ديربورن – خاص “صدى الوطن”
طارق عبدالواحد
أصدر “مجلس الفقه في أميركا الشمالية”، في 9 شباط (فبراير) من الشهر الجاري، فتوى تعارض الإجراءات المستحدثة مؤخراً في عدة مطارات في الولايات المتحدة وأوروبا. وتشتمل الإجراءات على إخضاع المسافرين إلى أجهزة تفتيش خاصة تتيح تصوير ما تحت الملابس وتقديم كشف مفصل عن أجسام المسافرين، عبر تقنية فحص شعاعية.
وكانت بعض المجموعات الدينية وبعض المؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان قد عبرت عن قلقها وعدم موافقتها على تلك الإجراءات كونها تتعارض مع الخصوصيات والحريات الفردية والكرامة الإنسانية.
وأكد “مجلس الفقه” أن استخدام مثل تلك الأجهزة يتعارض مع التعاليم الإسلامية والمنطق الطبيعي، كما يتعارض مع تعاليم الأديان الأخرى والثقافات المتنوعة التي تركز على قيم “الحشمة” و”الحياء” و”العفة”.
ووصفت الفتوى أن استخدام تلك المعدات والأجهزة فيه “مخالفة وانتهاك واضح لتعاليم الدين الإسلامي” الذي حرّم على الناس، رجالاً ونساء، أن يظهروا عراة أمام أشخاص آخرين، رجالاً كانوا أم نساءً.
وأكد البيان الصادر عن المجلس، أن الإسلام يولي ثيمة “الحياء” أهمية خاصة ويعتبرها جزءاً من الإيمان، فالقرآن الكريم يأمر المؤمنين رجالاً ونساء بستر وتغطية مناطق معينة في أجسادهم.. وهو الأمر الذي شددت عليه الآيات الكريمة: 7:26-27، 24:30-31، 33:59.
واستثنت الفتوى بعض الحالات القصوى، ورأت أنه لا بأس من الخضوع لإجراءات الفحص والتفتيش عبر الأجهزة الماسحة (التي تتيح رؤية الأجسام) في حالات الاشتباه القصوى، والتحقيق في بعض الجرائم، وفي حالات الخطر المتوقع والمحتمل مع التأرجيح بحصوله.
ونوّه البيان “أنه يشيد بجميع الخطوات والإجراءات المتبعة من أجل ضمان سلامة المسافرين وحمايتهم، ولكنه بالمقابل يبدي قلقه حيال أجهزة التفتيش والفحص الشعاعية الماسحة”.
واقترح “مجلس الفقه”، أنه بدلاً من معاينة جميع أجساد المسافرين، فإنه يمكن استخدام بعض البرامج الكمبيوترية التي من شأنها أن تظهر صور المواد المشتبه بها فقط، كما يمكن استخدام أنواع أخرى من التكنولوجيا من شأنها أن تكشف عن وجود المواد الغريبة والمواد القابلة للاشتعال والانفجار، بدلاً من استخدام الأجهزة الفاحصة بشكلها الحالي الذي ينتهك خصوصيات المسافرين ويتعدى على مشاعرهم وينتهك حرماتهم. وأشار البيان أن هذا الأمر ممكن من حيث المبدأ وقد أشار له عدد من المسؤولين الأوروبيين.
جدير بالذكر أنه ليس من الملزم خضوع المسافرين إلى أجهزة التفتيش تلك، التي تبدي الأجساد عارية (إلا في حال الضرورة القصوى)، بحيث أن المسافرين يمكنهم اختيار طريقة التفتيش الشخصي من قبل مفتشين يقومون بالتفتيش اليدوي (باستعمال الأيدي من فوق الملابس). ودعا البيان المسافرين المسلمين إلى اختيار طريقة التفتيش الشخصي بدلاً من الخضوع لتصوير الأجهزة الشعاعية الماسحة.
ردود أفعال
وفي أولى ردود الفعل على الفتوى التي أطلقها مجلس الفقه، علّق “مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية” (كير) بالقول “إننا ندعم هذه الفتوى”. وقال المدير التنفيذي في مجلس العلاقات نهاد عوض: “إننا ندعم فتوى وبيان مجلس الفقه المتعلق بآليات التفتيش المستحدثة في المطارات، ونعتقد أن الحقوق الدينية والشخصية للمسافرين يمكن أن تبقى مصانة ومأخوذاً بها بعين الاعتبار، حتى في حال تطبيق إجراءات الأمن والسلامة”.
