القدس المحتلة – فجّر التلفزيون الإسرائيلي فضائح الفساد في السلطة الفلسطينية بعرضه بالصوت والصورة مشاهد استغلال جنسي ووثائق تظهر نهب عدد من المسؤولين للأموال العامة. ورغم أن قضية “شريط الفيديو” الجنسي وقضايا الفساد ليست بالأمر المجهول، لكونها معروفة ومتداولة في الأوساط الفلسطينية منذ وقت طويل، إلا أن كشفها بهذه الصورة أثار سجالا حول الدوافع. وقد اتهمت مصادر السلطة الفلسطينية من يقف خلف كشف الفيديو والوثائق بالمشاركة في مؤامرة إسرائيلية تستهدف ثني الرئيس محمود عباس عن التمسك بمواقفه من المفاوضات.
ومن جهتها اتهمت السلطة الفلسطينية إسرائيل بتدبير حملة إعلامية للضغط عليها من أجل استئناف المفاوضات وهددت بملاحقة القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي بعد بثها التقرير.
ويقف في صلب قضية كشف قضايا الفساد هذه، ضابط في المخابرات العامة الفلسطينية من القدس الشرقية يدعى فهمي شبانة التميمي. ورغم أن عددا من الأوساط الفلسطينية تشدد على أن شريط الفيديو ذاته الذي نشر التلفزيون الإسرائيلي مقاطع منه كان وراء إقصاء اللواء توفيق الطيراوي عن رئاسة المخابرات العامة قبل عام، إلا أن هناك من يقول أن الشريط مفبرك.
والواقع أن الحديث في الغالب يدور عن شريط يدخل فيه مدير مكتب الرئاسة الفلسطينية رفيق الحسيني غرفة نوم امرأة تقدمت للعمل في ديوانه فيطالبها بمقابل جنسي. ويبدو أن المرأة مدفوعة لطلب العمل من جانب جهاز المخابرات العامة، ما أتاح لأفراد الجهاز تصوير الأحاديث التمهيدية وصولا إلى خلع الملابس حيث تم ضبط الحسيني عاريا. غير أن الأهم في القضية هو وثائق الفساد التي تتعلق بشراء الأراضي بمبالغ خيالية يذهب قسم كبير منها إلى جيوب المسؤولين، وتحويلات مصرفية بملايين الدولارات لحسابات كبار المسؤولين الخاصة.
ومن بين أهم النقاط التي يثيرها فهمي شبانة في المقابلات التي أجراها مع التلفزيون الإسرائيلي حول هذه القضية تعامل الرئيس محمود عباس. إذ يشير إلى أنه بعد عرض قضية الحسيني مع الإثباتات، انفجر غاضبا على من عمدوا إلى التصوير وأوقعوا الحسيني “في الشرك”، وليس على الحسيني نفسه. كما أنه لم يجر تحقيق في قضايا الفساد التي أثيرت في ديوانه وبقي الحسيني في منصبه حتى اليوم.
ويتهم فهمي شبانة أبناء الرئيس عباس ورئيس الحكومة سلام فياض وكبار المسؤولين الفلسطينيين بالفساد. ويقول أن الأطهار بينهم يعدّون على الأصابع، وأن هناك نظام إفساد متكاملا. ويشير إلى التعاون بين الفاسدين في السلطة وإسرائيل ضد كل من يحاول مكافحة الفساد. ولهذا يبين أن الشرطة الإسرائيلية اعتقلته ووجهت إليه أربع تهم بينها ملاحقة رفيق الحسيني.
ونقلت صحيفة “معاريف” عن مصادر فلسطينية قولها أن شبانة شعر بالخيانة، وانه يعتقد ان كبار رجالات السلطة، إلى جانب اسرائيل، حاكوا له ملفا كي ينتقموا منه ويسكتوه. والآن هو يهدد بالانتقام من أولئك الفاسدين، على حد تعبيره، والكشف عن هوياتهم.
ويشير شبانة، بين قضايا مختلفة، إلى قضية شراء أراض في القدس من إسرائيلي، ومقدار الفساد الذي كان فيها. ويعرض وثيقتين إحداها بالعربية، تظهر المبلغ المطلوب من السلطة دفعه وهو بقيمة مليونين و300 ألف دولار، والمبلغ المدفوع للإسرائيلي وهو أقل من نصف مليون دولار. والفارق بين المبلغين ذهب لجيوب المسؤولين الفلسطينيين.
