نستذكرفي هذه الأيام العصيبة الزعيم الراحل الرئيس حافظ الأسد، رحمه الله، كلما نظرنا إلى هذه الشلة من رؤساء الأنظمة العربية الحاليين الزاحفين على بطونهم وظهورهم من الذين باعوا القضية وتملقوا أسيادهم إلى أقصى حد من الرياء والتزلف فحولوا العدو الى صديق، والعكس صحيح، وبذلوا كراماتهم على مذبح سيدهم وأضاعوا الحقوق وقدموا التنازلات تلوالتنازلات كرمى لعينيه اللتين لم تريا إلا إسرائيل كدولة عنصرية يهودية.
سوف يذكر التاريخ حتماً، بعد موت الإعلاميين المرتزقة الذين اشتراهم “النظام العربي الرسمي” والذي يبخرون له في هذه الأيام الرديئة، كيف إستقبل أشد رؤساء أميركا تعصباً لإسرائيل وتأييداً لها- حتى أكثر من عتاة متطرفيها- بالترحاب والعناق ورقصة السيف والترس بعد العدوان الإسرائيلي على بلدٍ عربي شقيق في تموز ٢٠٠٦. وسوف يذكر التاريخ جيداً كيف كانت وزيرة خارجيته، التي روجت للعدوان الهمجي بولادة “شرق أوسط جديد” والتي قبل فؤاد السنيورة وجنتيها السمراوتين، تجتمع برؤساء المخابرات في ست دول عربية كإجتماع الناظر بتلاميذه الصغار تماماً كما اجتمعت مع صيصان “١٤ آذار” في عز المجازر الإسرائيلية! وبالمناسبة فإن الدول الخليجية التي انشأت علاقاتٍ تجارية مع إسرائيل، تحت أعذارٍواهية، تدفع اليوم جزية أمنها وكرامتها بعد إغتيال القيادي الفلسطيني محمود المبحوح في الإمارات (شاهدوا عملية القتل الموسادية على “يوتيوب” بالصورة). فإسرائيل لا تراعي حتى أميركا، ولية نعمتها، عندما يتعلق الموضوع بأمنها فهل ستراعي أنظمة عربية بالية كانت حتى الأمس عدواً لها ولو بالاسم؟! إذاً، فليتوقع “المطبعون” إن تصبح كل ارضهم والأراضي العربية مباحة لإسرائيل!
غير أننا لا نذكرالأسد بالخير فقط لأنه حافظ على ما تبقى من كرامةٍ عربية أو بسبب ثباته على القضية العربية المقدسة (رغم بعض الهفوات في لبنان الذي تركه لفريق خدام يعيث فيه فساداً ورشوةً وشطارة لبنانية) حيث رفض أن يستدعى إلى واشنطن كغيره من الحكام بل أجبر رؤساء أميركا على ملاقاته في بلدٍ حيادي ثالث إن لم يكن في دمشق. اننا نذكره بالعزة لأنه كان أول رئيس عربي، بعد الزعيم الكبير جمال عبد الناصر، يسعى لتحقيق التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل. إلا أن الظروف الموضوعية المرتبطة في ذلك الوقت بالكتلة الإشتراكية وعلى نافوخها الإتحاد السوفيتي لم تسعف في تحقيق هذا الحلم كاملاً. أما اليوم، فإن الرئيس الأسد لا شك سيكون مغتبطاً جداً لوعلم ماذا حل بمسألة التوازن الإستراتيجي كما كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري سيكون مثلج الصدر!
ذلك أنه رغم إستمرار تفوق إسرائيل العسكري على كل الدول العربية مجتمعةً، إلا أنها عاجزة عن الإنتصارعلى بلدٍ ضعيفٍ مثل لبنان. وحتى لو لم ينجز التوازن العسكري مع إسرائيل بالكامل فإن توازن الرعب أصبح موجوداً بقوة ولم تعد إسرائيل تذهب إلى الحرب وكأنها ذاهبةً إلى نزهة (من يذكر أثناء حرب تموز ٢٠٠٦ كيف امتنعت إسرائيل عن ضرب بيروت ليس كرمى لدموع السنيورة بل بسبب معادلة تل أبيب مقابل بيروت). حتى قرار الحرب لدى قيادتها، الذي كان كشربة الماء في السابق أو piece of cake، أصبحت دونه محاذير كثيرة ومخاطر أكثرعلى الجبهة “الداخلية”. إذاً، إسرائيل عاجزة عن تحقيق (فرض) “السلام”، رغم وجود “أشخاص” مثل محمود عباس وسلام فياض وفؤاد السنيورة وسمير جعجع ووجود مبادرة السلام العربية التي قيل لنا أنها لن تظل على الطاولة طويلاً (ما المدة الزمنية لسحبها يا ترى؟ وماذا نزال ننتظروها هي إسرائيل تضرب في عمق الخليج وعقر داردولة عضو في “مجلس التعاون”؟!). كما أنها أصبحت اليوم عاجزة عن تحقيق النصر العسكري الحاسم ناهيك عن منع تدميرها وإنهاء كيانها، وهو إحتمال مطروح لأول مرة في تاريخها الحافل بالإجرام وليس مثل دعايتها الكذبة أمام الغرب بان العرب يريدون رميها بالبحر. والسبب ببساطة أن إسرائيل لا يناسبها السلام، فما بالك إذا كان سلاماً عادلاً وشاملاً؟ فمن أين سيأتي المال الأميركي والغربي وكيف تشحذ النفوس والفلوس إذا لم تبق إسرائيل في حالة حربٍ دائمة وسط دولٍ عربية معادية، ولو أن بعضهم إستبدل العداء لها بالعداء لإيران “المدانة” بتأييدها لقضية العرب!
