استهلاك للوقت بعد مرور أربع سنوات على حرب تموز.. والهدف هو السلاح
بيروت –
هو جدل بيزنطي، يدور منذ أربع سنوات على طاولة الحوار، التي أراد منشئها الرئيس نبيه بري ان تكون بديلاً لاستخدام العنف واللجوء الى الشارع، ولم تتمكن من ان تؤدي دورها، فهي وبعد تشكيلها مطلع آذار 2006 وبدء جلسات الحوار في مجلس النواب، لم تمنع من ان تقوم المعارضة آنذاك بالاعتصام في ساحة رياض الصلح، واللجوء الى التظاهرات والعصيان المدني، لان الحوار هو بين نهجين ومشروعين يتصارعان ولا يمكن ان يلتقيا اذ تعاطى فريق “14 اذار” انه المنتصر عبر المشروع الاميركي وإخراج القوات السورية من لبنان، ومحاولة إضعاف حلفائها فيه، وبأنه هو من آلت إليه السلطة دون غيره، وهذا ما تسبب بأزمة سياسية ودستورية حول المشاركة في الحكم، وتطبيق الدستور لا سيما في مقدمته، التي نصت على ان لا شرعية لأية سلطة إذا لم تتمثل فيها الطوائف الأساسية.
فالمرحلة الأولى من الحوار بدأت في آذار ودامت حتى نهاية حزيران، أعقبها مباشرة العدوان الاسرائيلي في 12 تموز 2006، وكان البند الذي بقي على طاولة الحوار، البحث في إستراتيجية دفاعية بمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وتسلحت اسرائيل ومعها أميركا بالقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 2 أيلول 2004، الذي طالب بنزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، والمقصود هو سلاح المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وان الحوار مرفوض حول كيف يمكن ان يكون هذا السلاح من ضمن إستراتيجية للدفاع عن لبنان، ويتم تشريعه في بيانات الحكومة، التي تعهدت الأكثرية فيها وعلى رأسها فؤاد السنيورة، ان ينتزع السلاح ولكن بالحوار، وهذا ما لم يحصل وأبلغت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك غونداليزا رايس، السنيورة انه نقض تعهداته هو وقوى 14 آذار، وأكد لها بأنه ستتم معالجة هذا الموضوع ولم يمض وقت قصير حتى وقعت الحرب على لبنان، وأكدت رئيسة الدبلوماسية، ان هدف هذه الحرب هو إنهاء المقاومة وتسليم سلاحها الى الجيش اللبناني، ورسم خارطة جديدة للشرق الاوسط، وهذا ما توافقت عليه مع دول عربية معتدلة اقتنع قادتها ان إزالة المقاومة يعني إلغاء النفوذ الإيراني في لبنان، كما ان قوى “14 آذار” تحمست للعدوان لانه ينهي قوة عسكرية تخل بتوازنها الوضع السياسي والأمني الداخلي، ويمنع فريق الأكثرية من ان يحكم، حتى ان أطرافا في السلطة ووزراء في الحكومة طالبوا قبل ان يعلن وقف الأعمال العسكرية عبر القرار 1701، ان يسلم “حزب الله” سلاحه، وهذا ما افقد الحكومة الصفة الوفاقية، وبتجاوز بيانها الوزاري الذي شرّع المقاومة كأداة دفاع عن لبنان.
توقف العدوان ووقعت البلاد في أزمة ثقة داخلية بين أطرافها، وشعرت المقاومة بأنها كما هي مستهدفة من العدو الاسرائيلي، فإنها تحت دائرة الخطر من الداخل، لا سيما بعد ان صدر عن مجلس الوزراء قرار، بنزع شبكة اتصالات المقاومة، التي اضطرت الى الدفاع عنها وعن وجودها، فكانت أحداث 7 أيار عام 2008، عملية ردع لهؤلاء بعد ان تمادوا في تصوير المقاومة وكأنها ميليشيا وإغراقها في صراع مذهبي وطائفي، وكانت العملية العسكرية التي لم تدم سوى ساعات قليلة، سوى مرحلة إعادة التوازن، وقد فرضت حلاً سياسياً بانتخاب رئيس جمهورية توافقي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية للمعارضة فيها الثلث الضامن، إضافة الى إصدار قانون انتخابات وإجرائها.
مر الحوار في ثلاث مراحل، مرتين في مجلس النواب، الأولى قبل العدوان الاسرائيلي، والثانية بعده، وفي المرحلتين لم يتم التوصل الى نتيجة سوى ما تقرر حول دعم قيام المحكمة الدولية باغتيال الرئيس رفيق الحريري، الى قيام علاقات دبلوماسية مع سوريا وترسيم الحدود معها، الى مراجعة الفصائل الفلسطينية حول سلاحها خارج المخيمات وتنظيمه داخلها.