ووجه شبانة تهديدا للسلطة الفلسطينية بأنه سيكشف كل ما في حوزته من وثائق بعد أسبوع، إذا لم تبادر السلطة إلى طرد الفاسدين من صفوفها والشروع بحملة لحماية المال العام. ويدعي شبانة بأنه يمتلك آلاف الوثائق، بعضها تثبت أن كبار مسؤولي السلطة وضعوا في جيوبهم ملايين الدولارات من أموال التبرعات التي وصلت من الخارج لأجل رفاهية الشعب الفلسطيني. واعتبر أمين عام الرئاسة الطيب عبد الرحيم أن الحملة المسعورة التي بدأتها بعض أجهزة الإعلام الإسرائيلية لم تفاجئ السلطة الوطنية. وقال إن حملة التلفزيون والصحافة بدعم من بعض الأوساط الحكومية الإسرائيلية عادت لتجتر أكاذيب وقصصا باهتة على لسان ضابط صغير سابق في جهاز المخابرات الفلسطينية تمت إقالته منذ أكثر من عامين من موقعه، بعدما افتضح تورطه في التعامل مع الجانب الإسرائيلي، وبعدما قام بتجاوزات ومخالفات عديدة تخل بالأمانة والشرف.
وأضاف عبد الرحيم، إن النائب العام الفلسطيني أصدر مذكرة إحضار بحق شبانة في الثامن من حزيران العام 2009، وهي مازالت سارية المفعول، وذلك للتحقيق معه في ما كان يزعمه ويروج له ويحاول من خلاله الإساءة للسلطة الوطنية، لافتاً إلى أنّ أجهزة الأمن الفلسطينية حاولت القاء القبض عليه، لكنه كان يحتمي، ولا يزال، بحيازته الهوية الزرقاء لمواطني القدس، ويزعم بأن السلطات الإسرائيلية قد فرضت عليه الإقامة الجبرية، وأنه لا يستطيع الحضور إلى مناطق السلطة الفلسطينية.
وأكد عبد الرحيم ان السلطة الوطنية، وبتعليمات من الرئيس، قد بادرت منذ ما يقارب الخمس سنوات إلى التحقيق حول أملاك في القدس قد تم بيعها من بعض العملاء وضعاف النفوس للإسرائيليين، وذلك من أجل استعادتها لإفشال المخطط الإسرائيلي في تهويد المدينة المقدسة.
وأضاف إن جهاز المخابرات العامة كان قد كلف الضابط المذكور في حينه بجمع المعلومات حول تلك الأملاك والأموال والمتورطين فيها في مدينة القدس، لكنه قام بتجاوزات وعمليات ابتزاز، كانت نتيجتها أن أصدر الرئيس الفلسطيني أمراً بإحالته للنيابة العامة في ذلك الوقت، حيث ثبت أن المتورطين في تلك الأعمال قد هُرّب جزء منهم إلى إسرائيل، وأنهم يحملون الهوية الزرقاء، بينما هُرّب الجزء الآخر إلى الخارج ومازالت السلطة تحاول جلبهم مستعينة بالأنتربول، وقد نجحت في جلب بعضهم.
وأضاف الأمين العام للرئاسة الفلسطينية: “لم نستغرب الحملة التي تقوم بها بعض أجهزة الإعلام الإسرائيلية بالتنسيق مع بعض الأوساط في الحكومة الإسرائيلية ضد السيد الرئيس والرئاسة والحكومة وكل الأخوة الذين يقومون بجهد مشهود له ضد المخطط الإسرائيلي في القدس، فقد استفزتهم وأزعجتهم المواقف الوطنية الثابتة والشجاعة التي وقفها السيد الرئيس والحكومة وكل فصائل العمل الوطني ومؤسسات السلطة والشخصيات الوطنية من خلفه في رفض التفاوض في ظل استمرار الاستيطان في القدس ووضع القدس على رأس جدول اهتماماتها وأولوياتها”.
Leave a Reply