واشنطن – مع استمرار تداعيات الأزمة المالية على الاقتصاد الأميركي منعكسة على سوق العمل بشكل أساسي وفي ظل ازدياد العجز الأميركي قدّم الرئيس باراك أوباما، ميزانية عام 2011 للكونغرس الاثنين الماضي، والتي بلغ حجمها 3,8 تريليونات دولار، حاول فيها القيام “بمهمة صعبة للغاية”، تتمثل في خلق التوازن بين الحاجة لمواصلة الإنفاق دعماً للاقتصاد المترنح وخلق فرص العمل، وضرورة كبح جماح العجز المتفاقم.
وتطرح الموازنة إعفاءات ضريبية تصل إلى مئة مليار دولار بهدف مساعدة أصحاب المصالح التجارية الصغيرة ومساعدة أرباب العمل على توفير المزيد من الوظائف، إلى جانب الاستثمار الواسع في مجالات “الطاقة النظيفة” وتطوير البنية التحتية وصيانة الطرقات والجسور.
وواجه أوباما معضلة كبيرة لدى تقديم موازنة البلاد للعام المقبل، فكان عليه أن يفكر في تحفيز الاقتصاد دون التسبب في إفلاس حكومته. وفي طيات التوجهين هناك مخاطر سياسية جمة، فقد يذهب الإنفاق الجديد هباء في حال لم تطرأ تغيرات ملموسة على معدلات البطالة، وربما تعيق محاولات كبح جماح العجز بسرعة كبيرة أو ببطء شديد حالة التعافي الاقتصادي. وحتى في ظل إجراءات تحفيزية لخلق فرص عمل جديدة، يتوقع البيت الأبيض تعافي سوق العمل ببطء شديد، وهو ما سيكون له تأثير كبير على فرص الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام الحالي.
وعلق أوباما في مؤتمر صحفي على الموازنة بالقول: “لا يمكننا مواصلة الإنفاق وكأن العجز ليست له تداعيات.. حان الوقت لتوفير كل ما يمكننا توفيره والعيش وفق مواردنا الخاصة مجدداً”. وأضاف أوباما أن الموازنة تعكس “التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد”، مشيراً إلى أن ما جاء فيها يعالج “حالة عدم المسؤولية التي أوصلت اقتصاد البلاد إلى الأزمة المالية الراهنة”، ووصف العقد الماضي بأنه “فترة تبذير”، وإن كان قد أقرّ بأن العجز لا يمكن تقليصه “بين ليلة وضحاها”.
وقال بيتر أورزاغ، مسؤول شؤون الموازنة في البيت الأبيض: “الاقتصاد الأميركي ما يزال ضعيفاً، لذلك فنحن نركز في الموازنة على توفير الوظائف الجديدة وضمان استقرار الطبقة الوسطى”. وذكر أورزاغ أن تخفيض الضرائب على بعض الشركات سينعكس ارتفاعاً على الأجور التي تعتاش منها أكثر من 110 ملايين عائلة أميركية، وإن بشكل طفيف، مضيفاً أن نفقات إضافية ستبرز بواقع 17 مليار دولار لدعم التعليم الجامعي، وستة مليارات أخرى للتكنولوجيا الصديقة للبيئة، إلى جانب 734 مليون دولار تخصص لشراء آلاف الأجهزة الخاصة بفحص أجسام المسافرين بالمطارات بهدف رصد المتفجرات. وستستغرق عملية إقرار الموازنة في الكونغرس عدة أشهر، باعتبار أنها تحتاج للكثير من النقاش في اللجان المتخصصة، حيث ستعقد جلسات استماع للمسؤولين الماليين بهدف تحديد مدى قدرتها على معالجة المتطلبات الاقتصادية الحالية.
ومن جهته، قال وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيثنر إن زيادة الإنفاق في الموازنة الأميركية الجديدة كانت ضرورية رغم زيادة العجز، من أجل تعزيز سوق العمل. لكن غيثنر اعترف بأنه يجب كبح الارتفاع المستمر للمديونية العامة في السنوات القادمة.
ودافع غيثنر في شهادة أمام لجنة المالية التابعة للكونغرس للعام المالي 2010-2011 الذي يبدأ في أول تشرين الأول (أكتوبر) القادم وانتقدها البعض لأنها لم توجه لخفض الديون الحكومية المتعاظمة.
وتتوقع إدارة أوباما أن يصل العجز في موازنة العام المالي الحالي الذي ينتهي في نهاية أيلول (سبتمبر) القادم إلى 1,6 تريليون دولار أي نحو 10,6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وأن يصل إلى 1,3 تريليون دولار في العام المالي 2010-2011. وأكد غيثنر ومشرعون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ضرورة خفض العجز مع مرور الوقت، لكنهم اختلفوا حول مدى السرعة والكيفية.
وقال السيناتور الجمهوري تشارلز غراسلي إن الموازنة تعكس المخاطر المالية التي تواجهها البلاد. وأضاف أن اقتراحات أوباما ستعيق النمو الاقتصادي عن طريق زيادة الضرائب على الشركات وعلى الأغنياء بالولايات المتحدة. لكن السيناتور الديمقراطي ماكس بوكاس رد بالقول إن الموازنة تركزت بصورة مناسبة حول إنعاش سوق العمل عن طريق تقديم حزمة من التحفيزات للشركات الصغيرة لتشجيعها على التوظيف.
ويقول منتقدون إن أوباما أنفق أقل مما يجب لإنعاش نمو قطاع التوظيف، كما أن عجز الحكومة لا يزال أكبر من أن يهدئ من روع السوق. وتقول جودي غريغ زعيمة الجمهوريين في لجنة الموازنة بمجلس الشيوخ “أرسل لنا الرئيس موازنة أشبه بسابقاتها، موازنة تبدو مسؤولة من الناحية المالية.. لكن ما تحت السطح ينطوي على مزيد من الإنفاق.. مزيد من الاقتراض ومزيد من الضرائب”.
ولكن لجنة مراقبة الموازنة المستقلة وجهت الكثير من الانتقادات لهذه الخطط، واصفة إياها بأنها “محاولة لإفراغ البحر بملعقة”، باعتبار أن المبالغ التي ستوفرها الحكومة في هذا المجالات ستعود لتنفقها في تمويل الحروب والأغراض الدفاعية. فالموازنة الدفاعية لعام 2011، وزادت بنحو 44 مليار دولار عن العام الماضي لتصل إلى 708,8 مليار دولار.
Leave a Reply