معظمنا قد سمع أو شهد قصة عن أحد يمشي أو يتكلم في نومه. وفي العادة يخشى على من يمشي في نومه من أن يؤذي نفسه دون ان يشعر، أو يتحول ذلك الشخص الى موضوع تندر لما قد يقوله في نومه دون ان يعلم. وقد يحدث أن يقول أشياء معيبة بحق الآخرين تنبئ عما في عقله الباطني، ومع ذلك يسامحونه فهو لا يعلم ما يقول. كأن اللبنانيين وساستهم كانوا خلال السنوات الخمس الماضية في حالة هلوسة كتلك التي ذكرت، وانطلاقا من القاعدة الفقهية “ليس على المجنون أو المريض حرج”، فلا بد لنا نحن المواطنين الذين تحملنا أذى وانحدار مستوى السياسيين وتراشقهم بالشتائم على مسامعنا، لابد لنا أن نسامح ونغفر، لا بل أن نتصرف كأن لا شيء قد حصل.
قد يقول البعض أن وضع البلد بدأ يتحسن فلِمَ ننكأ جراح الماضي؟ حسنا فلنتكلم في الحاضر، مع اني غير مقتنع بأن موجة الجنون تلك لن تعاودهم. إذاً استفاق اللبنانيون ورعيانهم من السياسين، وبدأت الاقتراحات والمشاريع الطموحة والمصالحات وحفلات التبويس والسفرات المكوكية، ودخلنا اليوم في سجال الغاء الطائفية السياسية، ويا لها من خطوة جبارة تلك، تذكرنا أن نقترحها اليوم بمناسبة الذكرى العشرين لتوقيع اتفاق الطائف. انقسم اللبنانيون بين مؤيد ومتحفظ ومعارض، وانشغلت ماكينة “التوك شو” اللبنانية بذلك الموضوع.
على المقلب الآخر، الحكومة منشغلة بالسفرات والمشاوير وعقد اللقاءات وعرض الأوضاع، لكن الحق يقال أننا اليوم نستطيع بفضل جهود الرئيس سعد الحريري أن نذهب إلى تركيا لننسى “سنوات الضياع” وننعم بـ”نور” الكهرباء، ونهرب من “وادي الذئاب” الذين لم يبقوا على أجسادنا لحما، وكل ذلك بدون تأشيرة دخول!
أيضا انشغل قسم آخر من اللبنانيين بحملة تزفيت وتعبيد طريق الشام. وانحبست الأنفاس وانعقدت الآمال على الزيارة المترقبة لوليد بك الى الشام، وبدأت التوقعات لمعرفة عدد القبلات التي سيتلقاها من الرئيس الأسد، وهل سيقود به السيارة كما فعل مع عون والحريري أم لا!
في مكان آخر هنالك من يريد أن “يربي” الشباب ما دون الثامنة عشرة قبل اعطاءهم حق الاقتراع، وكأن انزالهم الى الشارع مراراً وتكراراً واستعمالهم كرافعات شعبية لا يكفي، ولا يكفي دفعهم الى التضارب في الجامعات والمعاهد لاجل تحقيق نصر اعلامي لفريق دون أخر.
حقا لا يوجد رأي عام حقيقي في وطننا، لا يوجد حس نقدي لا طائفي.. بلمح البصر انشغل اللبنانيون كما يريد ساستهم بالشعارات. ونسوا أنهم يدفعون ثمن كل شيء غاليا. حتى نشرة الأخبار والتمتع بطلة الزعماء البهية يدفع ثمنها عبر اشتراك “المولد” والكهرباء المعدومة. لقد نسوا أنهم يدفعون من اعصابهم وأموالهم ثمن أمن المسؤولين مع كل ليتر بنزين يصرفونه في عجقة السير أو ليجدوا موقف سيارة قرب بيوتهم، كل ذلك لأن المسؤولين ومن لف لفهم قرروا اغلاق الشوارع ومنع الوقوف على جنب الطرق قرب بيوتهم ومقراتهم حتى غدت العاصمة أشبه بالمتاهة. نسي المواطنون أنهم هم من يدفع فاتورة المستشفى وحتى تكاليف الجنائز وثمن الدم بعد كل إشكال حزبي أو طائفي يدخلهم زعماؤهم فيه. نسوا أنهم هم من يدفع أقساط المدارس والجامعات التي بات الدخول اليها طائفيا أيضا (لم لا تلغى الطائفية في الجامعات والمعاهد أولا) حتى يمن فيما بعد الزعيم على أبنائهم بتعيين أو وظيفة. نسوا كل ذلك وفرحوا بالغاء تأشيرة دخول وبالحديث الحلم عن الغاء الطائفية، وزيارة زعيم واستقبال آخر.
استفيقوا من نومكم والا ستخلدون في سباتكم الى الأبد.
Leave a Reply