ديربورن – خاص “صدى الوطن”
التئم منتدى “جسور” الدوري، الفصلي، في النادي اللبناني الأميركي في ديربورن، قبيل ظهيرة يوم الأربعاء الماضي، بحضور المدعي العام لوزارة العدل في شرق ولاية ميشيغن باربرا ماكويد، ورئيسة مكتب الحريات المدنية في وزارة الأمن الداخلي مارغو شلانغر، والممثل الإقليمي للجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز (أي دي سي) – فرع ميشيغن، عماد حمد، إضافة إلى عدد من ممثلي المؤسسات العربية والإسلامية الأميركية الأخرى.
ويهدف منتدى “جسور” الى بناء الثقة والتفاهم من خلال كونه قناة تواصلية بين المؤسسات الحكومية والدوائر الرسمية الأميركية من جهة، وبين مؤسسات المجتمع المدني العربية والإسلامية من جهة أخرى.
وقد أثير في لقاء الأسبوع الماضي العديد من القضايا التي تتصل بالصعوبات التي يواجهها بعض أبناء الجالية على المستويات الأمنية والقضائية، بما فيها مسائل الإقامة والترحيل والمحاكمات على خلفيات غير جنائية، إضافة إلى طرح مسألة اللاجئين العراقيين الجدد.
اللاجئون العراقيون
وتطرق ممثلو الجالية العراقية إلى عرض أحوال اللاجئين الجدد، الذين غالباً ما يصطدمون بواقع لا يلبي طموحاتهم وتوقعاتهم، مما يزيد في إحباطهم وتخييب آمالهم. وأشار الممثلون إلى أن العديد من المشاكل القانونية التي يقع فيها اللاجئون تنتج عن عدم خبرتهم بالواقع الجديد، أو عن ضعف خبرتهم القانونية في مختلف المجالات، مما يؤدي بالبعض منهم في نهاية المطاف إلى دخول السجون، والتعرض إلى حالات إبعاد وطرد أو إعادة إلى العراق.
ووفقاً لممثلي الجالية العراقية، فإنه ينتج عن هذا الوضع الكثير من المشاكل الاجتماعية منها التشتت والتمزق الأسري الناتج عن إبعاد بعض أفراد الأسرة الواحدة، فضلاً عن أن الدولة العراقية تمتنع في كثير من الأحيان عن استقبال هؤلاء المبعدين، فتلجأ السلطات الأميركية إلى حجزهم في السجون.
ونوه الممثلون إلى أن بعض اللاجئين العراقيين الذين تمت إعادتهم إلى العراق نتيجة ارتكاب أخطاء قانونية غير مقصودة، يعانون من ظروف في غاية الصعوبة والتعقيد نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية في العراق، والتمزق الأسري الناتج عن إبعادهم.
وقد أقر ممثلو الدوائر الأمنية الحكومية بعمق المشكلة وفداحتها، ووعدوا بمتابعة هذه القضية والعمل على إيجاد حلول مناسبة لها، من خلال الحوار والتواصل مع السلطات المعنية في وزارة الأمن الداخلي الأميركية، ومع السلطة التنفيذية لدائرة الهجرة والجمارك (آيس) وقسم الاعتقال والترحيل (دي أر أو).
ملفات غامضة
كما طرح في اللقاء وضع بعض الناشطين العرب والمسلمين الأميركيين الذين يتعرضون لمحاكمات قضائية يكتنفها الكثير من الغموض والريبة، وتمت المطالبة بإعادة النظر بتلك القضايا، والتعامل معها من منطلق الشفافية، خاصة وأن إحساساً عاماً لدى الجاليتين العربية والإسلامية بأن الدوافع وراء تلك المحاكمات غير مقنعة وغير منطقية وتثير الشك في الغالب، إذ لا توجد أية مبررات قضائية أو أسباب جنائية واضحة ومعروفة، بل على العكس يسود شعور عام في مجتمعات الجالية، بأن تلك المحاكمات في العموم هي محاكمات مسيسة.
