لبنان “وطنٌ” مستباح وسائب بكل المقاييس، تسرح فيه وتمرح كل تدخلات العالم واستخباراتها، ليس من اليوم فقط بل منذ أن ولد الكيان على يد السيئ الذكر الجنرال الفرنسي غورو في٣١ آب ١٩٢٠وخلق فاقداً للسيادة رغم تشدق جوقة “١٤ آذار” المنهارة. كيف لا يكون البلد مكشوفاً وأكثرمن نصف عمر هذا الوطن الفريد، ذي “التكاذب” والفساد العتيد ونظام الديمقراطية المذهبية وقانون الستين المديد وقرارمنع تخفيض سن الإقتراع المجيد، أمضاه في تطبيق فلسفة “الطائفية العنصرية السياسية” العبقرية وفذلكة “قوة لبنان في ضعفه” الذي ابتدعه أصحاب شعار “مجد لبنان أعطي له”؟!
لبنان بلدٌ تضرب به الانكشافات الأمنية كعصفٍ مأكول بعد الفضيحة التي كشفتها جريدة “السفير” مطلع الأسبوع الماضي ومرت مرور الكرام كخبر عادي في صفحة الوفيات! سفارةٌ أجنبية تطلب معطيات عن قضية تمس الأمن “القومي” في الصميم، فيكون لها ما تريد من قبل جهاز الدولة الأمني لولا ضمير وزير واحد، تعبر فوق رؤوس السياسيين من دون محاسبة ولا رقيب أوحسيب أو دحرجة رؤوس سياسية! لوحدث هذا الخرق في بلدٍ يحترم نفسه لوقعت خضة لا سابق لها. لكن لا بأس فالمسألة بسيطة طالما أن الفاعل هو حليف وراعي “ثورة” بولتون الأرزية! ربما لهذا السبب لم يحرك أحد من جوقة “١٤ آذار” ساكناً فهذه الفضيحة الأمنية الناجمة عن طلب معلومات من شركتي الهاتف الخليوي لا تشكل خرقاً للسيادة والحرية والاستقلال! تصوروا يا كرام لو كانت هذه الفضيحة وراءها سوريا فكيف سيكون موقف صغار “١٤ آذار” يا ترى؟
في المقابل، لم نسمع صوتاً من محبة الحياة والبونبون، نائلة معوض، يعترض على عملية نقض السيادة كما دعت في أخر يومٍ من أيام العدوان الإسرائيلي عام ٢٠٠٦ إلى نزع سلاح المقاومة والدماء الزكية لم تجف بعد! الآن فقط إتضح لنا سر الحملة على جبران باسيل ومنع عودته إلى وزارة الإتصالات تحت ذريعة أنه راسب في الإنتخابات النيابية. فلا يعلم إلا الله سبحانه وتعالى ماهي الأسرار والمفاجآت المستورة في هذه الوزارة. ألم يكشف باسيل شبكة الباروك ويكف يد المافيا الخلوية؟
إن المسبب الأساسي لهذا الإستهتار وكشف البلد بهذه الطريقة المهينة يعود إلى سلوك فؤاد السنيورة وحكومته غير الشرعية عندما تركتها المعارضة السابقة تتصرف بالبلد والعباد كيفما تشاء، وهذا خطأ فاضح يحسب ضد المعارضة السابقة.. لقد ترك السنيورة يصول ويجول بمقدرات الدولة فهرب المحكمة الدولية الناظرة في قضية إغتيال الرئيس الحريري من دون حصول إجماع داخلي حولها رغم أحقيتها. ثم ترك السنيورة يراسل أمين عام الامم المتحدة “المغفل” بان كي مون ويشتكي له على رئيس مجلس النواب في بلده ويبكي له “إغلاق” مجلس النواب في وجه حكومته غيرالميثاقية والفاقدة للكرامة الوطنية!