هذه البنود لم تأخذ كثيراً من الحوار على الطاولة، التي عادت وانعقدت في القصر الجمهوري، بعد انتخاب الرئيس ميشال سليمان، وكان جدول أعمالها بند واحد، هو الإستراتيجية الدفاعية، التي لم يحصل تقدم في الحوار حولها، كون النقاش يدور من موقعين مختلفين، وثقافتين سياسيتين ووطنيتين متناقضتين، إذ كان فريق “14 آذار” يصر على ان يبحث موضوع سلاح المقاومة فقط، وكيف يمكن تسليمه الى الدولة، في حين ان قوى المقاومة كانت تطرح نظرية الاستفادة منه في الدفاع عن لبنان، وهو ما ورد في البيان الوزاري للحكومات المتعاقبة، ومنها الحكومة الحالية، لكن “الفريق السيادي” كما يسمى نفسه، لا يقبل بسلاح غير سلاح الجيش اللبناني، وهذا أمر طبيعي وبديهي، لو ان الجيش لديه السلاح الذي يردع أي عدوان إسرائيلي، لكن في وضعه الحالي، فان ثلاثة قادة للجيش من اميل لحود الى ميشال سليمان وجان قهوجي، أكدوا على ضرورة وجود المقاومة كقوة ردع في المرحلة الحالية، وان الجيش غير مؤهل في إمكانياته ان يلعب الدور الذي لعبته المقاومة، في صد عدوان تموز وتكبيد العدو الاسرائيلي هزيمة لجيشه.
فالحوار حول السلاح، مرفوض من المقاومة، التي لم تقف مرة ضد أي حوار حول الاستفادة منه، ضمن خطة وطنية للدفاع عن لبنان، وطرحت مقولة التزاوج بين الجيش والمقاومة، والبعض يعطيها وصف التناغم أو التنسيق، وقد أثبتت الوقائع والتجارب على مدى عشرين عاماً أو أكثر، صحة هذه النظرية التي لا ترضي أطراف سياسية، لأنها وتحت ذرائع مثل إبقاء قرار الحرب والسلم في يد الدولة، تحاول ان تمرر مشروعاً أميركيا وإسرائيليا، بإنهاء وجود المقاومة، لأسباب منها سياسية وأخرى طائفية ومذهبية، إضافة الى ارتباط فريق بمحاور عربية ودولية يدعو الى ان يتحول لبنان الى دولة سلام، وتطبيق اتفاق الهدنة، وليس الى دولة مساندة أو مواجهة كما طرح الرئيس أمين الجميل على طاولة الحوار، التي كان توقيت انعقادها إضافة الى تشكيلها، مدار انتقاد لرئيس الجمهورية الذي لم يعتمد معياراً واحداً، بل كانت هيئة الحوار انتقائية، كما ان الإعلان عن موعدها تزامن بعد انعقاد القمة الإيرانية–السورية في دمشق، والتي كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ضيفاً على مأدبة العشاء التي جمعت الرئيسين محمود احمدي نجاد وبشار الأسد، والتي أغضبت اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، حيث رأت قوى سياسية وحزبية حليفة للمقاومة بان الرئيس سليمان لم يكن بريئاً في دعوته، والإعلان المفاجئ عنها، وبالرغم من انه رد مع بداية انعقاد الجلسة الأولى للحوار، بان التوقيت غير مرتبط بقمة دمشق، ولا حتى مع البيان الدوري الذي أصدره الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول تنفيذ القرار 1701، الذي أشار فيه الى استمرار تسلح المقاومة والى خرقها له، حيث ظهر وكأن الدعوة الى انعقاد طاولة الحوار، إنما يصب في خانة طرح موضوع السلاح، وهو ما ظهر من مواقف كل من “الكتائب” و”القوات اللبنانية” و”تيار المستقبل”، حول دور هذا السلاح على الطاولة، ويتجاوب ذلك مع الطروحات الإسرائيلية والأميركية التي تطلب من الحوار، ان يعالج موضوع السلاح فقط ونزعه وليس الإستراتيجية الدفاعية.
