هذا الجدار ليس له اي علاقة من قريب او بعيد بالسيادة المصرية ولا بالأمن القومي ولا تأمين الحدود ولا ما يحزنون.. لماذا لا يصارحنا النظام المصري -وإعلامه الرسمي- و”يجيبوا من الآخر” ويقولون لنا ان الهدف هو خنق غزة وتجويع اهلها الصامدين لتتمكن مصر من لعب دورها الاقليمي في احلال السلام (العادل) بالمنطقة، يا للعدالة!
هذا الجدار اسرائيلي الفكرة، اميركي التمويل والتخطيط، ومصري التنفيذ. النظام يعرف أننا نعرف أنه لا حول ولا قوة له وانه المنفذ للتعليمات من واشنطن وتل أبيب، ولكنه يريد الحفاظ على ماء وجه -وهل هناك وجه يحفظ ماؤه – باسطوانة السيادة المصرية التي لا يصدقها النظام ولا يتوقع منا تصديقها الامن القومي المصري مهدد من 13 كيلومترا هي حدوده مع غزة وأما مئات الكيلومترات، حدوده مع الكيان الصهيوني فيبدو انها لا تشكل أي خطر ما دامت مفتوحه للسياح الاسرائيليين الذين يسرحون ويمرحون -ويعربدون- في سيناء “المحررة”.
عندما نتكلم عن مصر، نحن لا نقصد مصر الشعب العظيم، ولا القوات المسلحة التي قدمت الاف الشهداء عبر العقود الستة أو السبعة السابقة، ولا مصر التاريخ الفرعوني والاسلامي الزاخر بما قدمته للحضارة الانسانية من انجازات في مختلف المجالات وانما فقط نتكلم عن هذا النظام الغريب في مصر، هذه الطغمة التي لوثت هذا التاريخ والسمعة. وكما قال أحد الكتاب المصريين -سليم عزوز- “قصرت رقبتنا وجعلتها قد السمسمة”. هذا النظام لا يليق بهذا الشعب ومصر بريئة مما تفعله هذه الطغمة براءة الذئب من دم يوسف. هذا النظام الحالي القابع على نافوخ المصريين، منذ اغتيال السادات في عام ١٩٨١.. يــااه ٢٩ سنه ونيف.
الرئيس أصبح في الثمانينات وصحته في تدهور وقرب يصاب بالزهايمر ومازال يحكم -ما يحكمشي- يعاونه حاشيته من المنتفعين في الحزب الوطني الحاكم يوهمونه انه ما زال في مقتبل الشباب.
جمهورية مصر العربية آن لها أن تغير اسمها، فلم تعد جمهورية بعد ان لزق الرئيس ٢٩ سنة في كرسي الحكم والتوريث قادم لجمال مبارك، اذاً فهي مملكة، ولم تعد لديها اي علاقة بمصر، وما يفعله النظام لا يمت بالعروبة بأدنى قرابة ولا حتى نسب أو مصاهرة، فلنسميها “مملكة مبارك”.
“مملكة مبارك” هذه تحد -أو تطوق- غزة من الجنوب، اتذكر في السبعينات تسمية موثرة لدول المواجهة- ايام ما كان في مواجهة- كانت تسمى دول الطوق، وما زالت دول الطوق، مع اختلاف بسيط. كانت تطوّق اسرائيل، والآن تطوق الفلسطينين بعد أن تغيرت قواعد اللعبة، فالاموال الاميركية تستطيع تغيير أي لعبة -وتعملها جد – وتغير كل القواعد.
غزة لمن لايعرف من أكثر مناطق العالم كثافة بالسكان، مليون ونصف مليون بني آدم مكدسين في رقعة صغيرة جداً مع شح في الماء والكهرباء والصرف الصحي والوقود وحتى مواد البناء بيوت كثيرة هدمت وحلت محلها خيام للمرة الثانية أو العاشرة.
