مخيم “عين الحلوة” محط الأنظار وتحويله الى نهر بارد جديد يقلق الجميع
بيروت –
منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990، وبعد توقيع اتفاق الطائف، والأنظار تتجه الى المخيمات الفلسطينية، التي كان السلاح فيها، والذي فرض وجوده الصراع مع العدو الإسرائيلي، نقطة خلاف بدأت مع بداية تمركز الفصائل الفلسطينية المسلحة نهاية الستينات من القرن الماضي في منطقة العرقوب قرب كفر شوبا وشبعا في جنوب لبنان، في محاذاة فلسطين المحتلة والجولان، وكنقطة انطلاق لعمل فدائي باتجاه فلسطين.
هذا السلاح وبعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، إثر الاجتياح الإسرائيلي في صيف 1982، فقد مبرر استمراريته وتعطل دوره، مع اندلاع الانتفاضة في فلسطين، الذي شجع عليها، ما أنجزته المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان، بدحر العدو الإسرائيلي، فبات السلاح الفلسطيني داخل المخيمات مرتبطاً بحق العودة دون استخدامه، وكي يبقى ورقة يفاوض عليها لبنان، لمنع توطين الفلسطينيين فيه، إضافة الى أن مجلس النواب اللبناني، ألغى اتفاق القاهرة، في العام 1986، الذي ينظم الوجود الفلسطيني المسلح، ولم يعد له أية فعالية، وقد تبعه إقرار منظمة التحرير الفلسطينية، وفي مؤتمرها العام الذي انعقد في الجزائر عام 1988، طريق الدبلوماسية لحل قضية فلسطين.
لم تعد ساحة لبنان، منطلقاً لعمل فلسطيني مسلّح، وجاء اتفاق الطائف ليقر برفض التوطين، الذي أصبح بنداً في الدستور، وبات على الدولة اللبنانية، أن تبسط سيادتها، فحاولت في أول حكومات عهد الرئيس الياس الهراوي، ومن ضمن تطبيق ما ورد في الطائف، بحل الميليشيات وتسليم السلاح، أن تضبط السلاح داخل المخيمات، وطلبت من المنظمات الفلسطينية تسليم السلاح الثقيل، وقد فرضت بالقوة هذا الأمر، ولم يعد هناك من طرف لبناني قادر على تغطية الوجود المسلح كما حصل في السابق، وبعد هزيمة الأنظمة العربية في العام 1967، إذ كانت ثمة فورة وثورة عاطفية، وقفت الى جانب العمل الفلسطيني المسلح، بعد أن قرر الفلسطينيون استرجاع أرضهم بكفاحهم ودمائهم، دون الاتكال على الأنظمة العربية.
ومنذ وقف الحرب الأهلية، مطلع التسعينات من القرن الماضي، التزم الفلسطينيون أن يبقى السلاح الفردي معهم داخل المخيمات، للدفاع عنها في حال تعرضها لأي هجوم، وكان مبررهم أنهم لا ينسون مجازر صبرا وشاتيلا، كما أنهم يتركون سلاحهم معهم، كي يذكرهم بحق العودة، وكانت هذه الصيغة التي أوقفت دخول الجيش اللبناني الى المخيمات، وإبقاء الأمن داخلها في يد الكفاح المسلح، الذي يتولى الفصل في أي حادث أمني يقع بين الفلسطينيين، على أن يتولى التنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية، لتسليم المطلوبين للعدالة، وقد تمّ التجاوب مع هذا المطلب لكن لم يتم الالتزام به كلياً، إذ بدأت تتسرب الى المخيمات عناصر إسلامية أصولية، تتخذ منها نقاط توسع لدخول تنظيم “القاعدة” الى لبنان، وهذا ما حصل في نهر البارد، إضافة الى تحول المخيمات لا سيما في عين الحلوة، الى ملاذ للمجرمين ومهربي المخدرات ومروجيها، والى الهاربين من العدالة، مع تغلغل عناصر تعمل مع المخابرات الإسرائيلية.
