ليس سهلا أن يصير الحزن أممياً.. أن يقف العدو مع عدوه في خندق واحد لإعادة النبض إلى مدينة دفنها الزلزال المدمر في لحظات تحت الركام.
المشهد الهاييتي سطر سفراً من الآلام التي قضت بهولها مضاجع البشرية في أربع زوايا الأرض.
ليس عبثاً أن يدفع الفقراء دوما الضريبة الأغلى في الصراع الأزلي بين البشر والطبيعة. فالفقراء يرابطون دوما عند خط التماس الأول مع الخطر. هم وقود الحروب، وضحايا الكوارث والقربان الجاهز الذي يقدمه الأغنياء على مذبح المصالح، والفدية السهلة التي يقذف بها الأقوياء بين أشداق الغيلان طلباً للنجاة.
ما أظلم الطبيعة عندما تتعامى عن بؤس الفقراء وتسحق أجسادهم في سورة غضب.
هايتي.. نموذج صارخ عن تلك المعركة الأزلية الخاسرة التي يخوضها البشر مع الطبيعة. أمة من تسعة ملايين جلهم من البؤساء يحتشدون على مساحة ضيقة ويعيشون على دولارين في اليوم الواحد!
أمة فقدت حصانتها فوق قشرة الأرض قبل أن تكتشف أنها تعيش فوق فوهة الخطر الداهم من أعماقها.
عشرات الآلاف من أحفاد العبيد، في الجزيرة التي اتخذها المستعمرون القدماء محطة لاستقبال أجدادهم من القارة السمراء قبل نحو قرنين، سقطوا على ذلك الخط الوهمي الفاصل بين الموت الممكن في أية لحظة والحياة المستحيلة في كل الأوقات.
الفقر، البؤس والمرض. الاستغلال. الاستبداد.. “زلازل” كانت تهز الأرض تحت أقدام الهايتيين كل يوم.
لم يكن العالم يستمع الى صرخاتهم ولم ترحمهم لعبة الأمم.
لم ترصد مراصد الدول الغنية أيا من تلك “الزلازل” أو تسجل قوتها على مقياس الانسانية.
نسيهم العالم ونسوا أنفسهم في الجزيرة النائية بعدما سلمت مصائرهم الى ديكتاتور استبد بهم لسنوات طويلة. مئات الآلاف فروا من الجزيرة كما تفر الحمر أمام السباع، انتشروا في أرجاء القارتين الأميركية والأوروبية.. كدوا وأرسلوا الأموال إلى جزيرتهم، بما يعادل المليار دولار سنويا!
يعشق الهايتيون جزيرتهم رغم كل ما ذاقوه من عسف وتنكيل على أيدي المستعمرين، أولا، والحكام المتسلطين تالياً.
طيبون، بسطاء، صلوا بعد الكارثة فوق ركام العاصمة “بورت أو برنس” طالبين الرحمة قبل الغذاء والماء. لكن لوثة بعض المهووسين لم ترحمهم. قذفتهم بتهمة التحالف مع الشيطان.
ما أظلمهم أولئك المهووسين بـ”غضب الرب”، وما أوقحهم عندما يردون على نداء استغاثة بنفثة شماتة.
Leave a Reply