أخاطبك من الولايات المتحدة الأميركية، لأقول لك بصوت واضح وصريح، أننا سنقف صفا واحدا ضد توريثك الحكم ووصولك لرئاسة البلاد، ليس لأنك ابن الرئيس أو أننا نحسدك ونعارضك بدون سبب، فتلك في الأساس ليست من قيمنا وأخلاقنا، بل لأنك لست أهلا لتلك المسؤولية العظيمة والمهمة القيادية المتطلبة رئيسا من نوع خاص، عنده من الإيمان بوطنه ما يجعله يحمل مشروعا طموحا يصحح به تركة والدك الكارثية، ويعيد اليمن إلى مكانه الطبيعي كمصدر ومنبع لمعايير أخلاقية وأضواء قيمية إشتهر بها وأهله على مر التاريخ.
لقد بات واضحا ومنذ سنوات مضت، السعي الحثيث والمتواصل لتنفيذ “مشروع التوريث الصغير” المحصور في وصولك لمنصب الرئيس، ولأجل ذلك تحول الوطن إلى “لعبة شطرنج” تتحرك الأحجار فيه بما يتوافق وقدراتك التي يرى والدك قبل أي أحد آخر أنها ضعيفة ولا تصلح لتلك المهمة المكمّلة لمملكة الصالح، لذلك عمل على استبعاد كل الشخصيات الوطنية القوية، وتقريب “الضعفاء” تاركا لهم الحبل على الغارب ليلعبوا ويرتعوا في الوطن فسادا وتوريثا لأبنائهم (القريبين منك في كثير من المواصفات) إعتقادا أن ذلك “التقريب” سيؤدي إلى نجاح المشروع وبقاء مملكة الصالح في اليمن.
أنت يا ابن الرئيس من نشأت وترعرعت في بيت السلطة والملك,وتعودت على الحصول على كل ما في نفسك بإسلوب أبناء الملوك الضامنين لكل شيء مادي في الدنيا، حتى صار منصب الرئيس كمطلب يمثل عندك “لعبة أو جعالة”، معتقدا أن الكرسي أصبح في “الجيب”، لكنك لم تنتبه أو تلاحظ أن والدك لم يهيئك لذلك بصورة صحيحة علمية وأكاديمية وقانونية، لتنافس بصدق من يستحق قيادة الوطن من رجال اليمن الشرفاء، كما أنك لم تبنِ نفسك بناءً يتقارب وحجم ذلك المنصب لتتلافى أخطاء والدك، ولهذا تجد صعوبة في التعامل مع الأحداث البسيطة بعد أن عجزت في إظهار عبقريتك المبكرة، لتبصير “الصالح” ومنعه من الوقوع في الأخطاء الكارثية أو التخفيف من المشاكل المعقدة في البلاد.
إليك يا ابن الرئيس أقول.. أنك لن تأتي أو تحمل جديدا للوطن (لو وصلت إلى العرش)، لأنك أتيت من بيئة خالية من أي مشروع وطني يقدس اليمن ويعيش هموم وآلام الناس، ويحرص على عزة وكرامة الوطن، وعليه فليس من الغريب أن تمارس أداءك بنفس العقلية المشهورة منذ ثلاثين سنة، فتتجاوز الجميع وتستهتر بكل الآراء، رغم أنها أعلم وأدرى منك بشؤون الحياة وإدارة الدولة، كما أنك لا تعرف القانون أو تلتزم بأحكامه لأنك من مجموعة لا تؤمن بأن عليها قانوناً من الأساس، مع أن القائد المخلص والذكي في هذه النقطة بالذات يجب أن يكون مثلا أعلى بسلوكه، حتى ينعكس ذلك على الناس فيتبعوه. والواضح أن غياب تلك المفاهيم عنك ناتج بسبب ممارستك لمفاهيم أخرى، تبدأ من مواكب سيرك الهائلة كأبيك تماما، إضافة إلى عبثك بأموال الشعب وصرفك النقود والأراضي والسيارات بدون وجه حق، لتمثل امتدادا لنظام دمر البلاد والعباد بتلك الأساليب التي مكنتك من مزاولة التجارة والإستثمار، مخالفا القانون والدستور بشهادة وزارة العدل الأميركية.
ستواصل التقوقع في برجك العاجي، مؤمنا بأحاديث “حملة المباخر الصغار” من حولك، ولن تشعر بالشعب لأنك لم تتجرع آلامه وأوجاعه، ولم تعرف يوما أن يأتي العيد ووالدك عاجز عن توفير مستلزماته، ولم تجرب الفقر حتى تتذكر صوره ومآسيه وأنت تحكم وتجلس على كرسي الملك، ولم تذهب إلى المستشفى مريضا فيتم طردك لأنك فقير وليس لك مال، فتعود لطلب الدين وتبيع الأرض وذهب الأهل إن كان هناك بيتا وذهبا.