كل هذه العوامل، وضعت المخيمات وتحديداً “عين الحلوة” تحت المرصد الأمني والسياسي، وهو المخيم الأكثر اكتظاظاً بالسكان، ويقطنه أكثر من 70 ألف نسمة في مساحة كيلومتر مربع، ويعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني في لبنان، وقد استوعب في داخله كل تناقضات المجتمع الفلسطيني وخلافاته السياسية والتنظيمية والعقائدية والعائلية، وحتى العشائرية، مما أوجد أرضية لصراعات كان السلاح أساسياً فيها، ويستخدم بشكل دائم، مما خلق حالة من الفوضى الأمنية، روّعت المواطنين ولا يمر أسبوع إلا ويشهد المخيم اشتباكات تلفت الأنظار إليه، وكانت ذروة تحوله الى بؤرة أمنية خطيرة، وقوع عمليتي اغتيال نفذتهما عناصر إسلامية أصولية، تنتمي الى “عصبة الأنصار” انطلقت من المخيم فاغتالت عام 1994 رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش) الشيخ نزار الحلبي، كما نفذت عملية اغتيال بالقضاة الأربعة على قوس المحكمة في قصر العدل في صيدا عام 1999، وكرد على تنفيذ قرارات الإعدام التي صدرت عن القضاء اللبناني بحق القتلة الذين اغتالوا الشيخ الحلبي، وفق ما ذكرت المعلومات.
فاغتيال القضاة الأربعة قبل أكثر من عشر سنوات، ولجوء القتلة الى مخيم عين الحلوة، حيث لم تتمكن الأجهزة الأمنية من توقيفهم وسوقهم الى العدالة فشكّل هذا الموضوع تحدياً للدولة اللبنانية، وبدأت عملية كر وفر مع المجرمين، الذين تحولوا الى قوة مسلحة داخل المخيم، حاولت السيطرة عليه، فوقعت اشتباكات بين حركة “فتح” والتنظيمات الإسلامية الأصولية، ومنها “جند الشام” وعصبة الأنصار.
فتسارع الأحداث الأمنية ومحاولة تمدد القوى الأصولية ووقوع اشتباكات بينها وبين الجيش، سلّط الأضواء على المخيم الذي بات يعني للبنانيين كما للفلسطينيين معقلاً للمتطرفين، الذين حوّلوه بعد الغزو الأميركي للعراق، الى أرض “نصرة”، وبدأوا بتجنيد العناصر فيه لإرسالهم الى “بلاد الرافدين”، بعد أن تسربت معلومات أن طارق السعدي “أبو محجن” تسلل إليها، وهو المطلوب للعدالة باغتيال الشيخ الحلبي، وأصبح وجود عناصر متطرفة، محور اهتمام مخابرات الجيش اللبناني، الذي تعرضت عناصر منه، الى التصفية حيث لم تنفع كل محاولات السلطة اللبنانية، أن تنظّم الوضع داخل المخيمات لاسيما في عين الحلوة، كما فشلت أيضا لجنة المتابعة للفصائل والمنظمات الفلسطينية، في المخيم من ضبط الفلتان الأمني، وكانت كل ما تقوم به، هو التدخل لوقف الاشتباكات، وتسليم المطلوبين دون أن تمنع حصولها، بالرغم من وجود ميثاق شرف بين هذه الفصائل، كما لم تنجح محاولة تشكيل قوة أمنية مشتركة أيضاً في فرض الأمن والهدوء مع الكفاح المسلح، إذ بات أهالي المخيم وسكانه، يعيشون بقلق وتوتر، وحركة نزوح دائمة، وجاءت الاشتباكات الأخيرة لتضعه أمام المجهر، إذ ذكرت المعلومات أن القوى الأصولية تحاول تعزيز وضعها الأمني، وتتوسع في أحياء المخيم للسيطرة عليه، بعد أن وقعت أحياء الصفصاف ومخيم الطوارئ وحي التعمير، في قبضتها، في وقت تحاول حركة “فتح” أن تبقى الأقوى في هذا المخيم الذي تعتبره قاعدة شعبية وسياسية وعسكرية لها، لكن الخلافات بين قياداتها، افقدها الكثير من الهيبة وباتت عناصرها تتسرب باتجاه القوى الإسلامية مما فرض على قيادة الجيش أن ترصد ما يجري في المخيم، وقد تولى نائب مدير المخابرات في الجيش العميد عباس إبراهيم الملف الفلسطيني كونه يملك خبرة فيه من موقعه السابق كمدير لفرع مخابرات الجنوب، إذ هو أول ضابط يدخل الى مخيم عين الحلوة ويحاور الفصائل فيه، وهو ذهب الى الأردن وعقد اجتماعاً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتمنى عليه أن يرتّب البيت الداخلي لحركة “فتح” لأنه يؤثر على الوضع الأمني، بسبب الصراعات داخلها، والاتهامات التي سيقت ضد أمين سر حركة “فتح” في لبنان اللواء سلطان أبو العينين، على أنه قد يكون وراء اغتيال القيادي في “فتح” كمال مدحت، وأنه يحمي المجرمين في مخيم الرشيدية.