ولعل هذا هو السبب الذي حدا برئيس الجمهورية لضم السنيورة إلى طاولة الحوار التي من المقرر أن تبحث موضوع “سلاح المقاومة” في هذا الوقت بالذات بعد التهديدات الإسرائيلية ثم الصمت المطبق بعد خطاب توازن الرعب. فهو يستحق أن يكافأ على دوره في الحرب الإسرائيلية ورفضه الإعتراف بالهزيمة المنكرة لإسرائيل رغم اقرارها بذلك، وعلى إطباقه على موقع الرئاسة ورفضه الإستقالة رغم هدر الدماء البريئة وعلى رأسها الشهيد علي المحمود وشهداء الرمل العالي، ومعاقبته للصامدين بعد الحرب عبر تصرفه بالأموال، وسرقة النيابة في صيدا عبر سلطة المال وهيبة الدولة.
هذه الطاولة بحاجةٍ على ما يبدو إلى نجار جديد حتى تثبت اركانها! فكيف يتمثل السنيورة، الذي كان بدلاً عن ضائع في رئاسة الحكومة، بوجود سعد الحريري؟ هل هو إنتقاص من قدر هذا الأخير؟ أم أن الرئيس الفعلي لمجلس الوزراء وراء الكواليس هو السنيورة خصوصاً أن سياساته الإقتصادية لإفقار الشعب اللبناني ما زالت سارية المفعول؟ ثم أن الصفدي وميقاتي ممثلان إضافةً إلى السنيورة والحريري، أي أن حيتان المال كلهم على الطاولة أما أقطاب المعارضة السنية الوطنية كالرئيس عمر كرامي وعبدالرحيم مراد وأسامة سعد فلا مكان لهم وغير مؤهلين لمناقشة موضوع حساس جداً بينما يحق لشخص مثل سمير جعجع بذلك وهوله الباع الطويل في مناهضة إسرائيل! وهنا أيضاً ارتكبت المعارضة السابقة خطئاً أفدح عندما لم تدافع عن حلفائها الوطنيين الذين وقفوا معها ممن ذكرنا سابقاً، إضافةً إلى العلويين والرئيس الحص وكمال شاتيلا ونجاح واكيم وناصر قنديل وتطالب بوجودهم على طاولة “الحوار”. منطقة البقاع بأكملها لم تتمثل في “منضدة” الحوار كما أقصيت النقابات والفعاليات الاجتماعية والإقتصادية من المشاركة في “حوار” يهم مستقبل البلد!
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد قرر وزراء الخارجية العرب التحاور و تقديم المزيد من التنازلات لإسرائيل من أجل تأمين حبل النجاة لها بعد ان أصبحت محرجة ومحبطة بوجود حكومة يمينية متطرفة وبالفشل الذريع لكل ما تقوم به خارجياً. فقد وفّر وزراء الخارجية العرب، الغطاء المناسب لنزول محمود عبّاس عن شجرة شروطه والالتحاق بركب المفاوضات من جديد، وإن كانت غير مباشرة. القرار العربي المجتزأ، الذي تحفّظت عليه سوريا، حاول التلطي بشيء من الجدية مع إلباسه صفة “الفرصة الأخيرة”. وأقصى ما لوّح به الوزراء لضياع هذه الفرصة هو التوجّه إلى مجلس الأمن لإعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رغم العقم الذي أظهرته المحاولات الفلسطينية السابقة لاعتماد هذا الخيار. وبكل الأحوال، فإن التهليل الإسرائيلي كان أبرز ردود الفعل على القرار العربي، الذي يلبّي ما أراده بنيامين نتنياهو: مفاوضات بلا شروط مسبقة، تبدأ غير مباشرة، لكنها لن تلبث أن تتحوّل إلى مباشرة!
مبروك لإسرائيل هكذا أعداء من الأنظمة العربية الرسمية المستميتة للحوار مع عدوها والمعادية لشعوبها!
Leave a Reply