لم يعد مستغرباً في هكذا بلد، حجم الفضائح والألغاز المبهمة والملفات التي لم يوجد لها حل، أو الجرائم التي قيدت ضد مجهول رغم أن فاعلها ظاهر وليس مستتراً.
فهذا الوطن الذي شبّه لهم وبني من قبل الفرنسيين والفريسيين على أساس المناعة ضد المواطنية والحداثة والشفافية والمسؤوليات والواجبات وعلى أساس الطائفية السياسية البغيضة (التي هب اليوم القاصي الكياني والداني المغرر به للدفاع عنها)، متخم بالقضايا الشائكة التي تظهر العجز المدقع عن معالجتها من قبل وطن “الحرية والسيادة” وثورة “الرز” البوشية، من دون مساعدةٍ خارجية، في وقتٍ يكون هذا الخارج هو أصل المشكلة! فمنذ فضيحة صواريخ “كروتال” الفرنسية وبطلها الجنرال أميل البستاني عام ١٩٧٢ (ومنهم من يقول لفّقها له مدير مكتبه آنذاك جوني عبدو)، إلى حادثة عين الرمانه، ومجازر “السبت الاسود” إلى ملف المعتقلين لدى “القوات اللبنانية” (!)، إلى ملف الحروب الأهلية باكملها والتي لم تجر مراجعة نقدية لها بحثاً عن الأسباب والمفاعيل والمشاكل والآثار والنتائج الوخيمة التي نجمت عنها، من أجل عدم تكرارها كل عشر سنوات، إلى الملفات الحديثة من نهر البارد إلى “المال السعودي” وتصرف السنيورة به، إلى ملف المهجرين وفضيحة فتفت في ثكنة مرجعيون والرمل العالي والاغتيالات السياسية وحتى مكب النفايات والمعدات الإسرائيلية في صيدا والشبكات الموسادية وصولاً إلى فضيحة ألطائرة الأثيوبية المنكوبة! كل هذه الفضائح طُمرت أو لُفلفت أو بقيت معلقة بدون حل!
فقد مر أكثر من ثلاثة اسابيع على حادثة الطائرة والفوضى والتناقضات ضاربةً أطنابها في بلدٍ غير مهيئ لأي طارئ أو كارثة من أي نوع. أهالي الضحايا المحترقة قلوبهم على خيرة الأبناء والبنات يعاملون بقسوةٍ وغلظة تزيدهم هماً على هم. أما الشهداء من الضحايا المرحومين فقد عوملوا من قبل “الدولة المسؤولة” بأسوأ مما عوملوا في الحياة بعد أن امتنعت شركة “الحوت للطيران” عن بناء خط جوي مباشر الى المدن الأفريقية التي توجد فيها جاليات جنوبية مكتظة، كما تفعل مع باقي الجاليات الأخرى في أوروبا والاميركيتين. فالصندوق الأسود، الذي كان غاية المبتغى لمعرفة آخر إتصالات جرت بين طاقم الطائرة وبرج المراقبة، عثر عليه بعد جهدٍ جهيد وبعد أن قيل أنه وجد في الأيام الاولى للبحث ولكن أخفي الأمر، ثم أرسل إلى فرنسا لتحليله لأن لبنان لا يملك خبيراً واحداً يقوم بتحليله (فالمعنيون في مراكز الخبرة موجودون لا بسبب مواهبهم أو كفاءاتهم بل على أساس قاعدة التوزيع الطائفي ٦و ٦ مكرر).
ثم لماذا يرسل “الصندوق الأسود” إلى فرنسا مثلاً؟ وهل نثق بـ”فرنسا-ساركوزي” لكي تعطينا الجواب الشافي، وهي حمت “الشاهد” الكاذب محمد زهير الصديق ورفضت تسليمه إلى لبنان رغم تسببه باعتقال الضباط الأربعة، ثم بعد أن إنتهى مفعوله “إختفى” من تحت نظر الإستخبارات الفرنسية لكي يظهر لاحقاً في الإمارات؟! وماذا لو إحتوى الصندوق على أدلةٍ دامغة تدين إسرائيل، حليفة ساركوزي المفضلة؟! ألم يزل لسان الوزير خليفه ويقول بـ”إنفجار” الطائرة في الجو ثم إضطر أن يصحح قوله لاحقاً؟ ثم لماذا أصر جميع المسؤولين في بداية الكارثة على استباق التحقيق وقبل العثور على “الصندوق الأسود” وأجمعوا على استبعاد “التخريب” المتعمد أو إنفجار الطائرة بالرغم من وجود علاماتٍ ودلائل تشير إلى أصابع الانفجار الواضحة. هناك شريحة واسعة من الناس تعتقد أن الطائرة قصفت بصاروخ أثر إقلاعها لسببين: اولهما أنها كانت تقل على متنها مهاجرين لبنانيين ممن لهم أيادٍ بيضاء في الجنوب اللبناني من ناحية الصمود والدعم المالي لأبناء جبل عامل رغم التقصير الحكومي. وثانيهما أن تدفق القطع الحربية على لبنان “للمساعدة” (ومن الحب ما قتل) بهذا الشكل المريب ليس حباً بلبنان فقط من دون هاييتي، بل من أجل إحكام الطوق الدولي على الشواطئ البحرية اللبنانية ومراقبة الآتي والذاهب ربما للتمهيد لضربةٍ. أن السببين اسرائيليان بإمتياز حيث تعمل إسرائيل منذ زمن على محاربة نفوذ اللبنانيين في أفريقيا وإعادة تموضعها هناك مما تسبب بطرد عائلات جنوبية من عدة مدن أفريقية بينما الدولة العلية في سباتٍ عميق! وحسب المصادر العليمة فإن إسرائيل بهذا العمل تختار أسلوب الحرب غير التقليدية بسبب فشلها في العدوان التقليدي لكن تجري الرياح…
وبينما الناس الثكالى في إنتظار مؤلم لتسلم جثامين احبائهم تستمر الحياة في لبنان وكأن شيئاً لم يكن. وللاسبوع الثالث لم نسمع تعزيةً من بعض المراجع بل تبشيراً بحرب إسرائيلية على طريقة “حالات حتماً” وحرباً كلاميةً شعواء على سوريا التي ارتكبت “معصية” الإحتفال بذكرى مار مارون في براد بحضور من لم يعتبرهم البطرك من طائفته! ذلك أن البطرك في تصريحه لمجله “المسيرة” القواتية (التي يبدو أنها مجلته المفضلة) قال أنه لن يذهب إلى سوريا إلا وطائفته معه. ان الطائفة هي سمير جعجع فقط وليس إميل لحود وميشال عون وسليمان فرنجية. لقد صدق هذا الأخير حين قال أن مار مارون يجب أن يحصل على الجنسية ألأميركية لكي يأتي البعض إلى براد! فهذا البعض رفض أن يلاقي يوحنا بولس في دمشق أثناء زيارته التاريخية لكنه لم يجد غضاضةٍ في لقائه في عمان. فكله إلا سوريا.
Leave a Reply