وطرحت في اللقاء الذي كان يقام بشكل شهري قبل جعله فصلياً عدة حالات فردية حساسة تثار حولها العديد من التساؤلات، منها مسألة المحاكمة التي يواجهها المحامي حاتم (تيم) عطالله، وكذلك قضية الناشط مثنى الحانوتي العالقة منذ أكثر من سنتين، بتهمة مخالفة قوانين الحصار المضروبة على العراق، والتجسس لصالح نظام صدام حسين السابق.
ومن خلال مداخلة مؤثرة تركت انطباعاً قوياً بالتعاطف والتفهم، عبّر الشاب صهيب (ابن مثنى الحانوتي) عن الظروف الصعبة التي تعيشها عائلته على خلفية محاكمة أبيه، والتي أدت إلى فقدانه فرص العمل ومتابعة التعليم الجامعي (وكذلك أخته)، إضافة إلى صعوبات جمة أخرى ناتجة عن الضغط النفسي الذي تعيشه الأسرة بجميع أفرادها، والتي كان من نتائجه تردي الوضع المالي وخسارة بيت العائلة.
إلى جانب ذلك، أثيرت قضية الإمام لقمان أمين عبدالله الذي قتل في أواخر شهر تشرين أول (أكتوبر) من العام الماضي إثر مداهمة مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) لمستودع في ديربورن. وتمت المطالبة بفتح تحقيق مستقل وشفاف يكشف كل ملابسات القضية، خاصة وأن “التقرير الطبي” يدعم المضي بهذا الاتجاه على ضوء المعلومات الأخيرة. (من المعلوم أن وزارة العدل قررت مؤخراً القيام بإجراء تحقيق في تلك القضية).
“فيوجن”.. مزيد من الغموض
وطالب ممثلو المؤسسات العربية والإسلامية ممثلي الدوائر الأمنية والحكومية بتوضيح بعض المسائل المتعلقة بمراكز “فيوجن” وحقيقة دورها وطبيعة عملها، على خلفية تداول الصحافة الأميركية لهذا الموضوع، والذي بيّن وجود 72 مركزاً منتشراً في جميع الولايات الأميركية (وميشيغن من ضمنها)، يتم إدارتها من قبل شرطة الولايات بتمويل وزارة الأمن الداخلي والتنسيق معها، والتي يقع في صلب اختصاصاتها متابعة شؤون الإرهاب وجمع المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع.
ولم يقدم ممثلو المؤسسات الحكومية أية أجوبة وافية أو شافية حول هذا الموضوع الذي ظل يكتنفه الغموض وتحيط به الشكوك، واقتصرت الردود الرسمية في هذا المجال إلى الإحالة إلى الموقع الإلكتروني لشرطة الولاية، الذي يتضمن معلومات عامة ومختزلة وغير كافية، الأمر الذي يوحي بالسرية في طبيعة عمل هذه المراكز، وهو الأمر الذي يتفق مع موقف ممثل شرطة الولاية الذي أبدى عدم رغبته بالحديث عن هذا الموضوع خلال اللقاء، حيث قال: “لا رغبة لدينا بالحديث عن هذا الموضوع”.
“جسور”: تاريخ وتساؤلات
تشكل منتدى “جسور” عقب هجمات 11 ايلول العام 2001، بمبادرة من اللجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز، ومديرها الإقليمي في ميشيغن عماد حمد، حيث جاءت الخطوة تتويجاً لمناقشات وحوارات عديدة حول أفضل السبل للتعامل مع الأوضاع الناشئة عن هجمات سبتمبر الإرهابية.
وانبثقت الفكرة أساساً من حوارات اللجنة مع عضو مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور كارل ليفن، الذي اقترح على اللجنة الالتقاء بالمدعي العام في شرق ميشيغن في حينها جيفري كولنز، الجمهوري الذي عينته إدارة الرئيس جورج بوش الإبن.
وتم اللقاء بين اللجنة والمدعي كولنز في شهر كانون أول (ديسمبر) في العام 2001 في أول يوم يتسلم فيه كولنز مهامه.
وبعد لقاءات عديدة وجهود مكثفة تم اختيار اسم “جسور” وتم إيجاد آلية تنظيمية تحدد طريقة عملها.