من الصعب أن تتألم لآلام الشعب، لأنك لم تذق مرارة الإقصاء والتهميش لأن ابن فلان تجاوزك بوساطة أبيه.. لم تشرب من كأس الذل المقدم من أعضاء في نظام أبيك وهم يقفلون أبوابهم أمام المراجعين للحصول على وظيفة، ولم تعرف معنى النوم جائعا بعد أن راجعت دروسك على ضوء الشموع… لم تعش محنة الأسرة اليمنية وهي بدون كهرباء وماء، أو لحظة رميها خارج البيت لأن ولي أمرها لم يدفع الإيجار ويسدد الفواتير، ومن أجل الشعور بأقسى وأشد ظروف الحياة وصنوف عذابها، لم تجرب الغربة عاملا في المصانع وحمّالا في الموانئ ومغسّلا للأواني والصحون، ولم تكن طالبا مبتعثا تتعرض لأقبح اشكال المعاملات من نظام أبيك الذي نجح في تحويل الإبتعاث إلى نفي لعقول اليمن الذكية، كما أنك لم تغامر في الإغتراب إلى السعودية عن طريق التهريب لتتعرف على إذلال “الأشقاء” واستعبادهم لليمنيين في زمن “الصالح”، وليت أن المعاناة توقفت هنا، بل لم ترى كيف يعد المهاجر الأيام والليالي ليعود لأهله بعد سنين طويلة من فراق جعّد الوجه وشيب الرأس.. لم ولن تحس أو تعلم بمعنى أن تغيب في بلاد الله الواسعة بحثا عن الرزق، لتعود بعد أعوام وابنك الصغير صار شابا والأصدقاء فارقوا الحياة والأهل رحلوا بدون كلمة وداع، وأنت بعيد عنهم تصحوا مع الحسرة وتتصادق مع القهر وتنام مع الحرمان.
إنها يا ابن الرئيس مأساة شعب ونكبة وطن، وأنت بالفعل والقول لا ولن تشعر وربما لاولن تأسف لكل ذلك، لأنك لو حملت ذرة من الإهتمام لقدمت ما يمكن أن يخفف من الأهوال ويساهم في بقاء اليمن بعيدا عن المستنقع الذي وصل إليه، أو حتى لوقفت مدافعا عن الشباب الصانعين للوطن فكره، والمحددين مكامن ضعفه والسائرين به نحو طرق الأمان، وأقنعت والدك و”زبانيته” بضرورة ترك مشاعل الأمل تكتب وتتحدث وتناقش لتصب أسس التغيير، لكنك خارج من بيئة نظام لا يجيد سوى لغة الإستعلاء والتهميش والبلطجة والفساد وتدمير البلاد وتشريد العباد.
أنت الآن وكما هو مخطط له وريث العرش، لكنك غائب أو متستر خلف سيئات النظام، مع أنه من البديهي أن تقفز إلى الأمام وتتحدث وتناقش وتغير للأفضل لتقول للجميع “هآأنذا” لكن يبدوا أنك تكتفي بتطمينات “الخبرة” متصورا أن الشعب كله كذلك، وهو اعتقاد ورثته عن والدك المكابر حتى اللحظة والواثق في تقارير “الشلة” رغم أن كل شيء يقول له أن الإعصار قادم والرياح بدأت في إزالة الرماد والجمر الملتهب بدأ في الظهور رويدا رويدا.
الكلام كثير وما في النفس أكثر، وأعدك أن اعود للكتابة عنك مجددا، غير أني الآن سأقول لك في نهاية رسالتي هذه كلمات من المؤكد أنك لو قرأتها كمواطن وليس كابن الرئيس فإنها ستفيدك في قادم الأيام حتى لا تضع نفسك في مكان لست له أهلا، إذ أن والدك بطريقة حكمه زرع لك الأشواك ونصب لك المسامير في كل مكان، مع أنه كان بالإمكان أن يزرع لك الورود لو طبق القانون ومنع الفساد ليقدمك إلينا بصورة نقول فيها “هذا الشبل من ذاك الأسد”، لكنه اختار لك الطريق الأصعب ليقنعنا بضرورة مقاومة التوريث، فاعلم انك قادم إلى المجهول وأحكم الناس من تيقّن وعلم أين هو سائر، كما أنك مجبر اليوم بالنظر إلى والدك ومن حوله لتتعرف على سواد المشهد الذي يراد لك الوصول اليه. فاحرص على أن لا تحمل نفسك ما لا طاقة لها به، وفكّر وتدبّر في حجم وهول الأمانة وصعوبة الحكم وكثرة المظالم التي ستحاسب عليها يوم القيامة.
إن فاقد الشيء لا يعطيه، وأنت لن تقدم أي نقطة ضوء تبشر، ومن المستحيل أن تكون مثل الرئيس بشار الأسد في علمه وثقافته على الأقل، صاحب الحضور السياسي القوي والحديث الإعلامي المبرهن أنه تعب وسهر وقرأ واطلع ليكون مثقفا من طراز فريد، كما أنك لن تشعر بما شعر به سلطان عمان يوم أن زار السعودية ورأى شعبه ينظف الشوارع فحز ذلك في نفسه، ليبني بعدها بهدوء وحكمة وطنه ويمنحه العزة والكرامة، تاركا لنظام والدك المهمة لجعجعة الشعب وهدر كرامته في الخليج بأكمله.
هذا ما دار بين الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز وإبنه فماذا يدور بينك وبين أبيك؟
اتجه عمر بن عبدالعزيز إلى بيته وأوى إلى فراشه، فما كاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى أقبل عليه ابنه عبد الملك وكان عمره آنذاك سبعة عشر عاما، وقال: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فرد عمر: أي بني أريد أن أغفو قليلاً، فلم تبق في جسدي طاقة. قال عبد الملك: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟، فقال عمر: أي بني، إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله. فقال عبد الملك: ومن لك يا أمير المؤمنين بأن تعيش إلى الظهر؟! فقام عمر وقبَّل ابنه وضمه إليه، ثم قال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني.
Leave a Reply