لذلك كان انعقاد طاولة الحوار، ظاهرة شكلية فقط، ويحاول رئيس الجمهورية ان يستفيد منها، على أنها المكان الذي ينفسّ الاحتقان في الشارع، ويقيم ميثاق شرف بين الإطراف المتنازعة الى عدم التصعيد السياسي والإعلامي، وان هذه الطاولة التي مضى أربعة أعوام على وجودها، لن تخرج بنتائج ايجابية لان الانقسام السياسي انقسام عامودي حول المقاومة، وسلاحها، أو في طرح جعجع رفض وجود المقاومة، وهذا يلاقي طروحات أميركية وأخرى أوروبية اضافة الى ما يصدر عن العدو الاسرائيلي، حول رفض وجود مقاومة، التي حاول الرئيس سليمان وفي أول طرح ملفت له، ان يعلن ان الجيش هو للدفاع وان المقاومة تتواجد عندما تحتل الأرض، وهو يعاكس ما هو معمول به، بان المقاومة موجودة ولها خصوصيتها، وعلى المتحاورين ان يلاقوا الصيغة التي تزاوج بين الجيش والمقاومة والشعب، وهذا ما اقره البيان الوزاري للحكومة، والذي تحفظ عليه كل من “القوات اللبنانية” والكتائب والوزير بطرس حرب، الذين رفضوا وجود عبارة المقاومة في البيان وهو الأمر نفسه الذي حصل في البيان الذي صدر عن طاولة المحاور، وكلف الرئيس السنيورة بصيغة مع المدير العام لرئاسة الجمهورية، فرفض ورود العبارة التي تضمنها البيان الوزاري، والتي نصت على ان الدفاع عن لبنان هو للجيش والمقاومة والشعب، وموقف السنيورة ليس بالجديد، فهو عندما كان رئيساً للحكومة، لم يقبل ان ترد عبارة المقاومة كأحد الوسائل للدفاع عن لبنان، في البيان الختامي للقمة العربية التي انعقدت في الخرطوم عام 2006، فواجهه رئيس الجمهورية السابق اميل لحود، وأصر ان يرد موضوع المقاومة كعنوان للدفاع عن لبنان في البيان، وتضامن معه رؤساء وملوك، وهذا ما حصل.
فطاولة الحوار قد تستهلك كثيراً من الوقت ولن ينعقد بشكل دوري، وان البعض يحاول ان يفرض توقيتاً للخروج من الحوار بنتيجة، لان المطلوب هو قرار سياسي، يتخذه ممثلون انتخبهم الشعب اللبناني، بان المقاومة حق مشروع في الدفاع عن لبنان، وهذا ما أثبتته في الميدان، وان البعض الذي يحاول ان ينتزع من المقاومة تسليم سلاحها، وإنهاء دورها ووجودها، سيدخل في سجال عقيم، وسيبرز حالة الانقسام بين اللبنانيين حول المقاومة وسلاحها، وهذا ما بدأت اسرائيل تستفيد منه، إذ أعلن رئيسها شمعون بيريز ان اللبنانيين منقسمون حول المقاومة التي تعمل على تدمير لبنان، الذي هو “سويسرا الشرق” بنظر رئيس دولة العدو، الذي لم يمارس إلا الاعتداءات والمجازر ومنها مجزرة قانا التي حصلت أثناء العدوان 1996.
فالحوار بقدر ما هو مفيد وضروري، كما يعلن المسؤولون اللبنانيون، لكنه لا يجوز ان يتحول الى حوار طرشان، وهذا ما أكدت عليه الوقائع، إذ ان السجال لن يصل الى توافق بل الى مزيد من الافتراق، والقواسم المشتركة غير قريبة ابداً، إذ ثمة تباعد بين الأطراف السياسية، انطلاقاً من فهم الصراع مع العدو الاسرائيلي، لان أطرافا لبنانية، نشأت على عقيدة ان اسرائيل ليس لها أطماع في لبنان، وان الوجود الفلسطيني هو الذي تسبب بالاعتداءات والاجتياحات وكأن هذا الوجود ليس نتيجة لاغتصاب فلسطين وطرد الفلسطينيين من أرضهم، وهذه أدبيات سياسية عبر عنها أحزاب الكتائب و”القوات اللبنانية” و”الأحرار” كما ان البعض يرى ان العرب ذهبوا الى السلام، فلماذا إبقاء لبنان ساحة للصراع، وربطه بمحاور خارجية، لاسيما بإيران وسوريا، وان الأقل تطرفاً يعمل لإحياء اتفاق الهدنة الذي أسقطته اسرائيل مرات عدة بإعتداءاتها واجتياحتها، كما ان البعض يحاول ان يعوض عن المقاومة بطرح فكرة دمجها بالجيش، وهو يعلم ان عملها في حرب العصابات مختلف عن دور الجيش النظامي.
سيبقى الخلاف قائماً بين نهجين، نهج ثقافة المقاومة، وأخر سلك طريق ثقافة الاستسلام ولا بد من أن تفوز واحدة على اخرى، والتجربة الأولى تبدأ بالحوار.
Leave a Reply