قلة من المحللين والمراقبين السياسيين الذين كانوا يتوقعون شن اسرائيل لحرب واسعة وشاملة على لبنان في تموز عام 2006. حتى ولو قام “حزب الله” بأسر جنديين اسرائيليين فإن ذلك لم يكن ليحرف مسار التخطيط الاستراتيجي لقادة الدولة العبرية، لأن قرارا بحجم حرب لبنان الثانية ليس قرارا عاديا أو انفعاليا أو ردا موضعيا محدودا، إنما يشكل حجر زاوية لمنظومة استراتيجية تتلعق بمصالح اسرائيل “الوجودية” في خضم الصراع العسكري مع الفلسطينيين والمقاومة اللبنانية من جهة، ومع سوريا وإيران من جهة ثانية، في مسعى يتلاقى مع تطلعات الرئيس السابق جورج بوش التوسعية في المنطقة. لم يكن وقتها ما يشير الى نوايا اسرائيلية بشن عملية واسعة على لبنان. نفذت المقاومة عملية الغجر في محاولة لأسر جنود اسرائيليين، فشلت عملية الأسر بالرغم من نجاح المقاومة بالسيطرة على أرض المعركة لأكثر من ساعتين.
كان ذلك قبل أشهر من عملية الأسر الناجحة في 12 تموز 2006، لم تشن اسرائيل حربا على لبنان واكتفت برد موضعي على مسرح العمليات. وعندما أعادت المقاومة الكرة في 12 تموز لم يكن بحسبانها أن تلك العملية ستشعل حربا، بمعنى أوضح.. كانت المعلومات التي بحوزة قيادة “حزب الله” نتيجة علاقاته الاقليمية تشير الى عدم قدرة اسرائيل على شن حرب، كانت تلك القناعة راسخة عند المقاومة، والواقع ان اسرائيل هي التي سعت وعملت على تظهير صورة العجز التي ساهمت بالتأثير على قناعات المقاومة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو الآتي: ما الذي تريد اسرائيل إيصاله الى “حزب الله” بعملية التهويل والترهيب من خلال التسريبات الصحفية المتعمدة والتي تتبنى سيناريوهات عن الحرب المقبلة وعن قدرات “حزب الله” القتالية التي تصل الى حد اجتياح الحزب لقرى ومدن الشمال الاسرائيلي برا وبحرا؟ ما الذي يدفع اسرائيل لرسم صورة مأساوية لجيشها المنهزم أمام جحافل الجيش “الحزبلاهي” الزاحف نحو شمالها؟ المنطق يقول بأن حصول الجيش الاسرائيلي على هكذا معلومات يستوجب منه التحضر والتأهب والعمل بحذر حتى يوقع بعدوه في وسط البحر وليس إنقاذه عبر تحذيره بأن خطته قد انكشفت.
لا يمكن توقع ما ستقوم به اسرائيل، ولكن يمكن استشعار عمق المأزق الاسرائيلي بمواجهة المقاومة ومن ورائها سوريا وايران، بعد أن خرجت الأولى من عزلتها العربية والدولية والتقطت أنفاسها استعدادا لمرحلة جديدة بدأت نذرها تلوح من تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم المحذر من أن أي اعتداء على سوريا أو لبنان سيؤدي الى حرب شاملة في المنطقة تكون رافعتها ايران التي أعيت الغرب لكشف عضالها النووي دون فائدة.
يأتي الدخول السوري على خط المناوشات اللبنانية –الاسرائيلية ليزيل الانطباع الذي كان سائدا بأن “حزب الله” يخوض المواجهة مع اسرائيل بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عمن وكله بالقتال، من غير أن يلقى إلا الدعم السياسي واللوجستي كما حصل في حرب تموز 2006.
تعلم سوريا بأن لا قدرة لإسرائيل على تحمل حرب شاملة تطال قراها ومدنها الآهلة بالسكان، وعقيدة الضاحية التي تهدد اسرائيل بتعميمها على كل لبنان لن يكون بمقدور المقاومة ايقافها الا بأحد أمرين: امتلاك سلاح “الصدمة الأولى” الذي يربك اسرائيل من اللحظة الأولى التي تشن فيها عدوانها ويعيد التوازن الى العمليات العسكرية من خلال المعادلة التي وضعتها المقاومة في حرب تموز، أي بيروت مقابل تل أبيب والضاحية مقابل حيفا، أو من خلال خوض الحرب الشاملة على اسرائيل ودخول سوريا وما بعد سوريا على خط المواجهة.. إذا فشلت المقاومة بتحقيق الأمر الأول إذا وقعت المواجهة مع اسرائيل.. فلا بد من الثاني.
Leave a Reply