وفي ظل ما كانت تتعرض له الجاليات العربية من موجات كراهية ومشاكل مع القضاء والوكالات الحكومية كان لـ”جسور” دور أساسي وفعال في طرح هذه المشاكل على طاولة الحوار وإلقاء الضوء عليها، مما جعلها قدوة للاحتذاء في ولايات أخرى، سواء تحت الإسم ذاته، أو عبر أسماء أخرى.
يرأس “جسور” حالياً، المدير الإقليمي لـ”أي دي سي”-ميشيغن عماد حمد من ناحية المجتمع المدني، أما من الناحية الحكومية تقوم مارغو شلانغر، رئيسة مكتب الحريات المدنية في وزارة الأمن الداخلي برئاسة طاولة الحوار.
وهناك قائمتان تحددان طبيعة العضوية في “جسور”. القائمة “أي” وتضم 20 شخصاً من ممثلي الدوائر الحكومية والأمنية، ومن ممثلي المؤسسات العربية والإسلامية الأميركية.
القائمة “بي” وتتضمن الأعضاء الضيوف، وهم عبارة عن شخصيات يدعوها أحد الطرفين، على قاعدة إغناء وإثراء المناقشات والحوارات، وهم غالباً من الشخصيات المؤهلة والموثوقة، سواء بالنسبة للجاليتين العربية والإسلامية، أو للمؤسسات والدوائر الحكومية.
ومع مرور ٩ سنوات على انطلاق “جسور”، وما تخللها من صولات وجولات، برز مؤخراً توجهان أساسيان في خصوص المنتدى الحواري.
البعض يقول أن منتدى “جسور”، رغم قصوره عن حل أي قضية كونه مجرد طاولة حوار، إلا أنه يبقى ضرورة حيوية للجالية في ميشيغن وذلك لعدة أسباب.
فهناك من يقول أن مجرد قيام الجالية عبر “أي دي سي” بمحاورة الجانب الحكومي يزيل حجة “التقصير في التعاطي مع المجتمع الأميركي”، وهي جحة، حسب البعض، تجعل الضحية في موقع المسؤول عما لحق به من ظلم.
كما أن هناك من يؤمن أن الحوار دائماً أفضل من حالة “اللاحوار”، وهذا ما يؤيده حمد الذي يقول انه “رغم حالات الخلاف على الكثير من الأمور المتعلقة بالجاليتين العربية والإسلامية مع الأطر الحكومية المختلفة، إلا أن الحوار هو الطريقة الأمثل للتغيير الممكن، وللقدرة على مواجهة التحديات”.
وهناك البعض الآخر من يعتبر أن إلقاء الضوء على القضايا الحساسة التي تعيشها الجالية مع السلطات الحكومية، ووضعها في دائرة الضوء، يجعل الطرف الثاني أكثر حرصاً وحذراً من أن “يتهور” في اتهام أي شخص أو مؤسسة قبل أن يجمع الأدلة الكافية.
.. ولكن، على الضفة الأخرى التي يتنامى فيها التوجه لاعتبار ان الحوار مع الجانب الحكومي مجرد مضيعة للوقت والجهود، يرى الكثيرون، أن أصحاب “نظرية دائرة الضوء” واهمون لأن هذا التفكير لا يأخذه الجانب الحكومي بعين الاعتبار، ويرى هؤلاء، وهم في تزايد حسب العارفين، أن للحوار ضرراً أكبر من منافعه. فهو يؤمّن شرعية وغطاءً للتجاوزات الحكومية التي تصل الى حد “الافتراءات”، كما انه يبدد العمل المستقل في مجال الحقوق المدنية تحت غطاء الدستور الأميركي وحقوق الإنسان.
وبالتالي بدل أن تضيع ما تسمى بـ”مؤسسات الجالية” (الدينية والمدنية والحقوقية والاجتماعية..) جهودها في إطار التوهم بـ”ضرورة وفعالية” الحوار عليها بناء أسس عمل حقوقي يجعل لها مكانة أقوى قد تؤهلها للتحاور في مرحلة لاحقة.
Leave a Reply