فإذا أصبحت إسرائيل عاجزةً عن فرض السلام بالقوة وعن الإنتصار قطعياً وبلا لبس بعد كسرهيبة جيشها الذي كان لا يقهر في لبنان وكسرشوكتها في غزة، فما هي خياراتها إذاً؟ لم يبق لديها إلاسلاح الفتنة والتحريض الذي يجد أرضاً خصبة له في الحرتقات الداخلية اللبنانية، هذا إذا حسنا الظن (يا للصدفة، فقد أعاد شمعون بيريزالحديث عن وجود جيشين وسياستين في لبنان).
الملاحظ أن قادة إسرائيل اطلقوا تحذيرات بتحميل لبنان مسؤولية أي حربٍ تقع وبضرب بنيته التحتية (بعد أن نخروا بنية البعض الفوقية) مما أعطى مادةً دسمة لأشباه السياسيين لإستخدام التهديد والابتزاز الإسرائيلي كفزاعة سياسية (وجود جيشين في لبنان وحتمية الحرب المدمرة رغم علمهم أن إسرائيل ليست بحاجةٍ إلى ذرائع لأنها إستثناءً دولياً لا يطبق عليها القرارات الدولية) بعد أن تقلص دورهم وتبخرت أحلامهم بالزيارة الناجحه لسعد الحريري إلى دمشق. ولكن بعد الرد السوري، غير المسبوق، والرد اللبناني على تهديدات إسرائيل، المتزامن مع التصعيد الإيراني، أصبحت إسرائيل في ورطة جديدة ناجمة عن فشل حتى حربها النفسية رغم تشدق ما تبقى من فتات “١٤ آذار” في ذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتصويبهم على سلاح المقاومة. هذه الذكرى كانت هادئة نسبياً هذا العام مقارنةً مع عنتريات الماضي بسبب خروج القائد الفعلي للجوقة وبعد سقوط أحصنة طروادة واحداً بعد الآخر. لكن هذا الهدوء لم يمنع المتنبي “القواتي” من إبراز أنيابه الكلامية!
رحم الله الرئيس الحريري الذي عوملت ذكراه بالفئوية والكلمات المسمومة رغم إندحار كل شعارات “ثورة بولتون” من قبل ايتامه القلائل. فبربكم بأي منطق ودين تقام الدبكات والرقصات وتحيا الأغاني والألحان في مناسبةٍ حزينة وأمام مهابة الموت؟ أين المراجع السياسية والدينية لتمنع تحوير المناسبة إلى حفل راقص؟ بل أين المنطق في ترك السنيورة وجعجع والجميل يخرقون الإجماع والمصالحة والتهدئة بكلامهم التصعيدي؟ لنترك جعجع والجميل جانباً فتاريخهما معروف، لكن كيف يحق لهذا السنيورة الكلام ودماء الشهيد الأول للمعارضة الوطنية اللبنانية علي المحمود وغيرهم في رقبته ورقبة فتفت (في الرمل العالي)، الذي مازال يرفض فكرة إنهزام إسرائيل في حرب تموز رغم إعترافها الواضح والصريح؟ الحق يقال، لو كانت هناك دولة تحترم نفسها فعلاً لم سمحت بتعويم هكذا شخص يديه تقطران دماً بسبب تكالبه على السلطة ولوضعته في موقع المحاسبة والملاحقة القضائية!
فوّت سعد الحريري نصيحةً نصوحة بأن يجعل المناسبة وطنية جامعة كما يجب أن تكون بعد إندثار “١٤ آذار” لكنه بدلاً عن ذلك أعاد تعويم جعجع الذي اقتيد إلى السجن في عهد والده. جعجع هذا مشغول اليوم بإقامة دعوى قانونية على العميد مصطفى حمدان، العاقل الوحيد الذي تصدى له وسمى الأسماء بأسمائها. فإذا كان البعض يملك ذاكرة قصيرة، إلا أن البعض الآخر، لحسن الحظ ،لا ينسى والمؤمل أن يعود سعد إلى وعيه كما عاد وليد جنبلاط، ويتبع خطى أبيه الشهيد الذي كان “عماد” المقاومة السياسية و”مغنيها” الديبلوماسي. .
Leave a Reply