المئة يوم فترة سماح كافية للحكومة لتبرز ما ستنجزه وفق بيانها الوزاري
بيروت –
انتهت فترة السماح التي تعطى عادة للحكومات، ومضى على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أكثر من ثلاثة أشهر، ولم تقلّع حتى الآن، سوى حركات الإقلاع لطائرتي رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري، في جولات متسارعة الى الخارج، بمعدل رحلتين في الشهر لكل منهما، ومبرر ذلك هو وضع لبنان على خارطة العالم، دون أن يتقدم الوضع الداخلي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
فالحكومة بعد مئة يوم على نيلها الثقة، لم تتمكن من أن تنفذ أي بند من بيانها الوزاري، وما زالت تتعثر في إطلاق الوعود التي وعد رئيسها بأن تكون في أولويات عملها، لجهة الاهتمام بقضايا المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والحياتية والخدماتية، حيث تبرز أزمات يعاني منها المواطنون، وهي استمرار انقطاع الكهرباء وزيادة ساعات التقنين، والكلفة التي يتكبدونها، إضافة الى ما تخسره خزينة الدولة في هذا القطاع بما يعادل أكثر من مليار دولار سنوياً، وهو ما يزيد من عجز الموازنة، وتراكم الدين العام وخدمته، والذي يقول المسؤولون أن ثلثه هو من الدعم الذي تقدمه الحكومة للكهرباء.
وقد مضى عشرون عاماً على وقف الحرب الأهلية، ولم تنجح الحكومات المتعاقبة في حل أزمة الكهرباء، التي لم يأت وزير الى وزارة الطاقة والمياه، إلا وتقدم باقتراحات وأفكار تبدأ بالخصخصة، الى رفع الدعم وربط لبنان في الشبكة السباعية لعدد من دول المنطقة الخ…
فملف الكهرباء، من الملفات المستعصية، ولم يلمس المواطنون بداية دخول للحكومة في حل له، بالرغم من أن وزير الطاقة جبران باسيل باشر العمل من المكان الذي كان فيه سلفه آلان طابوريان، الذي كان عضواً في كتلة الإصلاح والتغيير التي ينتمي إليها من خلال “حزب الطاشناق”، والذي كان تقدم بخطة للحكومة السابقة يطرح فيها حلولاً لأزمة الكهرباء، لكن الرئيس فؤاد السنيورة لم يستجب مع طروحاته، ولم يمكنه من عرضها على مجلس الوزراء، لأن نهج السنيورة الاقتصادي والمالي والاجتماعي يختلف عن المعارضة السابقة.
لذلك يُنتظر من الوزير باسيل أن يعالج أزمة الكهرباء، انطلاقاً مما قدمه سلفه طابوريان، وإنه أمام امتحان أن ينجح في تقديم الحل، ووضع خطة إنقاذ لهذا القطاع، وهو سبق له وأن خاض عملية إصلاح في قطاع الاتصالات، واستطاع أن يقدم نموذجاً رغم محاولات التضييق التي تعرّض لها، من أصحاب مصالح، كانوا يسعون للعودة الى الخصخصة، بعد أن كانت الدولة في عهد الرئيس اميل لحود استردت هذا القطاع من الشركتين، ويدر على الخزينة حوالي مليار ومئتي مليون دولار سنوياً، ويمكن زيادة الدخل عبر تخفيض سعر المكالمات وتقديم حوافز للمشتركين فيزداد عددهم، إذ ان ثلث موارد الخزينة يقوم على هذا القطاع.
وبالرغم من أن أزمة الكهرباء معقدة، إلاّ أن حلها ليس مستحيلاً، على أن تبدأ الحكومة من نقطة ما، وهو ما ينتظره المواطنون، ويتأكدوا من نقلة نوعية قد بدأت، وأن جدية عند الوزراء في العمل موجودة، على أن لا تطول فترة الانتظار، وتتم الاستفادة من الاستقرار الداخلي، كما من المصالحات التي تحصل، ومن كون الحكومة تمثل الوفاق الوطني، المتجلي في تمثيل الكتل النيابية الأساسية فيها، وهذا يعطيها الدفع للعمل كفريق عمل متجانس ومتضامن.
