هي إشكالية من الطراز اللبناني الفريد من نوعه، الطراز الطائفي، ولكن هذه المرة ضحيتها فئة الشباب بين عمري الـ 18 و20 سنة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ينهي الطالب المرحلة التعليمية الثانوية في عمر السابعة عشرة وينتسب الى الجامعة اللبنانية أو غيرها، بمقدروه أن يحصل على شهادة في العلوم السياسية أو الاقتصادية أو في الحقوق قبل أن يكمل الواحدة والعشرين من عمره، ولا يستطيع أن يدلي بصوته في الانتخابات النيابية أو البلدية. يستطيع أن يكون عسكريا، بل قبل فترة وجيزة كان يجب على من يبلغ سن الثامنة عشرة أن يؤدي الخدمة الإلزامية في الجيش من غير أن يكون له الحق بقول كلمة بحق الوطن الذي يفديه بدمه ويموت من أجله، ولو رغما عنه. ولأمراء الطوائف دائما تبريراتهم التي لا تلامس إلا مصالحهم الشخصية، حتى لو لم يقولوها جهرا، فهي مسموعة في مضامين خطاباتهم ومفهومة في تجليات حراكهم السياسي.
ووفقا لتلك التبريرات المكتومة، المكشوفة من خلال ربط تخفيض سن الاقتراع بتصويت المغتربين وبحق استرجاع الجنسية للمغتربين، فإن ذلك يؤدي الى خلل ديموغرافي في التركيبة السياسية في بلد يشكل فيه المسلمون ما نسبته 65 بالمئة من إجمالي السكان، بينما يشكل المسيحيون بكافة مذاهبهم ما نسبته ٣٥ بالمئة، وتشكل نسبة الشباب من الفئة العمرية المستهدفة في قانون تخفيض سن الاقتراع (18-21) ما نسبته 5 بالمئة من اجمالي عدد السكان. بالحساب البسيط تزيد القوةالناخبة عند المسلمين بمقدار 3,25 بالمئة بينما تزيد عند المسيحيين 1,75 بالمئة، أي بزيادة اسلامية مقدارها 1,5 بالمئة من اجمالي القوة الناخبة في لبنان. وفي ظل الخلل في الهرم السكاني لصالح المسلمين نتيجة الهجرة الواسعة لدى أغلبية الشباب المسيحيين فإن تلك النسبة مرشحة للوصول الى 2 بالمئة. بالنسبة للمسيحيين فإن ذلك يعني بالمعنى السياسي توطين 30 ألف فلسطيني دفعة واحدة و10 آلاف مع حلول كل سنة، خاصة مع الفشل الذريع للمؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية المسيحية في تخفيض نسبة الهجرة عند الشباب التي إذا أضيفت اليها هجرة الفئات العمرية الأخرى تصبح الهوة الديموغرافية أعمق. إلا أن اسقاط قانون تخفيض سن الاقتراع لا يحل المشكلة بل يؤخر عجلة التفوق العددي للمسلمين ثلاث سنوات هي عبارة عن الفرق بين سن الـ 18 والـ 21، وهي ثلاث نقاط لا أكثر ولا أقل، ستسقط لاحقا بحكم التراكم الزمني، وعليه يجب البحث عن الحل في مكان آخر..
حق الاقتراع للمغتربين قد يحل مشكلة الخلل العددي بين المسلمين والمسيحيين ويقلص الفارق الى حدود معقولة على المدى القريب، ولكن يبقى معالجة الخلل على المدى البعيد بفعل التراكم الزمني، ولو كان هذا التراكم بطيئا. إلا أن تصويت المغتربين دونه محاذير شديدة الخطورة قد تنعكس سلبا على الانتشار اللبناني الذي طالما تباهى به اللبنانيون ونسجوا الأساطير حوله وسطروا بطولات وهمية وبثوا أمجادا من ورق صورت اللبناني وكأنه أول رجل تطأ قدماه سطح القمر، وبعيدا عن المغالاة وأحلام العظمة، ومهما يكن الواقع، فان الموضوعية تقول بأن لتلك التجمعات اللبنانية مصالحها في الخارج حيث وجدت، بدءا من الوجود اللبناني في الولايات المتحدة الأميركية وتحديدا في ولاية ميشيغن، مرورا بأميركا اللاتينية وأوروبا والقارة الإفريقية وصولا الى منطقة الخليج العربي. فلو أنه كان يحق للمغتربين التصويت في الانتخابات النيابية الماضية لحصل ما لا تحمد عقباه على امتداد عالم الانتشار اللبناني. ناهيك عن الخلافات والانقسامات بين أبناء الجالية الواحدة، كيف كان سينتخب مثلا من يدعمون المقاومة في السعودية أو في الامارات (كانت صدفة أن يتم ترحيل أكثر من مئة لبناني من الطائفة الشيعية)، أو تخيلوا مثلا أن نرى مكتبا انتخابيا في مدينة ديربورن للنائب محمد فنيش ومكتبا انتخابيا في فرنسا للنائب نواف الموسوي وآخر في ألمانيا للوزير حسين الحاج حسن..
تصويت المغتربين هو حق للبنانيين، ولكن عندما يتوحدون حول قضاياهم المصيرية وينبذون الطائفية والمذهبية، ويجمعون على قراءة سطر واحد من التاريخ اللبناني دون أن يختلفوا، فإذا كان من بالداخل يستقوي على شريكه في الوطن بالخارج فكيف هي الحال عند من يقيم في عقر دار الخارج ويختلف مع نظيره اللبناني؟
وعليه فإن ذلك الحق يجب أن يُعطى للمغتربين ولكن ضمن ضوابط صارمة تمنع الاستغلال والاستقواء وتمنح كافة الأطراف فرصا متساوية حيث أمكن. وتمنع النشاطات والدعايات الانتخابية حيث تحظر قوانين الدول التي تستضيف المغتربين أحد الأطراف اللبنانية من ممارسة العمل السياسي على أراضيها، وبالتالي تمنع ذاك الطرف من الدعاية والترويج لحملته..
وإذا كان على “اللبناني”، مكتسب الجنسية اللبنانية حديثا، أن ينتظر عشرة سنوات حتى يتمتع بكامل حقوقه المدنية، ومنها حق الانتخاب، ويقال للدلالة لبناني منذ أكثر من 10 سنوات، فكذلك الأمر على المغترب الذي يرغب بممارسة حقه الانتخابي من مكان إقامته في المهجر أن يكون على الأقل قد زار لبنان مرة واحدة خلال العشر سنوات الأخيرة.
أما مسألة استرجاع الجنسية للمغتربين من أصل لبناني فهي مسألة فضفاضة ومطاطة، قد نعرف متى وكيف تبدأ ولكن لا يمكن أن نعرف متى وكيف تنتهي؟ خاصة في ظل الاحصاءات التي تتحدث عن الملايين في أميركا اللاتينية من أصول لبنانية قد ننتهي معها في وطن واحد يتحول إلى ولاية برازيلية عوضا عن منح تلك الملايين الجنسية اللبنانية نزولا عند إرادة الغالبية العظمى والساحقة من “البرازيليين اللبنانيين”…
Leave a Reply