كل أسبوع يأتي نحلم خلاله بأن جعبة المفارقات والمهازل والمسخرات في “شبه الوطن” اللبناني ستفرغ، لكن تبين أن هذا أمرٌ مستحيل. فالوطن الذي شب على سن أعوج وعلى الشواذ، شاب عليه. لذلك طالما بقي هذا النظام الطائفي العفن ستبقى المقالات تدبج والقلم يسيل مدراراً.
سبب هذه المقدمة هو تعامل النظام اللبناني والعربي العاق واللاأخلاقي حيال قضية عظمى هي قضية تغييب سماحة الإمام السيد موسى الصدر على يد النظام القذافي. لسنا بحاجةٍ هنا إلى تبيان كم أعطى الإمام الصدر لهذا الوطن وكم أسبغ عليه من مصداقية ومشروعية محاولاً تدعيم المواطنية الحقة وتكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية والوحدة الوطنية عبر إلغاء الطائفية السياسية، علة العلل والخطل. هذا الوطن، الذي أفنى الإمام الصدر ربيع حياته في سبيل إصلاحه واستنهاض شعبه، هل يستحق هذا المارد الفكري والديني والاجتماعي والثوري؟ فلو كان سماحة الإمام، الذي إبتدع البعد الإلهي لخدمة الإنسان وطوّر فكرة أنسنة الحياة ورفع من قيمة شعبه ووطنه، في بلدٍ آخر غير لبنان لما تركوه لحظةً واحدة ناهيك عن التغاضي عن جريمة إخفائه لمدة أكبر من ثلاث حقب-هذا إذا أحسنا الظن. غني عن القول أن الإمام الصدر ساهم في صناعة البشر ووضع منظومةً سلوكية أخلاقية وقيمية نبراسية نابعة من مفهوم حضاري متطور للمبادىء الدينية السامية. لقد جمع سماحته الجميع من مسلمين ومسيحيين تحت عباءته الطاهرة وكان خيرمصلح وممثل للأخلاق الإسلامية النبيلة في كل مظاهر الحياة.
بعد كل هذا وأكثر، مازال هناك من يتعامل موسمياً مع الإمام الصدر وقضيته ويخضعها للسجال والاستهلاك الداخلي كأي مسألة سياسية سلعوية اعتاد عليها أصحاب الحرتقات. وها هو أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى الذي رأيناه يسعى بدأب ونشاط على حث الحكومة اللبنانية على حضور مؤتمر القمة العربية المزمع إنعقاده في ليبيا بعد وصول رئاسة القمة من سوريا الى نظام معمر القذافي المأفون وهو يعلم علم اليقين من هو الإمام الصدر ومن دون مبادرة القذافي إلى حل هذه القضية الإنسانية من دون مواربة وخداع وكذب.. فقد إعترف القذافي بكل جرائمه ودفع ثمنها أموالاً طائلة من خزينة الشعب الليبي المبتلي، ماعدا جريمة تغييب الإمام.
حبذا لو تصرف موسى بهذا النشاط فجاءته هذه الحماسة وأمن إجماعاً عربياً حين إلتأم مؤتمر القمة في سوريا عندما قاطعتها السعودية ومصر (قبل فتح النافذة السعودية السورية التي دخل منها سعد الحريري إلى الشام) ولبنان أيام حكومة فؤاد السنيورة غيرالشرعية والفاقدة للميثاقية. عمرو موسى هذا الذي منح جائزة في لبنان على جهوده الجبارة لإحلال السلام (خصوصاً بين العرب أنفسهم) يستحق التكريم والتبجيل على مساندته لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في مؤتمر دافوس بسويسرا في العام الماضي عندما إنسحب بعد تقريعه لجزار قانا شيمون بيريز بعد أيام من مجازر غزة. لا ننسى إنجاز عمرو موسى عندما صفق لأردوغان، حين كان يجب أن يكون هو المبادر إلى التصدي لبيريزثم أجبره “أمين” عام الأمم المتحدة الأبله، بان كي مون، على الجلوس أمام عيون العالم المتفرج.
أما السنيورة فحدث ولا حرج. ففي عهد “حكومته” أصدر قاضي التحقيق لدى المجلس العدلي قراراً في 21 آب 2008، انتهى فيه الى “اتهام المدعى عليه معمر القذافي لجهة التحريض على خطف وحجز حرية كل من سماحة الامام السيد موسى الصدر وفضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي السيد عباس بدرالدين”، بعد أن كان القضاء اللبناني نائماً نوم أهل الكهف لمدة ٣٠ عاماً! وهذا القرارلم يكن ليصدرحباً بالامام الصدر أو من أجل العدالة والحقيقة بل للغمز من القناه السورية بدليل أن هذا السنيورة يؤيد اليوم حضور لبنان مؤتمر القمة العربية في ليبيا بالرغم من أن القضاء اللبناني “المستعجل” أصدر مذكرات للتوقيف ضد القذافي وسبعة عشر متهماً آخرين اشتركوا في خطف الإمام وأخويه! فكيف يحضر لبنان من دون كرامة ويحل “ضيفاً” على غاصب وغدار لا يعرف من أصول الضيافة شيئاً؟ وكيف نستمع إلى مهاتراته وتقيؤاته الكلامية لمدة ٣ ساعات في الأمم المتحدة ثم نعلن أنه “لدى الشعب اللبناني سؤال: أين الإمام الصدر ورفيقاه؟ ونحتاج الى جواب عن هذا السؤال”؟.
كان حرياً بالنظامين اللبناني والعربي القليلي الوفاء أن يبادرا إلى إيجاد حل قضية الإمام من أجل الحقيقة قبل إعطاء القذافي مصداقية ترؤس أعمال مؤتمر القمة، أم أن هذه الحقيقة نسبية كقانون الانتخابات البلدية؟ لا يستأهل أي مؤتمر عربي، لن يحدث في أي حالٍ من الأحوال أي أثر أو معنى أو قيمة، ثانية حرية واحدة من حياة الإمام الصدر الذي تمكن من جمع العرب المتناحرين كأيام الجاهلية في مؤتمر قمة عقد في القاهرة. انني أتساءل دوماً كيف إستمر النظام القذافي في التغطية على جريمته من دون حسيب في حين أن الشيخ المجذوب (أرسين لوبين) الذي خطف نفسه كاد أن يولع حرباً مذهبية طاحنة! كيف تصمت المراجع الروحية عن المطالبة بعودة الإمام؟ وكيف السبيل إلى وقف النظام اللبناني والعربي عن تقديم خدمات شفوية ولقلقة لسان فقط؟
يستحق الإمام الصدر أكثر مما عمل لقضيته حتى الآن. يستحق أن ندعو إلى محكمة دولية لإجبارالقذافي على قول الحقيقة وإطلاق سراح الإمام ورفيقيه.
Leave a Reply