والى جانب أزمة الكهرباء الدائمة، فإن ملف الضمان الاجتماعي، هو من الأولويات لدى المواطنين، ومن صلبه الضمان الصحي، والعمل على معالجة ما يشكو منه، لا سيما موارده المالية التي لم تعد تكفي لسد النفقات المتصاعدة، إضافة الى ضرورة مكننته وتعزيزه بعناصر بشرية شابة وكفوءة، إضافة الى وقف الهدر فيه، وقد بدأ وزير العمل بطرس حرب ورشة عمل في وزارته، افتتحها بعقد مؤتمر حول الضمان الاجتماعي، وهو ليس الأول الذي ينظم، لكن المشكلة ليست في عرض ما يعانيه الضمان، بل في اتخاذ قرار سياسي، لإنقاذ هذا المرفق الاجتماعي الذي يؤمن الاستقرار لحوالي ثلث الشعب اللبناني المنتسب الى هذه المؤسسة التي كانت من أهم أنجارات عهد الرئيس فؤاد شهاب في مطلع الستينات من القرن الماضي، إذ امّن للموظفين والعمال مكسباً اجتماعياً في حفظ تعويضاتهم في نهاية الخدمة، ثم في تأمين ضمان صحي لهم، وفي منحهم تعويضات عائلية، ثم منح مدرسية، دون أن يتوصل الى تحويل تعويض نهاية الخدمة الى تقاعد لضمان الشيخوخة، كما في مؤسسات القطاع العام.
فالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مهدد بالإفلاس حسب تقارير ودراسات، وإذا لم تبادر الحكومة الى معالجة وضعه، واتخاذ قرارات جذرية في إيجاد الحلول له، فان خطراً يتهدد وجوده، وسينعكس ذلك سلباً على السلم الاجتماعي، وهو ما لا يقبل به المضمونون الذين يخشون على مؤسستهم من الانهيار، لا سيما وأن هناك من حاول تمرير مشروع لخصخصة الضمان وتحويل المضمونين الى شركات التأمين، وقد تم التصدي له منذ سنوات، ويخشى أن تكون هذه الفكرة ماتزال تراود البعض. فالشق الاجتماعي لا يقتصر على الضمان فقط، فهناك البطاقة الصحية التي يعمل وزير الصحة محمد خليفة عليها، لتوحيد صناديق الاستشفاء والمرض، وهي محاولة إصلاحية جريئة، لكنها لم يقدر لها بعد أن تبصر النور، وهي إن تحققت فقد يصبح الشعب اللبناني بأغلبه مضموناً، وهذا عمل متقدم عن كثير من الدول المتقدمة وذات الأنظمة التي تعمل لحقوق الانسان.
فالحكومة أمام امتحان كما وعد رئيسها، إنجاز ملفات اجتماعية خدماتية وإنمائية، لتتقدم نحو تحرير المواطن من البطالة، التي ارتفعت نسبتها في صفوف الشباب المتخرج من الجامعات والمعاهد، والذين يخرجون الى سوق العمل، فلا يجدون مؤسسات تضمهم بفعل السياسة الاقتصادية المتبعة منذ ما بعد اتفاق الطائف والتي لم تؤمن استثمارات في قطاعات إنتاجية، وقد تركز الاستثمار في المصارف والعقارات ومرافق سياحية، وقد رفعت من النمو الاقتصادي، لكنها لم يكن تأثيرها على شرائح أخرى من اللبنانيين، حيث تعاني الصناعة من تراجع الصادرات وهو ما أقفل مصانع ويهدد أخرى، إضافة الى تدني الإنتاج الزراعي وقضم الأراضي الزراعية لصالح الأعمال العقارية وهذه سياسة إذا لم يتم ضبطها حكومياً، فإن لبنان مقبل على أزمة سكنية كبرى، مع ارتفاع أسعار العقارات، التي بدأت تقف سداً أمام الشباب لاستئجار شقة، أو شراء منزل، بحيث لم يعد الدخل الفردي في لبنان، قادراً على تأمين مستلزمات العيش فيه، فتنفتح أبواب الهجرة أمام آلاف اللبنانيين الى مجاهل الأرض يفتشون عن لقمة عيشهم، وهي مغمسة بالعرق والدم، وكانت الهجرة على البعض نعمة وعلى البعض الآخر نقمة، ولكن لولا الاغتراب اللبناني لما صمد اللبنانيون المقيمون، الذين يستفيدون من تحويلات أقاربهم في الخارج، إذ يسد مبلغ 7 مليارات دولار عوز آلاف العائلات، ويعزز هذا المبلغ الاقتصاد الوطني، ويرفع من عائداته دخل الأفراد والعائلات.