وقد بدأت قيادة الجيش تتوجس قلقاً مما يجري في مخيم عين الحلوة، وهي لها تجربة أليمة في مخيم نهر البارد، الذي وقع تحت سيطرة “فتح الإسلام” بقيادة شاكر العبسي الذي تحول الى الإسلام المتطرف، وانتمى الى تنظيم “القاعدة” من خلال “أبو مصعب الزرقاوي” وقاتل معه في العراق، وهو جاء الى لبنان قبل الحرب الإسرائيلية عليه صيف 2006، ليحوله الى نقطة انطلاق نحو كفاح مسلّح فلسطيني، وقد حاول التمركز عند الحدود اللبنانية – السورية، بتغطية من “أبو خالد العملة” دون علم قيادة حركة “فتح – الانتفاضة” التي كانت فصلت العبسي، بسبب خروجه منها، والتحاقه بتنظيم أخر، وهو استغلّ عناصر من “فتح- الانتفاضة”، وأوهمهم أنه حضر الى لبنان، لمقاتلة إسرائيل والقوات الدولية التي تحميها، وتنقل بين مخيمات برج البراجنة وشاتيلا الى أن استقر في نهر البارد، وبدأ بتجميع العناصر وتدريبهم الى أن وقعت حادثة سلب المصرف في الكورة، ثم اشتباكات شارع المئتين في طرابلس، والتي امتدت الى مخيم نهر البارد، بعد قتل 19 جندياً من الجيش في خيمهم، الذي رد على الجريمة بعد أن رفض العبسي تسليم المطلوبين، ووقعت معارك دامت ثلاثة أشهر سقط فيها 175 شهيداً للجيش ومئات الجرحى وتدمير المخيم بعد أن تمّ قتل واعتقال وفرار عناصر هذا التنظيم.
فمعارك نهر البارد ما زالت ماثلة أمام اللبنانيين كما الفلسطينيين، وقد أقلقهم تصريح الرئيس عباس، من أن يتحول مخيم عين الحلوة الى نهر بارد جديد على خلفية الاشتباكات التي حصلت بين “فتح” والقوى الإسلامية، وهو ما أعاد تحريك الاتصالات الفلسطينية–الفلسطينية، إضافة الى اتصالات لبنانية-فلسطينية، لمنع الوقوع في المحظور، وجرت ترتيبات أمنية بتسليم المطلوبين، إضافة الى إعادة التذكير بميثاق الشرف الذي يحرّم الاقتتال، وتشكيل قوة أمنية جديدة تساند الكفاح المسلح بفرض الأمن.
لكن هذه الإجراءات ما هي إلاّ محاولات لفرض وقف إطلاق نار هش، حيث يذهب كل طرف الى تعزيز قدراته العسكرية، لتكون له الكلمة الفصل في المخيم، حيث تسعى الحكومة اللبنانية الى إقناع الفلسطينيين، أن لا يدخلوا في لعبة النار والدم، وتحاول القوى العسكرية، وتحديداً مخابرات الجيش الى نزع كل الألغام لمنع تفجرها، ومنها لغم استمرار أبو العينين في موقع المسؤولية عن حركة “فتح” في لبنان، إذ توجه إليه تهمة افتعال الاشتباك الأخير، بأوامر من محمد دحلان، أحد المسؤولين الأمنيين السابقين في غزة والسلطة الفلسطينية، وقد أوقف الجيش اللبناني عند حاجز قرب مخيم الرشيدية، موكب أبو العينين، لأن مرافقيه يحملون أسلحة غير مرخصة، وهذا الإجراء، كان رسالة إليه، أنه بات غير مرغوب به في لبنان، وهو ما تم إبلاغه الى “أبو مازن” الذي اتصل بـ”أبو العينين” وطلب منه مغادرة لبنان فوراً الى رام الله، كعضو في اللجنة المركزية لحركة “فتح” وهذا ما حصل.
فهل إزالة لغم “أبو العنين” الذي ارتاح له مسؤولو “فتح” في لبنان، يدفع عن مخيم عين الحلوة الوقوع في فخ الاقتتال، وتحويله الى نهر بارد جديد؟
كل المؤشرات تقول، إن الصراع على الإمساك في مخيم عين الحلوة سيبقى قائماً، بين القوى الإسلامية وحركة “فتح” تحديداً، ويقف “تحالف القوى الفلسطينية” في موقع من يعمل لتفادي حصول أية إشكالات واشتباكات، إذ أن أمن المخيم خط أحمر، وفق ما يقول مسؤولو الفصائل، لكن كيف يُترجم هذا القول الى فعل، هذا ما سترد عليه الإجراءات الأمنية.
Leave a Reply