لاتقولوا ان شعب غزة تعود على هذا، فلا أحد يمكن أن يتعود على العيش تحت هذه الظروف القاسية جداً، حتى ولو تكررت عدة مرات كيف يتعود الطفل على افتقاد الغذاء والماء؟ كيف يتعود المريض على افتقاد دواء القلب والسكر والضغط؟ كيف تتعود النساء على عدم مقدرتها تقديم الطعام لأطفالها؟ وكيف يتعود الرجال على عدم المقدرة لتوفير لقمة العيش لأسرهم؟
غزة كانت بالكاد تقدر على سد الرمق بالانفاق.. يهرب الطعام والشراب والملابس لهم ويدفعون مقابل ذلك مبالغ باهظة. الجدار هو الحل الاميركي الامثل لحل مشكلة أهل غزة ومعاناتهم، عندما يكتمل الجدار سيسد آخر المنافذ للحياة في غزة.
الجدار الاسرائيلي الاميركي المصري هو ببساطة اداة قتل ولكنهم حسبوها بدقة أنها ستكون ابادة بطيئة، تطهيرا عرقيا ربما لن ينتبه له هذا العلم المشغول بالأزمات المالية والارهاب، والسلام (العادل) المنشود!
عندما حوصر العراق لم يكن بالامكان التحكم بالحدود التي تمتد الاف الاميال مع تركيا وسوريا وايران والاردن والسعودية والكويت والبحر، ولكن الحصار امتد اثنتا عشره سنة وكان ان فارق الحياة مليون عراقي -لم يعد يذكرهم أحد.
حصار غزة مختلف فالبحر غرباً واسرائيل من كل الجهات عدا الثلاث عشرة كيلومترا من الجنوب التي تكفلت بها مصر بمشروع الجدار لذا فالحصار هنا أكثر احكاماً، والمنافذ قليلة أو منعدمة. بالتأكيد ستكون مأساة بالمعنى الحقيقي للكلمة. مشروع لإبادة جماعية. هذا هو مشروع جريمة نعايش بدايتها ونلاحق فصولها، المصريون الشرفاء-وما اكثرهم- يستطيعون ايقاف المجزره قبل ان تقع، بمقاضاة النظام، بالاعتراض بالاحتجاج، بالعصيان المدني اذ لا طاعة لمخلوق بمعصية الخالق.
أهل غزة سيصمدون لأنهم أباة لا يرضون بالذل ولا الخنوع ولكن واجبنا ان لا نتركهم وحدهم من باب من رأى منكم منكراً فليغيره. العالم كله مطالب بالوقوف مع غزة لأنها مسألة انسانية ليس لها علاقة بدين أو قومية معينة، ولكن بالأخص العرب، وبالأخص الأخص المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الفلسطينيين والمصريين لإفشال المخطط الاجرامي قبل تنفيذه.
فلسطينيو غزة مطالبون بالاحتجاج -السلمي- على الحدود مع مصر .فلسطينيو الضفة مطالبون بالضغط على فياض وعباس -وباقي الشلة- للتضامن مع اخوانهم في غزة، فلسطينيو الشتات -العربي والعالمي- مطالبون بالاحتجاج وتثقيف مجتمعاتهم بحجم المأساة. ألسنا كالجسد الواحد اذا اشتكى منة عضو تداعي له سائر الاعضاء بالسهر والحمي؟ نسهر لا على الافلام والمسلسلات – بل على ايجاد الوسائل لتخفيف الضغط عن اخواننا في غزة.
هل تذكرون أيام العدوان على غزة السنة الماضية، كيف امتلأت الساحات بالمتعاطفين مع غزة، هذا الجدار سيكون اشد فتكاً، مع عدم التقليل من حجم المجزره الاسرائيلية، لأنه قتل بطيء مستمر وبعيد عن الفضائيات والبث المباشر والأخبار العاجلة.
تحذير: لاتيمموا شطر الجمعية العامة للامم المتحدة، ومجلس الأمن فهناك اميركا بالمرصاد، وغيرها، يساندون اسرائيل باستمرار ولا يأبهون بالدم الفلسطيني، وعدا ذلك ولّوا وجوهكم أينما شئتم في جميع الاتجاهات الباقية ولا تنسوا أهل غزة من دعائكم، حتى لو نسيهم خطباء الجمعة في مساجدكم خوفاً أو وجلاً أو حيطة، فأبواب السماء مفتوحة، وهي الجهة الوحيده التي يتطلع اليها أهل غزة، لأن هاماتهم دائماً عالية نحو السماء. “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
Leave a Reply