلزال تم العثور على جثثهم فيما لا تزال الأرقام النهائية غير متوفرة خاصة مع انقطاع سبل الاتصال في انحاء البلاد، وقالت الوكالة الدولية ان أكثر من ثلاثة ملايين شخص، أي ثلث السكان، تأثروا به مباشرة، بينما استمر تدفق المساعدات الدولية.
وقال ريني بريفال رئيس هايتي إن السلطات دفنت 7000 قتيل في قبر جماعي. وتحدث مسؤولون في وقت سابق عن احتمال مقتل مائة ألف شخص.وحذر موظفو إغاثة من ارتفاع عدد الضحايا إذا لم يتلق عشرات آلاف الجرحى، كثير منهم أصيبوا بكسور في العظام وفقدوا كميات كبيرة من الدم، العلاج الأولي سريعا.
وكان مركز الهزة، الأعنف في قرنين حسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، على بعد عشرة أميال فقط من العاصمة. وأتى الزلزال على آلاف المباني وعلى القصر الرئاسي وعدد من الوزارات إضافة إلى مقر البعثة الأممية المكون من خمسة طوابق هوت وقتلت 36 شخصا من أفراد البعثة، بينما ما زال نحو مائتين مفقودين.
مساعدات دولية
وكانت أولى فرق الإنقاذ التي وصلت من جزر الأنتيل الفرنسية، تلتها فرق من هولندا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا ولوكسمبورغ. كما أرسلت تركيا وروسيا وفنزويلا وكولومبيا والمكسيك والدومينيكان مساعدات، وتعهدت البرازيل وأيسلندا والأردن وتايوان بالشيء نفسه.
وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطاب بالبيت الأبيض إن أولى فرق البحث والإنقاذ الأميركية بدأت فعلا عملها، وحطت في بورت أو برانس أول طائرة عسكرية أميركية محملة بأطنان من مواد الإغاثة وعشرات الأطقم الطبية. وأمر أوباما وزارات حكومته بإعطاء جهود الإنقاذ أولوية قصوى، وقال إن بلاده تنسق الإغاثة مع الأمم المتحدة ودول أخرى. وطلب من الرئيسين السابقين جورج بوش وبيل كلينتون الإشراف على جمع تبرعات من القطاع الخاص لإرسالها إلى هايتي.
وأرسلت الولايات المتحدة سفنا و٢٢٠٠ من مشاة البحرية، كما تحركت في اتجاه الجزيرة سفن حربية كندية على متنها ٥٠٠ فرد.
وقررت الولايات المتحدة إرسال قوة من ٣٥٠٠ جندي إلى هايتي ستنسق مساعدتها مع الأمم المتحدة، حسب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. لكن منسق العمليات الإنسانية في المنظمة الأممية جون هولمز قال إنه لا يتوقع أن تضع الولايات المتحدة قواتها تحت إمرة الأمم المتحدة التي ستنسق العملية الإنسانية إجمالا، وهي عملية ستكون مدنية بالأساس، حسب قوله.
وقالت منظمة “أطباء بلا حدود” إن فرقها في هايتي استقبلت عددا هائلا من الجرحى وتحدثت عن ثماني منشآت طبية رئيسة على الأقل تضررت أو دمرت، وعن فرق طبية تعمل داخل خيام مؤقتة.
وقالت في تقرير لها “مصدر القلق الرئيس حاليا لدى الطاقم الطبي.. الحاجة الهائلة إلى معالجة الجروح وإجراء عمليات جراحية كبرى”، وتحدثت عن نقص في إمدادات الغذاء والمياه والبنزين ومواد الإيواء.
وسد بعض السكان شوارع في العاصمة بحواجز من جثث القتلى للمطالبة بإغاثة أسرع.
خلفية علمية
وفي إطار آخر سبق للعلماء أن حذروا من احتمال وقوع هذه الكارثة منذ سنوات، فقد قدم خمسة من العلماء دراسة خلال المؤتمر الجيولوجي الثامن عشر لمنطقة الكاريبي، الذي عقد في آذار (مارس) عام 2008 بسانت دومينغو في الدومنيكان، جاء فيه أن منطقة الصدع الواقعة في الجزء الجنوبي من الجزيرة معرضة لـ”خطر زلزالي كبير”. وزلزال هايتي هذا يقع في نطاق المنطقة التي حددها العلماء في دراستهم، أي في منطقة الصدع المعروفة باسم “صدع إنريكيو-بلينتين غاردن” وهو صدع قريب الشبه بصدع “سان أندريز” في كاليفورنيا الأميركية.
وقال بول مان، أحد العلماء ممن أعدوا الدراسة والأستاذ في المعهد الجيوفيزيائي بجامعة تكساس: “لقد كنا نشعر بالقلق بشأن هذا الأمر، فالمشكلة في مثل هذه الزلازل أنها قد تظل هادئة وساكنه لمئات السنين قبل أن تضرب من جديد”. وأوضح أن هذا هو السبب وراء عدم القدرة على التنبؤ بوقوع الزلزال. ومن مميزات صدع إنريكيو-بلينتين غاردن أن الصفائح فيه تتحرك باتجاه بعضها بعضاً بصورة أفقية، بحسب ما أفاد مان.
وتقع جزيرة “هيسبانيولا” بين صفيحتين تكتونيتين، صفيحة أميركا الشمالية وصفيحة الكاريبي، وتعمل الصفيحتان على خنق الجزيرة وتحطيمها، ومن هنا جاء الزلزال المدمر، بحسب الخبير مايكل بلانبيد، المنسق المساعد لبرنامج المركز الجيولوجي الأميركي لأخطار الزلازل.
وخلال خمسة قرون، شهدت المنطقة القريبة من جزيرة بورتوريكو وهيسبانيولا وجزر العذراء، في البحر الكاريبي، وقوع ما يزيد على 10 زلازل تزيد قوتها على 7 درجات بحسب مقياس ريختر، بحسب ما أشار العلماء.
وكان آخر زلزال كبير ضرب المنطقة في العام 1946، وبلغت قوته آنذاك 8 درجات بحسب مقياس ريختر، ووقع بالقرب من جزيرة هيسبانيولا، وتسبب بحدوث موجات مد عاتية “تسونامي”، وشردت ما يزيد على 20 ألف شخص، بحسب مركز المسح الجيولوجي الأميركي.
أما آخر زلزال ضرب منطقة مدينة بورت أو برينس فكان في العام 1770.
Leave a Reply