بورت أو برانس – أثارت التعبئة الأميركية الضخمة وإنزال آلاف الجنود في هايتي انتقادات في بعض البلدان على غرار فنزويلا وفرنسا. واضطرت الرئاسة الفرنسية الثلاثاء إلى تهدئة التوترات مؤكدة أنها “راضية تماما” عن التعاون الفرنسي-الأميركي. ومن ناحية أخرى تفاقمت أعمال السلب والنهب وسط العاصمة بورت أوبرانس مع ازدياد حاجة عشرات الآلاف من المشردين للمواد الغذائية بعد عشرة أيام من الزلزال المدمر الذي ضرب هايتي، في الوقت الذي بدأت فيه فرق الإنقاذ الدولية مغادرة البلاد.
تعبئة أميركية ضخمة
وتمركزت القوات الأميركية في مواقع إستراتيجية في بورت أو برنس لضمان “أمن” العمليات الإنسانية الرامية إلى تلبية احتياجات منكوبي هايتي، وذلك أسبوع بعد الزلزال الذي خلف مقتل حوالي ١٥٠ ألف شخص على الأقل. ونشرت الولايات المتحدة أكثر من آلاف الجنود تاركة لقوات الأمم المتحدة دورا ثانويا.
وبدأت الأسبوع الماضي عمليات الإنزال المظلية الأولى كما هبطت مروحيات قرب القصر الرئاسي المدمر في بورت أو برنس. وأثار تدفق الجنود المسلحين إلى القصر الرئاسي حساسية بعض الهايتيين الذين رأوا في ذلك مسّا برمز سلطتهم وهويتهم ووصف البعض الأمر بـ”الاحتلال”. وفي صحيفة “لو فيغارو” ذكرت رئيسة وزراء هايتي السابقة ميشال بيار لوي الثلاثاء بالاحتلال الأميركي لهايتي مطلع القرن العشرين متوقعة تصاعد احتجاجات مجموعات اليسار في هايتي. وإضافة إلى الانتقادات المحلية، أثارت التعبئة الأميركية الضخمة من أجل هايتي بعض التوتر على الساحة الدولية، حيث اتهمت فنزويلا واشنطن بالسعي إلى “احتلال” هايتي تحت غطاء المساعدات الإنسانية. من جهة أخرى انتقد نائب الرئيس البوليفي الفارو غارسيا الثلاثاء الماضي إرسال آلاف الجنود الأميركيين إلى هايتي معربا عن خشيته أن تتحول البلاد إلى “قاعدة عسكرية” للولايات المتحدة مطالبا إياها باسم الحكومة البوليفية بالـ”انسحاب”.
وبعد الانتقادات التي برزت مؤخرا في فرنسا اضطرت الرئاسة الفرنسية الثلاثاء إلى التأكيد على أن “فرنسا راضية تماما” عن التعاون الفرنسي الأميركي وترحب “بالدور الرئيسي الذي تلعبه الولايات المتحدة”.
ووجدت فرنسا التي كانت القوة المستعمرة السابقة في هايتي حتى 1804 وتربطها بها صلات تاريخية ولغوية وثقافية، نفسها في موقع حرج أمام العمليات الأميركية الضخمة الجارية لمد يد المساعدة لضحايا الزلزال. واضطرت الرئاسة الفرنسية الثلاثاء الماضي إلى توضيح الموقف بعد الانتقادات التي برزت في الأيام الأخيرة في فرنسا حول ما اعتبر سيطرة الجيش الأميركي على تنظيم عمليات الإغاثة في هايتي.
أعمال عنف
وأشارت التقارير الإعلامية وخاصة محطات التلفزة الأميركية الى تفاقم أعمال السلب والنهب وسط بورت أوبرانس. وأظهرت صور التقطت من عاصمة هايتي مئات المواطنين وهم يحاولون اقتحام المحال التجارية لنهب المواد الغذائية. كما قام عدد من الشبان بالسطو على بعض المتاجر, ما دفع الشرطة للتصدي لهم في محاولة لوقف أعمال السلب والنهب. وتقدر آخر الإحصاءات عدد المشردين جراء الزلزال بنحو نصف مليون, كما ترجح الحكومة أن يصل عدد القتلى إلى مائتي ألف.
ويأتي ذلك فيما استمر وصول المعونات الغذائية على هايتي من مختلف الدول. وقد اصطف سكان العاصمة في صفوف طويلة أمام مراكز توزيع تلك المعونات. كما رمم الميناء البحري بالعاصمة لاستقبال شحنات مساعدات محدودة, وقامت إحدى السفن بتفريغ شحنات من المياه والعصائر والحليب في شاحنات على رصيف الميناء.
الإغاثة تغادر
وبدأت فرق الإغاثة الدولية مغادرة هايتي الخميس الماضي بعد تضاؤل الآمال في العثور على مزيد من الأحياء تحت الأنقاض وقد تم سحب بعض الناجين بلغوا 121 منذ بدء اعمال الاغاثة. ولا تزال مظاهر الحياة الأساسية غائبة في العاصمة أو تكاد لا تعمل، كما تكدس الجرحى في المستشفيات ولم تتوفر مواد التخدير، ما أجبر الأطباء على استخدام مسكنات محلية. وقالت منظمة “أطباء بلا حدود” إن بعض مواقعها الجراحية يضم قوائم بالمرضى تمتد لما بين 10 و12 يوما، وأضافت أن “بعض الضحايا يموتون بالفعل بسبب تقيح الدم”. وتعمل شبكة المياه بالمدينة جزئيا وقد بدأت صهاريج المياه بتوصيل الماء للمخيمات المؤقتة.
وفي إطار تقديم المساعدات نقل جنود من مشاة البحرية الأميركية جرافات وحفارات وشاحنات من سفن حربية إلى شاطئ غربي العاصمة وسلمت قوات على الشاطئ حصص غذاء وأقامت ملاجئ مؤقتة للمشردين.
ويوجد نحو 12 ألف عسكري أميركي في هايتي وعلى متن سفن قبالة سواحلها. أما الأمم المتحدة فأرسلت 2000 جندي إضافي و1500 من قوات الشرطة لبعثة حفظ السلام في شبه الجزيرة وقوامها 9000. كما أفاد مكتب المنظمة الدولية لتنسيق شؤون المساعدات الإنسانية بأن مطار بورت أو برانس يستقبل نحو 150 طائرة يوميا لنقل المساعدات الغذائية والأدوية للناجين.
وفي السياق قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إن هايتي بحاجة ماسة لمساعدات عاجلة في مجال الزراعة. وقال المدير العام للمنظمة جاك ضيوف إن الأولوية لإمداد البلاد بالبذور والمخصبات وغذاء الماشية والأمصال الحيوانية إضافة إلى المعدات الزراعية. وشدد على ضرورة الإسراع بتلك الإمدادات نظرا لفرار الآلاف من العاصمة للمناطق الزراعية وارتفاع أسعار الأغذية.
Leave a Reply