فأزمة السكن التي غابت عن البيان الوزاري للحكومة، بدأت تطل وتفرض نفسها، إذ ارتفعت الأسعار حوالي 562 بالمئة منذ ست سنوات، وفي ظروف غير طبيعية، ولا مستقرة امنياً وسياسياً في لبنان مما يطرح السؤال عن أسبابها وهل لها علاقة بالمضاربات العقارية كما يقول خبراء اقتصاديون، وقد يكون لها انعكاسات سلبية كبرى، إذا لم يتم وضع اليد عليها، وترشيد هذه العملية، التي قد تنذر بعواقب وخيمة على الاقتصاد الوطني.
فأزمات الكهرباء والضمان الاجتماعي والسكن مع ارتفاع نسبة البطالة وازدياد عدد الفقراء حيث تتحدث التقارير الاقتصادية والاجتماعية عن نسب تفوق التوقعات في المناطق الريفية والنائية وبعض ضواحي العاصمة، مما يؤشر الى أن الأزمة تكبر، إذا لم تتحرك الحكومة لمعالجتها، وهي لم تبدأ بعد، وما زالت تقف عند حدود حل أزمة التعيينات في مؤسسات الدولة، والتي يتم التعاطي معها بالعقلية نفسها، وهي المحاصصة، ولكن يتم تجميلها بإلحاقها بعبارة الكفاءة عليها، وهو عنوان سلبي للعبور الى الدولة وبناء مؤسساتها، التي هي شعارات العديد من القوى السياسية والحزبية، التي تقف حائلاً دون الوصول الى الدولة، التي يغرق نظامها السياسي بالطائفية، التي أوصى اتفاق الطائف بتشكيل هيئة وطنية لإلغائها، لكن مبادرة الرئيس نبيه بري البدء بتطبيق هذه البند من الدستور جوبهت بالرفض والتحفظ من مختلف الأطراف السياسية والتي أعلنت بأن الدعوة إليها مبكرة، وبالرغم من أن مطلب إلغائها ورد في المادة 95 من الدستور، وتبنت أول حكومة بعد الاستقلال عام 1943 أن تضعها موضع التنفيذ في اليوم المناسب، الذي لم يأت بعد.
فبعد أشهر ثلاثة من عمر الحكومة، لم تعالج أي ملف حتى الآن، فأجّلت التعيينات الإدارية ولم تتوصل الى تفاهم كامل حول إصلاح قانون الانتخابات البلدية، ولم تفتح الملفات التي يئن منها المواطن، ولم تدخل الى الإصلاح الإداري، كما لم تعالج موضوع الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ولم توقف الهدر وتمنع الرشوة، كما لم تنظم السير، ولم تخفف من الجريمة، وتقضي على ظاهرة سرقة السيارات وعلى انتشار تجارة المخدرات وترويجها، وقد غزت المدارس والجامعات، وأذهلت الأرقام التي رفعت الى مراجع رسمية وأخرى سياسية، عن ارتفاع المدمنين بين الشباب من عمر 17 وما فوق، وهي تهدد المجتمع بالانحلال الأخلاقي والتردي التربوي والثقافي، وتفشي السرقة والجرائم، واندثار الأسرة اللبنانية وهو ما دفع بالأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الى التنبيه من هذه الظاهرة المدمرة، ودعا الى مواجهتها والوقوف بوجهها، لا سيما من أجهزة الدولة وهيئات المجتمع المدني.
والحكومات في لبنان، لا تعمر كثيراً، وإن معدل عمرها لا يتجاوز العامين، لذلك فإن الحكومة الحالية، وقد تجاوزت عمر الثلاثة أشهر، وعليها أن تبدأ بالحركة ثم بالسير، لتحقيق إنجازات وعدت بها في بيانها الوزاري، وعلى أساسها نالت ثقة مجلس النواب، الذي عليه دور وصلاحيات في المساءلة والاستجواب وطرح الثقة بالحكومة مجتمعة أو بوزير منها، على ضوء أعمالها، وهو ما نص عليه الدستور، وفصل بين السلطات وطالب بتعاونها، لكن في شكل الحكومة الحالي، فلا فصل سلطات، لأن الكتل النيابية كلها ممثلة فيه، وهي لن تتقدم نحو المساءلة، فيبقى على الأحزاب وهيئات المجتمع المدني، وهي تمثّل شرائح كبيرة في المجتمع، وغير ممثلة في مجلس النواب أو الحكومة، أن تقوم بهذه المهمة وتشكل أدوات ضغط شعبية ونقابية وشبابية على الحكومة لتحقيق الأولويات التي تبقي اللبنانيين على قيد الحياة!
Leave a Reply