وفي اتصال لـ”صدى الوطن” أكدت “إدارة سلامة النقل” (تي أس آي) وجود بدائل تفتيش شخصية وتقنيات أخرى متاحة أمام المسافرين في الوقت الذي دافعت فيه عن استخدام الماسحات الضوئية.
وقال الناطق باسم الإدارة: إن تقنية التصوير (المسح) الضوئي هي اختيارية لكل المسافرين. وأضاف: إن المسافرين الذين لا يرغبون بالخضوع لتقنية المسح الضوئي سوف يحصلون على بدائل تفتيش أخرى موازية يمكن أن تتضمن التفتيش الجسدي (من فوق الملابس) وتقنيات أخرى موضحة أن هذا النوع من التفتيش يجريه رجال أمن تابعون لإدارة سلامة النقل من الجنسين، وبما يتفق مع جنس المسافر الخاضع للتفتيش.
خلفية الإجراءات الأمنية المستحدثة في المطارات
جدير بالذكر أن الإدارة الأميركية بادرت إلى اتخاذ اجراءات أمنية جديدة في مطاراتها، وفتحت باب النقاش حول فعالية أجهزتها الأمنية وسبل التواصل بينها. وقد تولى الرئيس الأميركي باراك أوباما تلك الحملة في ظل تعرضه لانتقاد الجمهوريين لـ”تساهله” مع الإرهاب على خلفية ما سمي بـ”عملية طائرة ديترويت”، وهي العملية التي اتهم على أثرها النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب بمحاولة تفجير طائرة شركة “نورث وست ايرلاينز” الاميركية التي أقلعت من امستردام، عشية عيد الميلاد الماضي.
وتناقلت الأخبار وقتها أن محاولة تفجير الطائرة قد أُحبطت بسبب تدخل الركاب الذي انتهبوا للأمر وسارعوا إلى السيطرة على عبدالمطلب.
وفي ردة فعل على الحادثة عمدت السلطات الأميركية إلى اتخاذ اجراءات فورية حيث أعلنت واشنطن عن تشديد إجراءاتها لمراقبة المسافرين القادمين لأراضيها من 14 دولة معظمها عربية وإسلامية. وقال مسؤول في الإدارة الأميركية إن المسافرين القادمين من أو عبر دول معينة هي: إيران والسودان وسوريا وأفغانستان والجزائر والعراق ولبنان وليبيا ونيجيريا وباكستان والسعودية والصومال واليمن -بالإضافة إلى كوبا- سيواجهون فحوصا مشددة عبر وسائل تكنولوجية متقدمة منها الماسحات الضوئية ثلاثية الأبعاد التي تم تركيبها مؤخراً في بعض المطارات والتي من شأنها أن تكتشف وجود أي شيء مثبت على جسم المسافر.
وفي اتصال هاتفي مع السيد حسن القزويني إمام “المركز الإسلامي في أميركا” وأحد أعضاء “مجلس الفقه” أوضح أن “الفتوى تقترح على المسلمين ألا يقبلوا إجراءات التفتيش عبر الماسحات الضوئية كونها تكشف عورات المسافرين”. وشدد القزويني على أن “الفتوى ملزمة من الناحية الشرعية إذ يحرم على المسلمين إبداء عوارتهم أو الكشف عنها أمام الآخرين”. وأضاف “أن السلطات في المطارات تعطي الخيار للمسافرين، وعلى المسلمين أن يختاروا التفتيش الجسدي إلا في حال الإجبار، ففي حالات الإجبار يرتفع التكليف عن المسلم”.
وقال السيد القزويني: إن الفتوى تستند على آيات واضحة في القرآن الكريم ومنها الآيات الواردة في سورة النور، إضافة إلى الأحاديث النبوية الشريفة. ونوه القزويني أن هناك إجماعاً بين علماء المسلمين على ألا يتهاون المسلم بكشف عورته في سياق التركيز على قيم العفة والحشمة والحياء، وهي مبادئ يوليها الإسلام مكانة وأهمية مميزة.
وذكر القزويني أن “مجلس الفقه في أميركا الشمالية” هو عبارة عن مؤسسة أسسها وترأسها الدكتور الباحث طه جابر العلواني قبل 15 عاماً، ويترأسها الآن الدكتور مزمل صديقي، وهي تضم 14 عضواً يمثلون كافة المذاهب الإسلامية الموجودة في الولايات المتحدة.
Leave a Reply